شيطنة طالبان.. لا جديد عند الغرب!

في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، سقطت كابل في أيدي قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عقب تفجيرات الحادي عشر سبتمبر/أيلول 2001، وسخَرت وسائل الإعلام الغربية وقتها وادّعت أن الملا عمر -رئيس حركة طالبان- قد هرب على دراجة.

وأيا كان هروب الملا -وهي تعني باللغة البشتونية التي يتحدث بها غالبية أهل دولة أفغانستان: الشيخ- فقد استمر هو ورفاقه في محاربة أمريكا والحكومة العميلة التي عينتها حتى استشهد، واستمر رفاق الملا عمر في هذه الحرب مدة 20 عاما، كبّدوا أمريكا حوالي تريليون دولار أمريكي، وأكثر من 2300 جندي، وحوالي 45 ألفا من جنود قوات النظام الأفغاني حتى سقطت العاصمة الأفغانية كابل مؤخرًا في 15 أغسطس/ أب 2021 على أيدي رفقائه من حركة طالبان، وهرب الرئيس الأفغاني أشرف غني، كما هرب من قبل على أيدي نفس الحركة في 26 سبتمبر 1996 الرئيس الأفغاني وقتها، برهان الدين رباني، وتسقط العاصمة كابل في أيدي طالبان، التي لم تحافظ عليها سوى 5 سنوات، فهل ستحاول طالبان السيطرة على حكم أفغانستان هذه المرة مدة أطول، وتجتاز العقبات والأفخاخ المنصوبة لها من دول عدة بعد أن صار الجهاد ضد المحتلّ وضد الحكام العملاء إرهابا، ومَن يمارسه منبوذا، ويتعرض للمحاصرة والمقاطعة، ويوضَع على قوائم الإرهاب، سواء جماعة كانوا أو تنظيما أو أفرادا؟!

شيطنة الحركة

الحقيقة أن هناك محاولات قديمة ومستمرة حتى الآن لـ”شيطنة”حركة طالبان منذ ظهرت على أيدي طلاب العلم والشريعة في أفغانستان ووصولها للحكم، فمنذ هذا الوقت خاصة بعد تفجيرات سبتمبر يتم وصفها بالحركة الإرهابية، وتم إنتاج مئات الأفلام والمسلسلات، بالإضافة للعديد من البرامج وآلاف المقالات ضد الحركة منذ أكثر من عقدين من الزمان، وربطوا بين الحركة والإرهاب، في كل مكان لتصبح أماكن مثل كابل، ومدينة قندهار، وجبال (تورا بورا) مرادفا دائما للإرهاب والقسوة، ولا ينسى العالم الغربي موطن النشأة لتنظيم القاعدة الذي نشأ في جبال أفغانستان، وحماية الحركة لقيادات التنظيم، خاصة زعيم التنظيم أسامة بن لادن -الذي قتل على أيدي القوات الأمريكية- وكذلك زعيم التنظيم الحالي أيمن الظواهري، كل ذلك جعل الحركة في مرمى القصف طوال الوقت.

كل ذلك لا يأتي من فراغ، فمن المفارقات أن القادة الكبار في طالبان، ومنهم الذين فاوضوا الأمريكان في الدوحة، والذين يحكِمون سيطرتهم على الولايات الآن، والملا الذي تسلّم القصر الرئاسي في كابل، هؤلاء إما كانوا في سجن (جغانتانامو)، أو سجن قاعدة (باغرام) الأمريكية في مقاطعة باروان الأفغانية، أو سجون النظام الأفغاني المنهار، فعلى سبيل المثال الملا عبد الغني برادر -العقل السياسي للحركة والمفاوض الرئيسي مع الأمريكان- كان سجينا لدى القوات الأمريكية، والقيادي الذي تسلم القصر الرئاسي أمضى 8 سنوات في معتقل (غوانتانامو)، وهكذا معظم قيادات الحركة جلُّهم كانوا في السجون الأمريكية، أو سجون النظام المنهار، مما يجعل العالم يتعامل -من وجهة نظره- مع حفنة من الإرهابيين، ولكن من دروس ما حدث في أفغانستان وما سطّرته الحركة أن القوي مهاب وإن كان حافيا.

