في يوم النوبة العالمي.. إلى أين وصلت مطالبهم؟

يواكب الاحتفال باليوم العالمي للنوبة هذا العام (7/7) مع تصاعد الأزمة المصرية الإثيوبية حول سد النهضة، ونقل الأزمة إلى مجلس الأمن بناء على طلب مصري، وليس خافيا أن النوبيين المصريين كانوا هم الضحية الكبرى لبناء السد العالي الذي بدأ في العام 1960، وتسبب في التهجير القسري لهم وإغراق قراهم على شاطئ النيل في موقع السد وبحيرته.

بداية ينبغي التنبيه أن ما تعرض له النوبيون من أضرار بسبب السد، أو ما وقع من أضرار أخرى متعلقة بتآكل الطمي لا يقلل من قيمة السد العالي ودوره الكبير في تنمية مصر، وخاصة الريف المصري الذي تمكن من تنظيم الري لزراعاته وإنارة منازله من كهرباء السد.

لكننا هنا نركز على معاناة ضحايا السد العالي في يومهم العالمي، في الوقت الذي يتخوف المصريون جميعا أن يصبحوا ضحايا أيضا لسد النهضة الإثيوبي، الذي سيحرمهم من كميات كبيرة من المياه المتدفقة إليهم عبر النهر الخالد، والتي لا تكفي بالأساس مع غيرها من الموارد المائية في تلبية احتياجات مصر من المياه.

أعترف شخصيا أنني كنت أحد ضحايا هذا التشويه، وأدرك أن الكثيرين غيري كانوا أو لا يزالون ضحاياه أيضا

نجحت النظم الحاكمة في مصر منذ الستينات في تقديم صورة مشوهة عن مطالب النوبيين المشروعة في العودة إلى أرضهم، صحيح أن قراهم أغرقتها بحيرة السد، لكنهم ظلوا يطلبون بناء قرى جديدة على أطراف البحيرة تعوضهم عن فقدان قراهم ومنازلهم، ولكن النظام الحاكم رفض على الدوام هذا المطلب المشروع، وحاول شيطنة المطالبين به، وتقديمهم للرأي العام باعتبارهم دعاة انفصال، وأنهم خطر على الأمن القومي المصري ينبغي التصدي له، وإسكات صوته.

أعترف شخصيا أنني كنت أحد ضحايا هذا التشويه، وأدرك أن الكثيرين غيري كانوا أو لا يزالون ضحاياه أيضا، فما إن تذكر النوبة أمام البعض إلا قرنها بوهم الانفصال والاستقلال، وهو وهم ينفيه الواقع والحال تماما، فلم نجد حركات نوبية معروفة تتمتع بعضويات حقيقية تدعو للانفصال، والحركة الوحيدة التي هددت برفع السلاح في وجه الدولة ظهرت في عهد الرئيس مرسي، وهي “حركة كتالة” التي تبين لاحقا أنها كانت صنيعة المخابرات، التي كانت توظفها ضد حكم الرئيس مرسي، وقد اختفت الحركة فور وقوع الانقلاب العسكري، كما أن الوضع الجغرافي والديموغرافي لا يسمح للنوبة بالانفصال إذ لا تتمتع تلك المنطقة بأي مقومات لتأسيس دولة مستقلة، فهي لا تتمتع مثلا بكثافة سكانية كبيرة، ولا تتمتع أيضا بثروات طبيعية يمكن أن تكون مصدرا لميزانيتها، الخ.

كم من الحقوق تنتهك تحت شعار الأمن القومي، ذلك المفهوم الفضفاض الذي يضيق ويتسع حسب تفسير السلطة الحاكمة وأجهزتها الأمنية وليس وفقا لنصوص قانونية محكمة تطبقها المحاكم عند اللزوم.

فحرمان أهل سيناء من عقود تملك أراضيهم التي يعيشون عليها منذ آلاف السنين يتم بدواعي الأمن القومي.

والتضييق على العمل الحقوقي والمجتمع المدني يجري تحت دعاوي الأمن القومي.

ومنع حرية إصدار الصحف وتأسيس القنوات لدواعي الأمن القومي.

وقصر المحافظات الحدودية على شخصيات عسكرية لدواعي الأمن القومي.

ومنع تنفيذ قوانين سرية الوثائق التي انتهت مدة سريتها هو لدواعي الأمن القومي.

وعدم قبول المسيحيين في كليات الشرطة والكليات الحربية والسلك القضائي والدبلوماسي إلا في نطاق ضيق (كوتا غير معلنة) هو لدواعي الأمن القومي.

وتملك الجيش لمساحات واسعة على جانبي الطرق العامة لدواعي الأمن القومي.

وحظر النشر في القضايا التي يفترض علانيتها يتم لدواعي الأمن القومي.

يأخذ بعض النوبيين على الإخوان المسلمين وحلفائهم أنهم لم يضمنوا دستور الثورة في 2012 نصا خاصا عن تنمية النوبة

التعنت في تلبية مطالب النوبيين المشروعة في حق العودة واحترام خصوصيتهم الثقافية تحت دعاوى الأمن القومي لم يحل المشكلة عبر العقود الماضية، وظلت الأزمة قائمة تعبر عن نفسها بأشكال مختلفة بين الحين والآخر، مات نشطاء نوبيون دفاعا عن تلك المطالب مثل الناشط جمال سرور، وهاجر نشطاء أخرون، ناقلين قضيتهم إلى المجتمع الدولي بعد أن تعرضوا للمضايقات في مصر، وهذا هو الخطر الحقيقي على الأمن القومي، فبعضهم يشتط في حديثه ومطالبه محاولا كسب الدعم الدولي، وما أغنانا عن ذلك إذا فتحنا الباب لحوار حقيقي داخل مصر، ومنحنا الحقوق لأصحابها.

لقد مثلت ثورة يناير طاقة نور للنوبيين حيث تمكنوا خلال الفترة التالية للثورة من رفع أصواتهم، وعقدوا مؤتمرات كبرى حضرت شخصيا بعضها في نقابة الصحفيين، وطرحوا قضيتهم بشكل موضوعي، ونجحوا في تصحيح الصورة السلبية عن قضيتهم، وكان من الممكن أن ينالوا حقوقهم لولا وقوع الانقلاب العسكري.

يأخذ بعض النوبيين على الإخوان المسلمين وحلفائهم أنهم لم يضمنوا دستور الثورة في 2012 نصا خاصا عن تنمية النوبة كان ضمن المقترحات الأولية، والحقيقة أن من رفض تضمين هذا النص في الدستور هم ممثلو المجلس العسكري وأنصارهم في الجمعية التأسيسية التي كانت قائمة على التوافقات بين الكتل المختلفة فيها، وحين وافق نظام يوليو الجديد على تضمين نص عن تنفيذ حق العودة خلال عشر سنوات في الدستور الجديد فإنه فرغه من مضمونه، وحوله إلى جثة هامدة (المادة 236:  وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلي مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون” وقد مر حتى الآن أكثر من  7 سنوات ولم تف الحكومة بهذا التعهد الدستوري.

وعلى كل حال فإن وجود هذا النص الدستوري حتى وإن ظل حبرا على ورق إلا أنه يمثل اعترافا دستوريا بحق العودة للنوبيين، وحقهم على الدولة في بناء قرى بديلة في أماكن قريبة من قراهم الغارقة تحت مياه بحيرة السد العالي، وهو يدحض كل الأوهام التي صنعها الحكم الاستبدادي عن النوبيين من قبل، والتي ضلل بها بقية المصريين.. كل سنة وأهل النوبة بكل خير.

 

المصدر : الجزيرة مباشر