هل اقترب موعد عودة العلاقات التركية المصرية؟!

هل تكون قريباً؟

التصريحات الإيجابية التي صدرت على لسان المسؤولين في كل من تركيا ومصر عقب جلسة المفاوضات الثانية التي جمعت مسؤولي خارجية البلدين في أنقرة مؤخرا، واستمرت على مدى يومين مثلت صدمة لهؤلاء الرافضين لأي مصالحة بين البلدين، الراغبين في زيادة حدة التباعد، وتعميق الخلافات، الكارهين لعودة العلاقات بين تركيا ومصر إلى طبيعتها، لإدراكهم التام أن تلك العودة تعني تلقائيا عودة زمن الكبار وانتهاء عصر الأقزام، الأمر الذي سيؤثر على مصالحهم والدور الذي يتكسبون من وراء القيام به.

الكارهون للتقارب التركي المصري

وفي محاولة لعرقلة تلك الجهود الدبلوماسية عاد الحديث مجددا عن أبرز النقاط الخلافية بين البلدين، والتي تتمحور حول الملف الليبي، وثروات شرق المتوسط، والإخوان المسلمين، حيث تعمدت عدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية تسليط الضوء بقوة على تلك الخلافات، ومدى صعوبة تجاوزها، أو التوصل إلى حلول بشأنها، وأن مصلحة كل طرف منهما ستقف حائط صد منيع أمام أي محاولات لإيجاد حلول منطقية وعملية تؤمن لكل دولة منهما الوصول إلى أهدافها، بما يسمح بعودة العلاقات الطبيعية بينهما.

وجود خلافات في وجهات النظر أوعوائق فعلية تقف في طريق تأمين سريع لعودة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين أنقرة والقاهرة حقيقة لا يمكن إنكارها أو التغاضي عنها، إلا أن التطورات الإقليمية والدولية التي شهدها العالم مؤخرا، وتأثيراتها على مكانة كل منهما، يبدو أنها أجبرت الدولتين على ضرورة مراجعة مواقفهما تجاه بعضهما البعض، وإعادة النظر في تحالفاتهما السابقة، وإجراء تغييرات شاملة في منهج تعاملهما إقليميا ودوليا بما يتواءم مع تلك التطورات، ويحقق لهما مصالحهما الأمنية والاقتصادية والسياسية.

الملف الليبي وشرق المتوسط أصعب الملفات الخلافية

ويعد الملف الليبي أهم وأصعب الملفات الخلافية بين البلدين، فالقاهرة ترى أن ليبيا تمثل عمقا استراتيجيا لها، وبالتالي لا يمكنها القبول بوجود قوات أجنبية على أراضيها، كون ذلك يمثل تهديدا مباشرا لحدودها الغربية، وينتقص من سيادتها عربيا وإقليميا، فيما ترى أنقرة أن على القاهرة التفريق بين قواتها الموجودة في ليبيا بناء على اتفاقية للتعاون الأمني والعسكري التي تم توقيعها مع حكومة الوفاق الوطني السابقة، وبين القوات الأجنبية المتمركزة هناك.

أنقرة وفي إطار تطميناتها للقاهرة أوضحت خلال الاجتماع الاستكشافي أن قواتها في ليبيا تقوم بأمرين فقط هما حفظ توازن القوى على الأرض، بما يمنع نشوب المعارك بين الأطراف المتصارعة هناك، وتدريب العسكريين الليبيين، وفي نفس الوقت تتولى مهمة حماية الحدود البحرية للدولة التركية في شرق المتوسط، وذلك وفق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تم توقيعها مع الجانب الليبي 2019، إلى جانب حفظ حقوقها في ثروات المنطقة ومنع أي محاولة للتعدي عليها من جانب القبارصة اليونانيين الذين يقومون بعمليات تنقيب أحادية الجانب، متجاهلين حقوق القبارصة الأتراك.

وكشفت أنقرة عن أنها اتفقت بالفعل مع كل من ألمانيا وروسيا على ضرورة سحب القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، لمنح الفرصة كاملة أمام تشكيل هيكل الدولة، وإتمام العملية السياسية، وإعادة توحيد الجيش الليبي.

وأعادت تركيا مرة أخرى مقترحها الخاص بترسيم الحدود البحرية بينها وبين مصر، خصوصا وأن هذا من شأنه تبديد مخاوف القاهرة من جهة، وإعادة آلاف الكيلومترات التي فقدتها الأخيرة نتيجة معاهدة ترسيم حدودها مع الجانب اليوناني، وهو ما سيمنحها حصة أكبر من ثروات المنطقة.