بكائيات الغرب

20 عاما تحارب أمريكا حركة طالبان، ودربت جيشا عدده 300 ألف جندي، وأنفقت عليه أكثر من تريليون دولار أمريكي، وفي لحظات انهار هذا الجيش، وفرّ مذعورا أمام حركة طالبان المسلحة، ليدخل الغرب سريعا في محاولات شيطنة الحركة منذ أول يوم لها في قصر الرئاسة في بكائيات محفوظة عن حقوق الإنسان والحريات والمرأة، وهي مصطلحات تختلف قيمتها ووضعيتها لدى الغرب حسب مصالحهم، فهناك مَن يقتلون ويسفكون دماء شعوبهم، وفي الوقت نفسه يعيش الغرب معهم في علاقات متعددة تنبع من المصلحة، ولا يدافعون عن سجناء أو معتقلين طالما هذه العلاقات والمصالح مستقرة، بل يتغاضون عن المجازر لاستمرار هذه المصالح.

لم تترك المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الأمور تبرد حتى أدلت بدلوها في محاولة الشيطنة هذه، وقالت “كيف أعادت طالبان احتلال مقاطعة تلو الأخرى ومدينة تلو الأخرى بسرعة مذهلة، وجعلت البلاد بأكملها تحت سيطرتها، هذا التطور مرير ومأساوي، ومخيف بالنسبة إلى الأفغانيين، إنه لأمر فظيع بالنسبة لملايين الأفغان الذين ناضلوا من أجل مجتمع أكثر حرية، وعملوا بدعم من المجتمع الغربي على الديمقراطية والتعليم وحقوق المرأة”.

وجاءت كلمة الرئيس الأمريكي جو بايدن كاشفة وصريحة عن قوة الحركة، وما تكبّدته أمريكا خلال العشرين عاما من الخسائر، فقد قال “بعد عشرين عاما تعلّمنا الدرس وبصعوبة، لقد انهار الوضع أسرع مما كنا نتوقع، كم جيلا أمريكيا بعدُ تريدون مني أن أرسلهم إلى أفغانستان ليحاربوا؟ وكم من المقابر الأمريكية بعدُ يجب أن نحفرها؟ ما من قوة عسكرية من شأنها أن تبني الاستقرار في أفغانستان، فهي معروفة بأنها مقبرة الإمبراطوريات!”.

أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد قالها واضحة دون مواربة لكي يكشف عن وجهه “إن عملنا سيتم بمقاومة (الإرهاب الإسلامي) بكل أشكاله، وأفغانستان يجب ألا تعود لبؤرة للإرهاب”.

صفحة جديدة

نعم، دخل الطالبانيون القصر الرئاسي في كابل هذه المرة بالتكبير وقراءة سورة الفتح من القرآن الكريم، وجلسوا على طاولة اجتماعات الرئيس الهارب، لكى يبدؤوا صفحة تاريخية جديدة في التاريخ الأفغاني، وتاريخ الحركات الإسلامية المسلحة.

ولكنهم دخلوا بوجه جديد منفتح على العالم وعلى شعبهم، فقد قالت حركة طالبان في أول مؤتمر صحفي لها في كابل إنها لن تسمح بأن تكون أفغانستان ملاذًا آمنًا للإرهاب، ووعدت باحترام حقوق المرأة وفق الشريعة الإسلامية، وقالت الحركة على لسان المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد “إنه لن يتم التعامل مع أحد بالانتقام، وإنهم يعفون عن الجميع لصالح الاستقرار والسلام في أفغانستان”.

وهكذا تقدم جماعة طالبان نفسها كنموذج يحمل السلاح، وفي الوقت ذاته يتعهد بالانفتاح عن الجميع حتى لا يتم الاستمرار في شيطنتها، وفي الوقت عينه حماية نفسها.

والحقيقة أن حركة طالبان لن تغيّر في نهجها كثيرا من ناحية السمت الإسلامي ولكن ستنفتح مع العالم، ولن تأوي أي مطلوب من التيارات الإسلامية حتى لا تتكرر ذريعة بن لادن مرة ثانية، فقد تعلّمت الحركة الدرس وأصبحت في موقف أقوى، أما شيطنة الحركة فسوف تستمر خاصة من الدول الإسلامية، فهي الوحيدة التي لم نسمع لها تصريحا فيما حدث لأن قادتها ينتظرون الأوامر.

المصدر : الجزيرة مباشر