حاخامات من أجل حقوق الإنسان.. وواقعنا المؤسف!

وحاخامات بريطانيون ضد ضم أراضي الفلسطينين

لا يختلف اثنان رزقهم الله العقل والفطرة السوية، في الحكم على الكيان الصهيوني، وأنه كيان قام على اعتداء واغتصاب أرض فلسطين، بالحديد والنار، وتأييد أمثاله من المستبدين والظلمة، فلا يقر المغتصب على فعله إلا مثله، أيا كان الشكل الذي يبدو به متحضرا ومتقدما، فالأفعال هي التي تحكم لا الشعارات.

لكن ما لفت انتباهي وجود منظمات إسرائيلية تعارض سياسة الكيان الصهوني في ملف حقوق الإنسان، سواء مع الإسرائيليين أنفسهم، أو مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، سواء كانت معارضتها ورفضها للممارسات ضد حقوق الإنسان شكلية أو حقيقية، ومعظمها منظمات سياسية لا تتبع مؤسسات دينية، أو يقوم عليها متدينون يهود، عدا منظمة واحدة، بعنوان: (حاخامات من أجل حقوق الإنسان)، لفت انتباهي عنوانها في بادئ الأمر، ثم دخلت لأقرأ عنها، فوجدت تفاصيل عن المنظمة وعملها، وشكوى القائم عليها، من أن نسبة من يتعاونون معه من العلمانيين اليهود أكثر من المتدينين.

ثم حديثه عن أن الدين اليهودي يمنع الاعتداء على حقوق الإنسان، وأنه يجب أن يكون للحاخامات دور في تبصير الناس بحقيقة الدين، ويكون لهم دور فاعل في الواقع، للحد من بطش السلطة والسياسة، وعلى موقعهم بيانات ومواقف، لا أعلم مدى صحتها من عدمه. وليس حديثي هنا من باب المدح أو الذم، فليست لدي الأدوات على تقييمها من حيث الرصد والتحليل والحكم، أو معرفة مصداقية ما تذكر، بل من باب رصد نشاط قام به حاخامات، والحاخام دوره ديني كما هو معروف، لكن أن يكون هناك نشاط له يتعلق بحقوق الإنسان، فهو أمر يلفت النظر والانتباه، وأحيانا المقارنة. ومعروف دور حاخامات أخرى متطرفة، تحرض على قتل كل من ليس يهوديا، أو معاديا للكيان الصهيوني.

المساحة الوحيدة المتاحة للحديث الديني عن حقوق الإنسان، فهي في أي نقاش يتعلق بالمرأة

تأملت هذه المنظمة ودورها، وتأملت واقعنا الحقوقي على المستوي الديني والفكري والسياسي، وبخاصة في ظل الانتهاك الدائم لحقوق الإنسان، بدءا من التعذيب، وسلب الحريات، وانتهاء بالقتل، سواء بالإهمال الطبي، أو بالقانون من حيث إصدار أحكام الإعدامات الجائرة، وآخرها الحكم على (12) من قيادات الإخوان وثورة يناير، رغم علم الجميع ببراءتهم، ولا توجد تهمة حقيقية لواحد منهم، وأنها كلها قضايا سياسية ملفقة، تفتقد لأدنى درجات العدالة.

ولو تأملنا على المستوى الديني في بلادنا لرأينا توظيف الحكام الظلمة للمشايخ وخطابهم، الذي يكاد يجعلهم آلهة لا يسألون عما يفعلون، حتى خرج أحد السفهاء ممن ينتسبون للمشايخ ليقول: إن الحاكم لو زنى على الهواء مباشرة لمدة نصف ساعة، فلا يسعك إلا أن تصبر، ولا تخرج عليه، ولا تعارضه!!

والإعدامات في بلادنا تمر قبل البت في الحكم على دار الإفتاء، ويوقع عليها المفتي، ونرى التأييد لها، سواء تم نشر تقرير المفتي أو لم يتم، فتصريحاته ولقاءاته الإعلامية طافحة برأيه في توجهات المحكوم عليهم، وآخرها فتواه: بحرمة الانضمام للإخوان المسلمين، دون أن يبين دليلا واحدا يجعله يتجرأ على تلفظ كلمة حرام، التي شدد فيها الإسلام، وفي نطقها، وبينها وبين الحكم بها كفتوى، مساحات من التدليل والبحث، وبينها درجات يمكن للمفتي الورع أن يلجأ إليها، ولكن حينما تكون المرجعية الإفتائية رهن السلطة، فلا تبحث عن الدليل ولا التأصيل.