ويبدو أن القاهرة بدأت تقتنع بهذا الطرح، حيث خرجت عقب الاجتماع تصريحات مسؤوليها، ممثلة في كل من رئيس وزرائها، ووزير خارجيتها، لتؤكد إمكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين هذا العام.

ترحيل وليس تسليم لعناصر الإخوان المطلوبة قضائيا

أما فيما يخص الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا، فقد تم إيضاح عدد من النقاط الهامة التي ترتبط بهذا الملف خلال الاجتماع، ومن أهم هذه النقاط تصنيف أنقرة للإخوان المقيمين على أراضيها إلى ثلاث مجموعات:

1 – المجموعة الأولى وتضم الذين خرجوا من مصر إلى تركيا، ولم يعلنوا صراحة عن عدائهم للدولة المصرية، كما لم يقوموا بأي أعمال تصنف بأنها إجرامية، وليس لأي منهم سجل قضائي.

2 – المجموعة الثانية وتشمل هؤلاء الذين جاهروا بالعداء للنظام المصري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنهم لم يقوموا بأي أعمال أو أنشطة تخريبية، وتمحور نشاطهم حول التصريح بموقفهم المعارض للنظام فقط.

3 – المجموعة الثالثة وهم من تمت إدانتهم قضائيا وصدرت أحكام ضدهم، وأصبحوا مطلوبين للعدالة، ومعظم هؤلاء أصبحوا يحملون الجنسية التركية، الأمر الذي يعني عدم إمكانية تسليمهم للسلطات المصرية، بحكم كونهم مواطنين أتراك الآن.

واقترحت تركيا أن يتم إبقاء عناصر المجموعتين الأولى والثانية لديها مع مراقبة أنشطتهم، وإخراج عناصر المجموعة الثالثة على دفعات إلى كل من باكستان وماليزيا، وذلك تنفيذا لرغبة القاهرة، وفي الوقت نفسه لرفع الحرج عن تركيا كون مسألة تسليمهم مباشرة لمصر يعني فقدانها لمصداقيتها أمام شعوب العالم الإسلامي التي تراها ناصرة المستضعفين، وملاذ اللاجئين.

كما أن القيام بتلك الخطوة من شأنها إثارة الجماعات الإسلامية والصوفية في تركيا ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم، مما يفكك قاعدته الانتخابية، ويفقده كتلته التصويتية الأساسية التي لا يمكنه التضحية بها أو الاستغناء عنها.

ومع ذلك وإرضاء للقاهرة خطت تركيا خطوات ملموسة في ضبط أداء الأخوان السياسي والإعلامي عقب الجولة الأولى من المباحثات بين الطرفين، في يونيو/حزيران الماضي، حيث تم إيقاف بعض الإعلاميين الذين ترى القاهرة أنهم يسيئون إليها وإلى رموز نظامها، كما تم منع بث أي برامج أو أخبار على مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف النظام في مصر، أو تنال من سياسات الدولة المصرية.

مطالب أنقرة من القاهرة

لم تكن القاهرة فقط التي لها مطالب لدى أنقرة، فتركيا أيضا كان لها مطالب محددة خلال الاجتماع، بخلاف مسألتي ليبيا وشرق المتوسط، إذ طلبت أمرين، وقف تعامل القاهرة مع عناصر منظمة الخدمة التابعة لفتح الله غولن المتهم الرئيس في محاولة الانقلاب الفاشلة الذي وقعت في تركيا 2016، إلى جانب إغلاق مكاتب حزب العمال الكردستاني التي تم فتحها في مصر، والتوقف عن استقبال عناصره المطلوبة قضائيا في تركيا، وهما ما تعهدت القاهرة بالقيام به خلال الفترة المقبلة.

ليعلم الكارهون لعودة العلاقات التركية المصرية إلى مسارها الطبيعي أن التوصل إلى حلول للعوائق التي تقف حجر عثرة في طريق المصالحة بين البلدين أمرا منطقيا إذا ما تم بحث كل ملف من تلك الملفات الخلافية بموضوعية، ووضع الحلول المنطقية التي تحفظ لكل دولة هيبتها داخليا وخارجيا، إلى جانب التيقن من أنها تأتي في إطار تحقيق مصالح الدولتين، وتوسيع نطاق تعاونهما في الكثير من ملفات وقضايا المنطقة بما يعزز من مكانتهما وتأثيرهما إقليميا، بل ويدعم قوتهما على الساحة الدولية ويرفع من قدراتهما على المواجهة، وهي مكاسب تجعل من تخطي تلك العوائق أمرا يسيرا.

المصدر : الجزيرة مباشر