“التيغراي” الإعصار المدمر .. هل يجتاج آبي أحمد؟!

تعيش إثيوبيا حالياً فوق صفيح ساخن، وذلك منذ تقهقُر الجيش الفيدرالي، واستعادة “ميكيلي” عاصمة  إقليم تيغراي، من قِبل جبهة تحرير تيغراي، التي كرّت من جديد، وحققت انتصارات هائلة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهى الأن تتحرك في عدة محاور، كقوة منتصرة، وتسعى لطرد فلول الجيش الإريتري، والتقدم نحو أديس أبابا، بعد قطع الإمداد عنها.

سيناريو المواجهة

لا شك أن معركة أديس أبابا صارت خطوة مطروحة الأن، يتم التجهيز لها، ضمن سيناريو المواجهة بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وقائد “جبهة تحرير تيغراي” دبرصيون ميكائيل، المقاتل الفذ -فبينهما ما صَنَعَ الحداد- الأول، أي آبي أحمد ضحى بسمعته كحائز على جائزة نوبل للسلام، وأسفر عن شخصية عسكرية طاغية، ويريد أن يفكك الدولة الـ”ملس زيناوية” بأي ثمن، وينصب مُلكه العضوض على انقاضها، باسم حزب الازدهار وقومية الأمهرا، أو بأي باسم آخر لا يهم، والأخير دبرصيون أو “جبل صهيون” كما يعني اسمه ضمنياً، يريد استعادة سُلطة أجداده، وإحياء الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية، أو ما كان يعرف بائتلاف الأحزاب الحاكمة في إثيوبيا، وعلى وجه الدقة فإن الثأر الشخصي، بينهما حاضر وبقوة.

وبالرغم من التعتيم الإعلامي وانقطاع شبكة الإنترنت، وبالأحرى غياب الصورة الكاملة عن مسرح العمليات، إلا أن ما رشح من معلومات، صور وقوافل الأسرى بالآلاف وسط القوات الحكومية وجماعة الأورومو، في حالة استسلام تام، وانهيار خطوط الدفاع الرئيسية، التي أنشأتها القوات الحكومية، تشير دون مبالغة إلى تبدّل موازين القوة لصالح  قوة دفاع تغراي “TDF”.

تراجع الجيش الحكومي وسقوط المدن التي كان يسيطر عليها بهذه الوتيرة المتسارعة، إلى غوندر، ومن ثم إقليم العفر بالجبهة الشرقية، وشعور الأرومو بالخطر، واستنفار شعبهم، يعني بصورة ما أن القوة المهاجمة يصعب صدها، وهى حالياً تتدحرج وتكبر ككرة الثلج من فوق الهضبة، تلتهم الأرض التهاما، أو أن الجيش الفيدرالي نفسه يعيش حالة من الهزال والتمزق الداخلي، وضعف الروح المعنية، وعدم خبرة الجنود المستنفرين بدوافع إثنية، مع غياب سلاح الطيران، وهجمات الدروز، التي كان آبي أحمد يعتمد عليها في السابق لحسم المعارك، واجبار المناوئين له من شعب يتغراي على الفرار إلى الجبال، وبالتالي هو الآن منزوع الإرادة، يقاتل من داخل حصون معزولة، وعبر قيادة ميدانية مهزوزة، وربما تفاجأه النيران داخل قصره بالعاصمة الماطرة.

الإعصار المدمر

وبينما يزحف التيغراي من أقصى الشمال كالإعصار المُدمر، تتقدم جبهة تحرير الأورومو “OLF” صوب أديس أبابا من ناحية الجنوب أيضاً، بعد اعتقال آبي أحمد وقمعه لقيادات حركة احتجاج الأورومو (كيرو)، لتمردهم على حروبه، وعلى رأسهم (جوهر محمد) مع شعور شعب الأورومو، الحليف المُنهك، بخيانة الحكومة المركزية لهم، سيما وقد تخلت عنهم في معاركهم ضد الجيش السوداني بمنطقة الفشقة، التي خسروها أيضاً مع انشغال العاصمة بمشاغلها عنهم، فضلاً على قطع الطريق الدولي الذي تمر عبره 95% من واردات البلاد، بالقوات التيغراوية، إلى جانب توسع ساحات المعارك بين العفر والعيسي الصوماليين، وسقوط حلفاء آبي أحمد، واحداً بعد الأخر، وتنامي نزعة الحكم الذاتي وسط الشعوب الكوشية في الجنوب، وأزمة سد النهضة، والحقوق التاريخية السودانية في إقليم بني شنقول، هذا بالتأكيد يدل على أن القبضة المركزية ارتخت، ما سوف يتسبب، على الأرجح، في عزلة أديس أبابا، سياسياً واقتصادياً.

