تقربا لواشنطن.. هل يضحي أردوغان بقواته في أفغانستان؟

منذ تحديد الولايات المتحدة تاريخ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول المقبل موعدا لإنهاء وجودها العسكري في أفغانستان، وطرح مقترح قيام تركيا بتأمين وحماية مطار كرزاي الدولي في العاصمة كابل لم تنقطع التحليلات والتعليقات، رغم أن مسألة تولي القوات التركية تلك المهمة لم تحسم بعد، إذ لا تزال تجري مفاوضات بشأنها مع كل من واشنطن وباقي دول حلف الناتو، وفق ما أكده وزير الدفاع التركي، الذي نفي التوصل إلى اتفاق نهائي بهذا الخصوص.

إذ سعى كثيرون إلى البحث عن الدوافع والأسباب التي تحرك الحكومة التركية وتجعلها توافق على إرسال المزيد من جنودها إلى هذه المنطقة المشتعلة من العالم، البعيدة عنها جغرافيا، والتي لا تربطها بها أي علاقات قوية، زاعمين أن لدى أنقرة أطماع توسعية ورغبة في زيادة نفوذها وفرض سطوتها، بل ومزاحمة كل من روسيا وإيران والصين في مناطق نفوذهم التاريخية.

تاريخ العلاقات التركية-الأفغانية

قد لا يعرف الكثيرون أن لتركيا علاقات دبلوماسية تاريخية مع أفغانستان بدأت قبل إعلان الجمهورية التركية عام 1920، حيث افتتحت تركيا أول مقر لبعثتها الدبلوماسية في أفغانستان عام 1919 بعد استقلالها مباشرة، كما كانت أفغانستان ثاني دولة تعترف بالجمهورية التركية عقب إعلانها.

كما لم تتوقف تركيا عن مساندة أفغانستان ودعمها خلال فترة الغزو الروسي لها بين عامي 1979 و1989، وفي 2001 أرسلت تركيا حوالي 400 من جنودها إلى الأراضي الأفغانية ضمن قوات حلف الناتو، وحرصت على أن ألا يكون لجنودها أي مشاركة في العمليات العسكرية ضد فصائل المعارضة، وانحصر مجال عمل جنودها في المساعدة في عمليات إعادة الإعمار وتدريب الجنود الأفغان، الأمر الذي لم يجعلهم هدفا لأي فصيل من الفصائل المتحاربة هناك، كما أمن لها علاقات إيجابية مع حركة طالبان التي تتعامل مع الجنود الأتراك في أفغانستان بأسلوب أكثر إيجابية ولين عن غيرهم من الجنسيات الأجنبية الأخرى.

وهو الأمر الذي مهد لزيارة الرئيس أردوغان إلى أفغانستان عام 2014، في أول زيارة لمسؤول أجنبي رفيع المستوى إلى كابل بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، كما قام الرئيس الأفغاني بزيارة تركيا مرتين، الأولى عام 2015، والثانية 2017، وقد احتفلت الدولتان مؤخرا بمرور مئة عام على علاقاتهما.

أما على صعيد التعاون الاقتصادي، فرغم عدم ثباتها نتيجة للكثير من المعوقات الناجمة عن الصراع السياسي بين الحكومة وحركة طالبان، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين خلال عام 2010 ما قيمته 265 مليون دولار، لينخفض عام 2016 إلى 155 مليون دولار، إلا أن هناك عدة شركات تركية تتولى إدارة 627 مشروعا بقيمة 6 مليارات دولار.

ومع وجود عدد من الاتفاقيات الثنائية وبعض المجالس الاقتصادية التي تضم رجال أعمال من الطرفين، تسعى الدولتان إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، ورفع مستواه لأكثر من مليار دولار سنويا خصوصا مع الاستعداد لعودة الهدوء والاستقرار بعد انتهاء الحرب الأهلية، وبدء مرحلة إعادة الإعمار.

الأسباب والدوافع التركية وراء مقترح تأمين مطار كابل

لكن هل تكفي العلاقات الجيدة سياسية وثقافية واقتصادية كدوافع للتطوع بالقيام بمهمة تأمين وحماية المطار الدولي بأفغانستان، والدفع بعدد من الجنود في مستنقع قد يصعب الخروج منه دون خسائر بشرية ومالية، خصوصا بعد أن رفعت أحزاب المعارضة التركية لواء الرفض لذلك الأمر، واستعدادها لتوظيفه -حال تنفيذه- ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم في حملاتها الانتخابية المنتظرة، إلى جانب الرفض المطلق الذي أبدته حركة طالبان -اللاعب الرئيس على الأرض هناك- لتلك المهمة التي تطمح تركيا في القيام بها تحت لواء حلف الناتو؟ دون شك أن لتركيا أهدافا محددة تسعى لتحقيقها من وراء قيامها بهذا الدور، وتتلخص هذه الدوافع في النقاط التالية:

1 – تعزيز نفوذها الدولي وانتزاع اعتراف رسمي من الدول الكبرى بكونها قوة إقليمية فاعلة في جميع الملفات والقضايا التي تهم المنطقة، بما لا يجب معه تخطيها أو تجاهلها.

2 – توجيه رسالة إلى دول حلف الناتو مفادها أنها لا تزال تمثل رأس حربة له في مواجهة المشاكل التي يعجز عن إيجاد حلول لها، فرغم كل ما بذله من جهد دبلوماسي، وما قام به من عمليات عسكرية كلفته المليارات من اليورهات على مدى عشرين عاما كاملة في القضية الأفغانية لم يستطيع إحراز أي نتائج ملموسة.

3 – تحسين العلاقات مع الإدارة الأمريكية بما يضمن عودة الحوار بينهما مجددا لتقريب وجهتي نظرهما حول دعم الإدارة الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية، التي تراها أنقرة مهددة لأمنها القومي والقبول بصفقة الصواريخ الدفاعية إس-400 التي اشترتها تركيا من روسيا.

4 – وقف عمليات النزوح ومنع تدفق اللاجئين الأفغان إلى الأراضي التركية، إذ رصدت بعض الجهات غير الحكومية التي تهتم باللاجئين وجود تدفق غير مسبوق للأفغان على تركيا عبر الأراضي الإيرانية، وأعلن مركز دراسات اللجوء والهجرة بأنقرة أن ما لا يقل عن 1000 لاجئ يعبرون إلى داخل الأراضي التركية يوميا، ولا يمكن فصل ذلك التدفق الكبير عن التطورات الأمنية التي تشهدها أفغانستان منذ قرابة الشهر، خصوصا في ظل تتابع عمليات سحب الجنود الأمريكيين بالتزامن مع توسيع حركة طالبان سيطرتها على الأرض، الأمر الذي يستلزم وجودا تركيا فاعلا على الأرض هناك.

وتحقيقا لتلك الأهداف تراهن تركيا على علاقاتها السياسية والثقافية التاريخية مع الشعب الأفغاني، وعلى قدرتها على التعامل كدولة مسلمة مع مشاكل دول العالم الإسلامي كما سبق أن حدث في كل من سوريا وليبيا واليمن وأذربيجان، وهو الأمر الذي مكنها من تهدئة الأوضاع وتأمين الكثير من الخدمات لمواطني تلك الدول.

الشروط التركية وموقف واشنطن والناتو

دون شك فإن مهمة القيام بمهمة تأمين وحماية مطار كابل الدولي، المنفذ الوحيد لدخول وخروج البعثات الدبلوماسية الأجنبية المتواجدة هناك، لن تكون أمرا بسيطا أو سهلا على القوات التركية، التي ستحتاج إلى دعم مالي وعسكري ولوجيستي وغطاء جوي من حلف الناتو حتى تتمكن القوات التركية من القيام بمهمتها، وذلك ما صرح به عدد من المسؤولين الأتراك أنفسهم، وهي المطالب التي لم يرد عليها بعد مسؤولو الحلف، فيما أبدت الإدارة الأمريكية موافقتها المبدئية عليها .

ورغم الموافقة المبدئية تلك من جانب واشنطن، إلا أن أنقرة ستكون في حاجة إلى تعاون عدد من حلفائها الإقليميين لضمان النجاح في مهمتها بأقل قدر ممكن من الخسائر، إلى جانب أفضلية كونها الدولة المسلمة الوحيدة في حلف الناتو، ولديها علاقات تاريخية مع أفغانستان، وعدم مشاركة جنودها الـ500 الموجودين هناك ضمن قوات حلف الناتو خلال العقدين الماضيين بالمشاركة في أي عمليات عسكرية.

الرهان التركي على باكستان وقطر

وفي هذا الإطار تراهن أنقرة على تعاون باكستان -جارة أفغانستان- معها، بل والمشاركة بعدد من جنودها إلى جانب الجنود الأتراك، وذلك بهدف استثمار علاقات إسلام أباد الجيدة مع قيادات حركة طالبان.

كما تراهن أنقرة على إمكانية توظيف العلاقات الجيدة لحليفتها قطر مع حركة طالبان في تعزيز مكانة تركيا وفي قبول الحركة بوجود دور للقوات التركية تحت راية حلف الناتو -وليس منفصلا عنه- داخل الأراضي الأفغانية بعد خروج القوات الأمريكية.

عبر ذلك الدعم، إلى جانب التفاهم مع كل من روسيا وإيران والصين يمكن لأنقرة أن تحقق الكثير من النجاحات في هذا الملف، وأن تقوم بدور كبير في رسم مستقبل الدولة الأفغانية الجديدة، وفي المساهمة في إعادة أفغانستان للخريطة السياسية للعالم مرة أخرى بما تملكه من مقومات وروابط مع الأطراف الافغانية كافة، وبما لديها من رصيد إيجابي خلال المراحل التي مرت بها القضية الأفغانية.

المصدر : الجزيرة مباشر