فضيحة الابداع المعماري في مسجد مصر الفرعوني!

مشجد على الطراز الفرعوني

لا شك أن المسجد الفرعوني الذي تم انشاؤه على قاعدة المعابد الفرعونية، وتم تزيينه بالنقوش الفرعونية في محافظة الفيوم بمصر، سابقة لم تحدث في التاريخ المعماري الإسلامي الزاهر من قبل، فكيف حدث هذا؟ ـ وهل هو نتيجة جهل بالمدارس المعمارية الإسلامية، أم هي حالة ناتجة عن جهل زادت حدته في الفترة الاخيرة!.

سبق هذا الحدث بعدة أعوام سلسلة من الفنون المتخبطة تمثلت في تشييد عدة تماثيل مسيئة لفن النحت المصري، وتخطيط ميادين بالغة السوء، أثارت وقتها الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وكلها كانت تعكس تدني كبير في الذوق العام وتمكن العشوائية من العقول التي تخطط للتجميل بشكل غيرعلمي وغير مسبوق.

فنون المعمار في مصر

لم يكن المسجد الفرعوني العجيب هو أول تصميم فرعوني في مبنى هام، لقد سبقه تصميم مبني المحكمة الدستورية العليا الذي استخدم نفس قاعدة التشيد التي ارتكزت على التصميم الفرعوني في تشيد المعابد، والزخرفة الفرعونية التي تأخذك بعيدا عن روح المبنى ومهمته الأساسية.

الحقيقة ليس هناك تفسير لفهم القصد من هذا المفهوم الذي يعود بالمعمار المصري إلى خمسة آلاف سنة مضت ويخص بها مباني دينية أو دستورية لها قدسيتها، وكأن مصر لم يمر بها أي نوع من التطور المعماري.

على العكس تماما من ذلك، فان فنون المعمار الإسلامي في مصر عظيمة الابداع، وتبدو شواهدها العظيمة في قلب القاهرة الكبرى قائمة رغم التدهور الذي طال بعضها، فكل العصور الإسلامية من الدولة الأموية وخليفتها العباسية وما لحق بهما من دول متتابعة متعددة مثل الدولة الطولونية والإخشيدية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، كلها ممثلة في مصر ويمكن بسهولة ملاحظة السمات المختلفة بينها وفق اختلاف احوال البلاد والعباد وقتها.

حتى في أوربا شواهد الحضارة الإسلامية البالغة الصنع والفن والدقة مازلت ماثلة على حالها في الاندلس، لا سيما قصر الحمراء أحد شواهد هذا التألق المعماري الإسلامي العظيم، فهو واحد من من أروع القصور في تاريخ العمارة الإسلامية، ومن أعظم وأروع الآثار الأندلسية الباقية.. فكيف إذن نخرج على هذه القاعدة ونبني مسجداً فرعونياً كأول مسجد في تاريخ الأسلام!!

ربما يكون قد حدث خلط معماري بين الحضارات في الماضي، لكنه تم بشكل غير مقصود، ففي مصر أثناء بناء المساجد القديمة تم استجلاب صخورها وحجارتها من الأهرامات أو المعابد الفرعونية القريبة، لذلك ليس مستغربا أن نشاهد في بعض الاحيان نقوشاً فرعونية على بعض أحجار مساجد في القاهرة القديمة، نفس الشيء موجود في الكثير من كنائس الاندلس فقد تم تحويل المساجد إلى كنائس بعد طرد المسلمين ومازالت العبارات الإسلامية الدينية منقوشة على احجار تلك الكنائس حتى اليوم.

إن التطوير أو التشابه بين دور العبادة المختلفة لا يتعدي أن يكون في شكل الصحن الجامع للناس من إضاءة وتحسين لخاصية السمع دون التأثر بأي من الرموز الدينية التي تميز ديانة عن أخرى. فكيف إذن استعان مصمم المسجد المصري بالرموز المصرية القديمة كالجعران الفرعوني المقدس على الواجهة والذي يرمز إلى الديانة الفرعونية المرتبطة بالإله آمون؟ ..في حين يعرف الناس أن الثقافة الإسلامية أهملت رسوم التصوير واهتمت بالخط وطورته، وبلغت به قمة فنية لم تصل إليها حضارة أخرى.