في أخر تصريحاته النارية قال زعيم تيغراي جبرميكائيل إنه “تم قتل 18 ألف جندي” من القوات الحكومية الإثيوبية خلال المعارك، كما انشق 40% من كبار الضباط في الجيش الإثيوبي، ودمغ آبي أحمد بأنه “متهور وعديم الخبرة وتجاوز حدوده” بالمقابل وصف آبي أحمد في آخر خطاب له قومية التيغراي بسرطان إثيوبيا والحشائش الضارة التي ينبغي إزالتها، ما يعني أن العداوة وصلت مرحلة بعيدة من الغبن الجهوي، وأن المعركة بين الطرفين إلى معركة وجودية، أحدهما سيجهز على الآخر، وينسف نفوذه وطموحاته التوسعية.

في الظاهر لا يبدو وجود أصابع خارجية تدعم هذا الصراع باستثناء الرئيس الإرتري أسياس أفورقي، حليف آبي أحمد وعضده العسكري، والذي ارتكبت قواته انتهاكات فظيعة داخل إقليم تيغراي، ومع ذلك، لم يفلح أفورقي في كسب المعركة الأخيرة، وتعرض إلى حملة خارجية ضارية، ووصمت قواته بالمُحتلة، وفقدت التعاطف الشعبي، ليتراجع هو الآخر مكرهاً لا بطلا، ويترك حليفه وحيداً في مواجهة بركان الهضبة.

الحليف الخارجي

لم يبق أمام آبي أحمد سوى البحث عن حليف خارجي قوي، يأخذ بيده مرة أخرى، خصوصاً مع مع اللهجة الأمريكية الناقمة عليه، وتهديدات مصر بضرب سد النهضة، ولذلك بدأ يغازل في الدُب الروسي، وفتح له البلاد، حيث أعلنت وزارة الدفاع الإثيوبية مطلع هذا الشهر، توقيع اتفاقية للتعاون العسكري مع روسيا، تشمل تعزيز قدرات الجيش الإثيوبي المهارية والتكنولوجية.

الذهاب إلى روسيا يعني أن آبي أحمد يريد أن يؤمن خطوط الإمداد، ويريد شراء المزيد من الأسلحة للتعامل مع مواجهات عسكرية مُحتملة، كما أن تمرد الأقاليم عليه وضعه في حالة حصار، وبالتالي كل انتصاراته السابقة ارتدت عليه.
ثمة إشارة مهمة، وهى أن آبي أحمد من خلال التقارب مع روسيا يسعي أيضاً لاستعادة نموذج منغستو هيلا مريام، الضابط الشيوعي، من ذات الأرومة الأمهرية التي ينتمي لها آبي، وقد عمل منغستو بعد سيطرته على الحكم على محاصرة وتجويع إقليم التيغراي، فهب التيغراي بقيادة ملس زيناوي وبدعم الحكومة السودانية، وأزاحوا حزب العمال الإثيوبي الاشتراكي، الذي أسسه منغستو ليهيمن به على البلاد، كما يفعل أي دكتاتور، والآن ربما انسل ذلك النموذج العمالي من داخل حزب الازدهار، ليستدير الزمان كهيئته الأولى.

إثيوبيا تمضي صوب فتح جبهات عرقية لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ، تهدد وحدتها وتماسكها، وربما تنسف التجربة الفيدرالية مرة وإلى الأبد، أو في أحسن الظروف، تطيح أحلام آبي أحمد، وتمهد الطريق لسلطة جديدة يقوم فيها التيغراي مقامهم الأول، بالمحافظة على البلاد وسحبها بعيداً عن الهاوية.

المصدر : الجزيرة مباشر