الإخوان.. بين سنة الاستبدال وفريضة الاستكمال!!

ما زالت أجواء الغضب والرفض والتمرد تسيطر على قطاع ليس بالقليل من قيادات وقواعد جماعة الإخوان كإحدى تداعيات تجربة الثورة وما بعدها من انقلاب عسكري ومعاناة النفق المظلم الذي دخله الإخوان وغير الإخوان بل والمجتمع المصري بأسره ولم يخرجوا حتى اللحظة، حالة الغضب متشعبة الأشكال متنوعة الألوان متعددة الأسباب من هول الصدمة وغياب الرؤية وتحول المسار الديمقراطي إلى معركة دموية ما زاد الارتباك والاشتباك داخل الجماعة وداخل المشهد بصفة عامة.

و ما يزيد من تعقيد الأزمة لدى الإخوان أكثر من غيرهم هو نمط التربية والتكوين القائم على التبعية والتنفيذ ثقة في مؤسسات الجماعة ومنصات القيادة، وعندما جاءت الأحداث السيئة بهذا الحجم من الضحايا والخسائر لم تشهده الجماعة في تاريخها فقدت القيادة السيطرة على الموقف العام والموقف الخاص الإخواني لردود الأفعال الكبيرة على الجرائم الأكبر التي ارتكبت في حق الشعب والجماعة معا .

” سنة الاستبدال “

كانت خلاصة التداعيات، فقدان البوصلة وغياب الرؤية حتى اللحظة، مشكلات واشتباكات وانقسامات ومعاناة زادت من حدة الأزمة ما جعل البعض يرى أن سنة الاستبدال قد جرت على الجماعة كما جرت على غيرها من قبل.

وفي هذا تأويل غير صحيح، نعم يمكن وصف المشهد بتداعياته واخفاقاته بمصطلحات وسمات وكلمات أخرى عدا مصطلح الاستبدال لأنه مفهوم شرعي ليس موجود ولا ينطبق على الجماعة.

الاستبدال يكون على الذين تولوا وتخلوا وفرطوا  وللإنصاف الإخوان لم يفعلوا ما سبق ، نعم قد يكونوا أخطأوا في تقدير المواقف وإدارة المشاهد وفي هذا خلاف ووجهات نظر لكن ليس هذا هو التولي الذي يترتب عليه الاستبدال، قد يرى البعض أن الإخوان أخطأوا بالتزامن مع الثورة وفي الترشح لانتخابات  الرئاسة وفي عدم شراكة القوى الوطنية وفي عدم الجاهزية للحكم  في المعلومات والكفاءات والعلاقات محليا وإقليميا ودوليا، وغير ذلك وارد وحدث ويحدث وسيحدث، أخطاء  في التفكير والإدارة وكلها ممارسات سياسية يقع فيها اكبر الأحزاب العريقة التي تحكم أكبر دول العالم، لكن هذا لم يكن مبررا للانقلاب العسكري وما ترتب عليه للإخوان بصفة خاصة وبمصر وشعبها في العموم، الأخطاء السياسية يترتب عليها نتائج سياسية في تآكل الشعبية وتراجع الشرعية وعقاب الصندوق الانتخابي وليس تآكل الأعمار والأموال والممتلكات والعقاب بصندوق الذخيرة كما فعل جنرالات الجيش والشرطة والقضاء والإعلام .

الخلاصة، ما زالت فكرة الإخوان ومنظومات القيم التي يدعون إليها تحمل الصلاحية ولفترات زمنية طويلة، وأيضا ما زالت المجتمعات العربية بحاجة إلى الجماعة ومشروعها وما زالت شعبية الجماعة تحقق رقما فاعلا في المشهد لا يمكن تجاهله، لكن هناك حاجة ملحة للمراجعات والتطوير والتنمية والتغيير وغير ذلك، أما سنة الاستبدال والاستشهاد بها عليهم ليس في موضعها.

“فريضة الاستكمال “

ما عاشته الجماعة منذ نشأتها حتى اليوم بحاجة إلى مراجعات علمية دقيقة، مراجعة الأهداف العليا والمرحلية في ظل حجم  التحديات الذي يفوق طاقات الدول وليس طاقة  جماعة بحجم الإخوان، كذلك مراجعة مناهج البناء والتكوين والتربية بما فيها المواصفات التربوية للمنتج الإخواني ليكون مناسبا للمرحلة التي يعيش والمستقبل الذي يريد بعيدا عن أفكار وصفات ومواصفات ومستوى قيادات كان يناسب مرحلة ومن الطبيعي ألا  يناسب مراحل أخرى في ظل التغير السريع الذي يعيشه الإنسان على ظهر الكوكب  في ظل الثورة العلمية والصناعية والتقنية، مراجعة الكفاءات والعلاقات والبرامج والنظم واللوائح والعلاقات.

نعم قد يرى البعض أن بقايا القيادات الحالية دون مستوى المرحلة  “وجهة نظر” فكل الكيانات والأحزاب والدول تمر بمثل هذه المراحل، وقد يرى البعض أن بقايا قيادات الجماعة هم جزء في أزمة الجماعة وليسوا جزءا من الحل، وقد يرى البعض أن الجماعة تجاوزتها طبيعة المرحلة بسبب أنماط الإدارة والتفكير وهذا وغيره وارد لأنه يرتبط ببعض الأشخاص والأفكار والنظم وتحتاج الاستكمال والانفتاح  والتطوير لتواصل الجماعة رسالتها كأحد مكونات المشهد في المرحلة القائمة والقادمة.

ما تعيشه الجماعة والمنطقة مرحلة لن تطول، فقد عاشت الجماعة والمنطقة ظروف كثيرة صعبة منها الحرب العالمية الأولى والثانية وما ترتب عليهما، ومنها المرحلة الناصرية والانقلاب الداخلي على قيادات الجماعة منهم شخص المرشد المستشار حسن الهضيبي وغير ذلك، المهم هو مدى استفادة  الجماعة من دروس وتجارب الماضي والحاضر والسير قدما في طريق فريضة  الاستكمال تجنبا وهروبا من سنة وقانون الاستبدال، لأن سنن الكون لا تجامل أحدا.

المصدر : الجزيرة مباشر