تونس وأزمة هجرة جديدة عبر المتوسط!

قرار الرئيس التونسي قيس سعيد بالعودة بالبلاد إلى الوراء، من خلال سلسلة الإجراءات التي قام بها بالعصف بدولة المؤسسات، ووأد الديمقراطية الوليدة، أحدثت نوعا من الارتباك والقلق العربي والعالمي خاصة بين هؤلاء الذين كانوا ينظرون إلى تونس كمثال أحدث نقلة كبيرة في التطور الديمقراطي المؤسسي بعد أفول نجم الربيع العربي!.
إن تجميد الحياة السياسية، ورفع الحصانة عن البرلمان، وعزل رئيس الحكومة، ومداهمة منازل بعض النواب في البرلمان التونسي على خلفية منشورات كتبوها علي مواقع التواصل الاجتماعي، أحدثت قلقا أوربيا،  وخوفا من تفجر أزمة هجرة جديدة عبر شواطئ المتوسط، ناهيك عن الأزمات الأخرى التي تشغل دول الشمال الأفريقي في كل من ليبيا والجزائر والمغرب.

العجز الأوربي

خوف الاتحاد الأوربي من أزمة هجرة جديدة يأتي من عجزه عن حل الأزمات السابقة، خاصة ليبيا التي باتت نشكل مسارا رئيسيا للهجرة إلى أوربا، حتى أن 98 % من الهجرة عبر المتوسط تأتي الآن من ليبيا.
رغم أن هناك اتفاقا تونسيا مع الاتحاد الأوربي بشأن تنظيم الهجرة من تونس، إلا أن ذلك بالتأكيد لن يفلح عندما تغرق البلاد في الصراعات السياسية وتتحول إلى ساحة غير مستقرة، عندها ستنفتح بوابات الهجرة إلى أوربا.
من المعروف أن أول العوامل التي تدفع الشباب إلى إلياس والهجرة هو عسكرة الحياة المدنية، وفرض الرقابة على حرية التعبير، ووقف كل مظاهر الحياة الديمقراطية، وهذا تحديدا ما حذرت منه الأمم المتحدة في تقرير صدر عنها مؤخرا جاء فيه “أن القرارات السياسية للدول، هي التي تدفع إلى الهجرة عبر مسارات الموت في المتوسط، وهو ما كان يمكن تجنبه!.”
بالتأكيد هناك جوانب أخرى تحفز المهاجرين إلى سلوك دروب الموت عبر المتوسط، مثل تردي الأوضاع الاقتصادية، والحروب. لكنه يصبح أيضا سبيلا لهروب المثقفين وأصحاب الرأي الحر عندما تدب الخلافات بينهم وبين الإدارة الحاكمة، خاصة عندما يتعذر وجود آلية مشتركة بينهم من أجل إجراء حوار وطني في إطار ديمقراطي مما يعصف باستقرار البلاد.
المتحدثة باسم المفوضية الأوربية تتحدث عن قلق الاتحاد الأوربي من جراء عدم استقرار تونس عندما تقول: نحن نتابع آخر التطورات في ذلك البلد عن كثب، وندعو إلى احترام الدستور والمؤسسات، وسيادة القانون، كما ندعوهم إلى التزام الهدوء وتجنب أي لجوء إلى العنف من أجل الحفاظ على استقرار البلاد.

ما تريده أوربا

إذن هذا هو الاستقرار الذي تريده أوربا لتونس ولدول المنطقة، وهو ما قد يجعلها تتدخل في اللحظة الحاسمة للضغط على الرئيس التونسي قيس سعيد من أجل تهدئة الأمور، والعمل على حل الخلافات الداخلية بأسرع وقت، خاصة وأن التخبط السياسي والقلاقل السياسية بشكل متزايد، قد تفتح بوابات الهجرة، وهذا ما رأيناه واقعا فعليا عندما دب الخلاف بين المغرب وأسبانيا بسبب أزمة الصحراء فبين عشية وضحاها كان هناك 7 آلاف من الشباب المغربي على أبواب سبتة وميليله.السؤال الآن هل يمكن أن تصبح تونس فعلا بوابة جديدة للهجرة على غرار البوابة الليبية؟ الحقيقة أن تونس قبل انقلاب قيس سعيد لم تكن مسارا معروفا للهجرة مثل بقية الدول المغربية، لكنها في حالة عدم استقرار الآن، وقد تعود إلى أجواء ما قبل 2011 عندما وصل إلى الشواطئ الإيطالية وقتها 28 ألف تونسي فارين على وقع الأزمة الاقتصادية والسياسية وقتها في البلاد.
في الشهريين الماضيين، قبل الأزمة السياسية، ومع تصاعد أزمة الكرونا، وتردي الأوضاع الاقتصادية في تونس، تم رصد أعداد متزايدة لمهاجرين تونسيين إلى أوربا عبر القوارب، خاصة إلى الجزر الواقعة في جنوب إيطاليا. وهناك إشارة إلى أن عددهم يتعدى الثلاثة آلاف مهاجر خاصة إلى جزر صقلية أو لامبيدوزا، وهذا بالتأكيد يشير إلى أن تجار البشر والهجرة غير الشرعية يتحينون اللحظة المناسبة لبدء عملياتهم بكثافة من الشواطئ التونسية وسط ذلك الاضطراب السياسي الكبير.
أوربا تعرف أنه إذا انفتح مسارا جديدا للهجرة من تونس، سيكون من الصعب إغلاقه أمام تلك الرغبة المتزايدة للمهاجرين، مما يزيد بالتأكيد من تدفق للمهاجرين الجدد.

دعم الديكتاتوريات

رغم كل الإجراءات الاحترازية التي قامت بها أوربا فإن الهجرة مازلت تتدفق إلى هناك، لقد غرق أكثر من 950 شخص منذ مطلع هذا العام أثناء محاولاتهم الوصول إلى أوروبا، وهذا يدل بالأكيد على المحاولات المستميتة للوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط.
أوربا أيضا تتحمل جزء من المسؤولية الأخلاقية عن هذه الهجرة، فهي تدعم الديكتاتوريات في القارة الأفريقية، وتبيع لهم كل أنواع الأسلحة، بل إنها هي التي ساهمت في عدم استقرار ليبيا، وهي تقف الآن على مسافة مما يحدث في تونس من العصف بالحريات والتنكيل بالمؤسسات، حتى أن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يتهم الاتحاد الأوربي صراحة في تحمل جزء من المسؤولية عن وفاة المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى القارة الأوربية عن طريق البحر.
من جهتها تنتقد الأمم المتحدة أيضا التقاعس الأوربي الهادف إلى إلى تقليص مهام البحث والإنقاذ، وتجاهل نداءات الاستغاثة في المتوسط، ومحاكمة موظفي الإغاثة الذين يساعدون في جلب المهاجرين.
وقبل أسبوعين غرق 57 شخص أمام السواحل الليبية تحت سمع وبصر الاتحاد الأوربي مما يؤكد أنه مساهم في جعل البحر المتوسط أكبر مقبرة في العالم. فيما كان يمكنه أن يعمل على تجنب ذلك.
إذن لن تستقيم الأمور بين أوربا وأفريقيا في شأن الهجرة إلا بممارسة ضغوط أوربية حقيقية على الديكتاتوريات الأفريقية في مسألة حقوق الإنسان، ومحاربة الفساد، وبناء مؤسسات برلمانية، قوية وليست كما نرى هايكل فارغة، لا تعبر عن الشعوب بقدر تعبيرها عن تأييد قرارت الحاكم المجحفة في حق الشعوب، فهل تفعل أوربا شيئا في إعادة الأمور إلى نصابها في تونس قبل فوات الأوان؟!.

المصدر : الجزيرة مباشر