المساحة الوحيدة المتاحة للحديث الديني عن حقوق الإنسان، فهي في أي نقاش يتعلق بالمرأة شريطة أن يكون موضوعها لا يتصل بالسلطة، ولا يتماس معها من قريب أو بعيد، فلا مانع من خروج مشايخ تدعي التجديد والتنوير، سواء كان المتحدث شيخا أم زاعما التنوير.

فلا مانع من أن يتحدث هؤلاء المشايخ عن (الاغتصاب الزوجي)، والمصطلح لا يتسق مع مفرداتنا الدينية، فالاغتصاب شيء، والإكراه على الجماع بين الزوجين شيء آخر، رغم موقف الإسلام المعروف من (الإكراه) بوجه عام، لكن هل يتحدث التنويريون ومشايخ السلطة عن موقف الدين من الاغتصاب بكل ألوانه، سواء كان اغتصاب المعتقلات، أو اغتصاب السلطة، أو اغتصاب أموال الدولة، أو اغتصاب مقدرات الشعب، أو اغتصاب قرار الشعب في حريته وفي اختياره؟! بالطبع لا مجال للحديث، فضلا عن التفكير في ذلك.

ولا يمكننا أن نغفل هنا أيضا تقصير وإهمال عدد من التيار الإسلامي للاهتمام بملف حقوق الإنسان

بالطبع الحديث عن تخاذل معظم التيارات العلمانية والمدنية لأحكام الإعدامات الأخيرة، واضح وبين، ولا يمكن تبريره تحت أي سبب، وله مجال آخر للحديث، لكن اللافت للنظر هو من يدعون التنوير والتجديد الإسلامي، فتراهم ليل نهار يحدثونك عن فظائع حكام مسلمين في التاريخ الماضي، وعن الحجاج وأمثاله، بينما تراه مؤيدا لحكام زماننا، وهم لا يصلون لشسع نعل الحجاج عند المقارنة، سواء من حديث إنجازات كل منهما، أو من حيث مظالمه!

ولا يمكننا أن نغفل هنا أيضا تقصير وإهمال عدد من التيار الإسلامي للاهتمام بملف حقوق الإنسان، رغم أن شيوخه كانوا من أوائل من كتبوا في هذا الملف، وأصلوا ونظروا له، فكان الشيخ محمد الغزالي رحمه الله من أوائل من كتبوا في الموضوع، فكتب كتابه: (حقوق الإنسان)، وكتب الدكتور المرحوم محمد فتحي كذلك أكثر من كتاب، وغيرهما.

لكن ظل الجسم الكبير للتيار الإسلامي مشغولا ومنصرفا عن هذا الملف، وعندما تم عقد ورشة في نوفمبر 2014 للوقوف ضد عقوبة الإعدام، وحضر معظم أنصار ثورة يناير، لم يحضر ممثلون عن جماعة الإخوان رسميا، وإن حضر أفراد من الجماعة دون التمثيل الرسمي، وبرر أحدهم ذلك بموقف الدين من الموضوع، وهو كلام لا يستند لشرع، وغير مبرر.

ملف حقوق الإنسان، ملف يقصر فيه للأسف المشايخ، والمتدينون، إلا من رحم ربك، ويفتقد لديهم إلى معايير ثابتة لا تفرق بين من معه ومن ضده، ولا من على دينه أو على دين آخر، هو ملف يحتاج أولا إلى معرفة موقف الدين الصحيح من الإنسان بوصفه إنسانا، وحقوقه التي خلقه الله عز وجل بها، دون منة من أحد، ثم يتحول ذلك إلى عمل مؤسسي، وعمل فاعل، فهل نجد يوما ما مؤسسة بعنوان: علماء من أجل حقوق الإنسان؟ نتمنى.

المصدر : الجزيرة مباشر