نجل القذافي.. معركة الزومبي الأخيرة!

سيف القذافي في مرحلة الاعتقال

تحاول بعض الدول الغربية ومن خلفها بالطبع حليفها العربي المناوئ للديمقراطية، إعادة إنتاج سُلطة القذاذفة على ليبيا مرة أخرى، وذلك بنفخ الروح في حطام الابن الهارب، أو الزومبي شديد التّخفي، وتجهيزه لمعركة أخيرة بعد فشل خليفتهم حفتر، من باب جر الساعة للوراء، والعودة إلى ما قبل ثورات الربيع العربي.

ظهر سيف الإسلام القذافي، في أخر مقابلة صحفية مع نيويورك تايمز ليردد ما تم تلقينه إياه، وقال إنه الأن رجلٌ حرٌّ ويرتّب لعودته إلى الساحة السياسية، مؤكداً أن الذين اعتقلوه قبل عشر سنوات قد تحرّروا من وهْم الثورة. وهي نفسها نغمة الإعلام المُعادي للثورات، تجريم ما تم، وتسويق بروباغندا الحنين إلى أيام مبارك في مصر، واليمن السعيد مع علي عبد الله صالح، وسنوات بن علي في تونس، بعد خنق الإرادة الشعبية، بحبال الاقتصاد، واجهاض الحُلم العربي.

كان إصبعه منعقدًا بطريقة اعتبرها الثوار مستفزة

ارتدى سيف الإسلام جُبّة الصحراء، وهو يصارع نزوة غامضة من أجل الوصول للحكم، في وقت كانت فيه كل العروش العربية في الماضي تقريبًا تحت وطأة محاولات توريث السُلطة للأبناء، بشكل أوشك أن يكون محتملًا، لكنه تحطم بصورة جماعية مع اندلاع ثورات الربيع العربي.

كانت إصبعه منعقدة بطريقة اعتبرها الثوار مستفزة، وهو المشهد الذي قبع في ذاكرتهم إلى درجة التخلص من الإصبع نفسها بعد أشهر قليلة، نذرًا عليهم، حين انتهى الأمر به بالفعل تحت قبضتهم، لكنه أنكر ذلك، وقال في المقابلة الأخيرة إنه فقدّ إصبعيه في غارة لحلف الناتو.

وقد حاول سيف الإسلام من قبل تصدير وجه الشاب الإصلاحي المنفتح على الأخر، لسنوات مديدة، وقاد المفاوضات لإنهاء حصار بلاده بتقديم تنازلات هائلة، أو بالأحرى تسويات مُكلفة، مثل دفع ملايين الدولارات تعويضات ضحايا طائرة لوكربي، والتَخلّص من البرنامج النووي لبلاده، ومع ذلك انتهى به المطاف مطلوباً للمحكمة الجنائية، وهى محكمة سياسية يتخذها الغرب ذريعة للضغط وتطويع رؤساء دول العالم الثالث. وفي الغالب سوف تُتاح لابن القذافي فرصة العودة تحت سنابك خيول وطائرات الغرب، وسوف تُستخدم المحكمة الجنائية لابتزازه وجعله خادماً مطيعاً لهم، قبل التخلص منه مرة أخرى.

وربما فات على سيف الإسلام، وهو يفكر في العودة إلى باب العزيزية، أن ليبيا ليست مملكة خاصة، يتوارثها الأبناء كابراً عن كابر، وإنما بلاد حرّة، مثلما هو حُر الأن، وقد ثار شعبها، بعد عقود من الاستبداد والقهر، حتى لا يخرج سيف الإسلام من عزلته الطويلة، كأي حفيد أموي، منافحاً عن ملك أبيه.

أما رمزية القذافي فهي ليست أعمق من رمزية عمر المختار، الذي وقف كالأسد الهصور في وجه الاستعمار، وأرغمهم على التراجع، وهم الآن أنفسهم، يعودون عبر حلف الناتو وروسيا من جهة أخرى، يريدون سرقة نفط ليبيا وتدميرها، عبر عملاء الداخل، من دون أن يذكرهم أحد برسالة سيدي عمر المختار إلى جزار فزان الكولونيل جيراتسياني: ” نحن معكم إلى نهايتكم أو نهايتنا”.

ظهر سيف الإسلام القذافي وهو يرتدي عباءة سوداء خليجية الطراز

وبالرغم من أن سيف الإسلام تحدث بمرارة حول ما جرى لبلده، قائلاً: “لقد اغتصبوا بلادنا وأذلّوها. ليس لدينا مالٌ ولا أمنٌ ولا حياة. إذا ذهبتَ إلى محطة الوقود، فلن تجد وقودًا. نحن نصدّر النفط والغاز إلى إيطاليا – نحن نضيء نصف إيطاليا ونعاني من انقطاع الكهرباء. ما يحدث تخطّى حدود الفشل. إنه مهزلة.” وهي حقائق مؤلمة، وجديرة باستنهاض روح المقاومة، إلا أن أكثر ما يخشاه الناس في بلاده أن يجرد رمزية والده لخدمة مطامع الغرب، ويعّبر عن مصالح الرأسمالية المتوحشة، التي ترى في ليبيا “بقرة حلوب” تدُّر لها النفط والدولارات، وشعبها فقير مشرد.

ومثلما حاولت بعض القوى الخارجية فرض حفتر بالقوة، ليس على المعادلة العسكرية فحسب، وإنما كذلك على الحياة السياسية في البلاد، بهدف السيطرة على مناطق الهلال النفطي، وليبيا كلها، وسعت إلى تغييب الحكومة الشرعية، وتركها تحت رحمة المليشيات المسلحة، فهى الأن تريد الدخول إلى أي عملية انتخابية بوكلاء تؤمن بهم مصالحها، وتمرر عبرهم أجندتها الاستعمارية، ولا يوجد شخص لديه غبينة مثل “نجل القذافي” يحلم بالعودة والانتقام ممن أزاحوا والده، ومن أجل ذلك يراهن على كل شيء، وبأي ثمن.

ولذلك استغلّ غيابه عن الساحة الليبية، ليرتب لعمل كبير، من خلال إعادة تنظيم القوة السياسية التابعة لأبيه والمعروفة باسم “الحركة الخضراء”. بمظان أن الحركة التي يقودها بإمكانها أن تعيد للبلاد وحدتها المفقودة، والعرش المُحطّم، وهو بذلك يقرأ من ذات “الكتاب الأخضر”.

ظهر سيف الإسلام القذافي وهو يرتدي عباءة سوداء خليجية الطراز تزيّنها أهدابٌ ذهبية، كأنه ملك مُتوج، وقد أطلق لحية طويلة، جعلته أكثر وقاراً، لا ذلك الشاب المدلل، الذي عاش في كنف والده ينهى ويأمر بنزق سياسي طائش، أما الصورة الجديدة، فقد قصد لها أن تغزو مخيلة الشارع الليبي، بأن الابن شبّ عن الطوق بطلاً عربياً ورمزاً ملهماً للصحراء.

لا تزال ثمة مخاوف من وجود تواصل بين سيف الإسلام وقوى معادية للديمقراطية، تريد أن تستخدمه ممحاة لما قرره الشعب الليبي، وبالتالي أمامه طريق وحيد للعودة، أن يعمل من أجل ليبيا بدوافع وطنية محضة، ويعيدها لجادة الصواب، ويتحرر من الأسر القديم والجديد.

المصدر : الجزيرة مباشر