إن تأثر الحضارات القديمة ببعضها كان ينبع من داخل الثقافة نفسها دون التأثر بشكل الاداء الديني فالمعابد الأغريقية نقلت رواق الاعمدة من العمارة الفرعونية وخير مثل على ذلك هو معبد الكرنك في الأقصر، أيضا المعابد الرومانية أضافت القبة رغم تشابهها مع المعابد الأغريقية في التصميم.

هناك نوع آخر من التداخل المعماري الذي يمكن أن يجتمع في مكان واحد مع احتفاظ كل منه بخصائصه المميزة دون التأثير في الآخر، أكبر دليل على ذلك مانراه بشكل واضح في مسجد “ابي الحجاج الاقصري” الذي بني فوق معبد الأقصر الفرعوني في مدينة الأقصر، فبعد وفاته في عام 1286 دفن في ضريحه في المسجد الذي أخذ شكلا معماريا فاطميا تميز بمئذنته المبنية بالطوب اللبن متأثرة بمأذن الصعيد القديمة مثل مئذنة مسجد قوص ومسجد إسنا.

في قلب القاهرة

اذن وسط كل هذا اللغط كيف تبدو آثار مصر الإسلامية الباقية؟ وهل هناك مخاطر تتهددها؟

الحقيقة أن مصر واحدة من أغني دول العالم ذخرا بالأثار الإسلامية لا سيما تلك المتميزة بأنماطٍ معمارية نادرة تنتمي كلها إلى العصور الإسلامية المختلفة بدءً بالعصر الإسلامي الأول في سنة 640 م وحتى نهاية سنة 1880م. لكن وسط الإهمال وتدني الصيانة فإن هناك تناقصا مستمرا في عدد الآثار الإسلامية المسجلة في هيئة الآثار المصرية، فقد تناقصت من 622 اثرًا إسلاميا مسجل سنة 1951 إلى 450 اثر فقط، ويبدو أن السبب المباشر في ذلك هو تعرض تلك الآثار إلى عوامل مدمرة تعرضت لها إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

اهم تلك العوامل هو وجودها في قلب القاهرة داخل الكتلة السكانية، وتعرضها المستمر لعوامل التلف مثل حركة السيارات وعوادمها المستمرة بالشوارع، وعوامل التآكل نتيجة الاكاسيد الحمضية الموجودة في بخار الماء، أما اغلب الاعمدة الجرانتية في المساجد الاثرية فقد تأثرت بشكل واضح برشح المياه، بالإضافة إلى التفاوت الكبير في درجات الحرارة من الصيف إلى الشتاء مما يؤدي إلى تقشرها وتعريتها.

لا بدَّ إذن أن يكون هناك اهتمام كبير بالأثار الإسلامية، وأن تبذل الجهود للحفاظ عليها، ومن ثم يتم التقيد بمعايير الحضارة الإسلامية ذات العمائر المميزة في التصميم وفي الزخرفة، وحسنا فعلت وزارة الأوقاف المصرية عندما فتحت تحقيقا على الفور لمعرفة أسباب هذا الاختيار الغريب والمشوه للمسجد الفرعوني وامرت بإزالة كل النقوش الفرعونية التي زينت المسجد.

ليس هذا فحسب بل يجب أن تقوم المؤسسات المعمارية المختلفة في الدولة بتخصيص ميزانيه لرفع درجه الوعى الثقافى بمصر، والارتقاء بالذوق العام، وابراز اهميته القصوى وضرورياته كالاكل والشراب حتى يتوقف هذا السيل من الفنون العشوائية التي تضر بتاريخ مصر وحضارتها

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر