“تحالف الشام” مع من وضد من؟

مصطفى الكاظمي

“تحالف الشام الجديد” أحدث المشروعات العربية التي تقوم على أسس هشة لا تقوى على مواجهة الأعاصير، بل إنها تخلق لنفسها أعداء لا تستطيع مجابهتهم، وتسوق للشعوب أوهاما تتبدد مع أول اختبار.

التحالف الجديد يضم مصر والعراق والأردن، وقد أعلنت ولادته القمة التي ضمت زعماء الدول الثلاث في بغداد في الآونة الآخيرة، ورغم أنه يحمل اسم تحالف الشام إلا أنه لا يضم سوى دولة واحدة من دول الشام المعروفة وهي الأردن بينما تغيب عنه باقي دول الشام وفي القلب منها سوريا (عاصمة الشام وبه تسمى) بالإضافة إلى لبنان وفلسطين، أي أنه تحالف للشام بلا شام ما يعني أنه “أي كلام”

قام التحالف الجديد أساسا على فكرة التعاون في مجال الطاقة، أي مرور النفط العراقي إلى الأردن ومصر غربا، ومرور الكهرباء المصرية إلى الأردن والعراق شرقا، وهذا هدف اقتصادي نبيل في حد ذاته، وقابل للتحقق لأنه يتضمن مصلحة لكل الأطراف، لكن النفخ في هذا التحالف وتحميله مضامين سياسية وأمنية، يعرضه للفشل العاجل أو الآجل، ليلحق بسلفه مجلس التعاون العربي الذي ضم الدول ذاتها مضافا إليها اليمن الشمالي ومنظمة التحرير الفلسطينية قبل ثلاثين عاما.

يمكن للفكرة أن تنجح في تحقيق هدفها وهو التعاون في مجال الطاقة وربما بعض المجالات الاقتصادية الأخرى، لكنها انحرفت عن مسارها

من الطبيعي أن تبحث الدول عن مصادر لتحسين اقتصاداتها، ومواجهة مشاكلها التنموية وارتفاع نسب البطالة والتضخم فيها، وهكذا تحركت حكومة العراق برئاسة مصطفى الكاظمي عبر طرحها لمبادرة الشام الجديد أو المشرق الجديد، وهي فكرة مطروحة من حكومات عراقية سابقة لكنها وجدت طريقها للتنفيذ مع الكاظمي، الذي يريد إعادة الجسور بين العرق وعمقه العربي في محاولة منه لدحض الصورة السلبية عن العراق بأنه مجرد تابع لإيران فقط، وتحمست الحكومة العراقية للفكرة ودفعت بقوة لتنفيذها عبر جولات دبلوماسية، وحشد دعم دولي وخاصة أمريكي لها، وتمكنت من إقناع مصر والأردن بها، لكنها فشلت على ما يبدو في إقناع أطراف أخرى.

يمكن للفكرة أن تنجح في تحقيق هدفها وهو التعاون في مجال الطاقة وربما بعض المجالات الاقتصادية الأخرى، لكنها انحرفت عن مسارها منذ لحظاتها الأولى بشمولها لقضايا سياسية وأمنية، يحاول كل طرف فيها أن يحصل على دعم الطرفين الأخرين، وتبني سياسة مشتركة تجاه بعض القضايا، وهو ما ظهر في ختام قمة بغداد حول قضايا مثل سد النهضة وليبيا، والقضية الفلسطينية، وهذه قضايا يسهل التوافق بين تلك الدول بشأنها، لكن المؤكد أن هناك قضايا أخرى كثيرة ستظهر تباعا وستمثل تحديا حقيقيا لهذا التوافق، ويمكن أن تفجر التحالف كما حدث مع مجلس التعاون العربي الذي فجره احتلال العراق للكويت وانحازت إليه اليمن الشمالية ومنظمة التحرير في حين انحازت مصر والأردن إلى الكويت وقررتا الانسحاب فورا من ذلك المجلس.

يستهدف التحالف الجديد مواجهة أطراف إقليمية مهمة، وهي إيران، وتركيا وحتى دول الخليج، ولذلك فإنه يضع نفسه في تحد كبير ليس مؤهلا للنجاح فيه، فالعراق الذي يريد بالفعل تحسين علاقاته العربية لا يمكنه الانفصام عن إيران في الوقت الحالي ولبعض الوقت، حيث تسيطر إيران على مفاصل القوة الحقيقية في العراق، ولا أدل على ذلك من انعقاد القمة الأخيرة ذاتها تحت حماية الحشد الشعبي الموالي لإيران، وهو ذاته قادر على إفشال أي تحرك للكاظمي وحلفائه ضد إيران.

كما أن الدول الثلاث (أعضاء التحالف الجديد) لا تستطيع مواجهة النفوذ الخليجي خاصة السعودي الإماراتي، فكلٌ من مصر والأردن تعتمد بدرجة كبيرة على الدعم المالي الخليجي، وحال انقطاع هذا الدعم يتعرض النظامان المصري والأردني لقلاقل لا قبل لهما بها، وقد مر الأردن بهذه التجربة المريرة أخيرا، ، لكن دول الخليج التي دفعت الكثير من قبل، والتي لم تعد قادرة لأسباب كثيرة على الاستمرار في تقديم الدعم بالمعدلات السابقة لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة هذا الابتزاز، وستسعى لتفجير هذا التحالف في أقرب فرصة.

فالنفخ الزائد للبالونة يمددها قليلا لكنه حتما يفجرها في نهاية المطاف.

رغم تباين المصالح الإستراتيجية لكل من إيران وتركيا ودول الخليج إلا أنها ستتفق ولو بشكل غير مباشر على تفجير هذا الحلف الجديد حين يتحول من تحالف اقتصادي إلى تحالف سياسي، خاصة أنه تحالف ضعيف بين أنظمة هشة لا تملك قرارها بشكل كامل، وسيعتبره مجلس التعاون الخليجي منافسا وخصما له كما تعامل مع مجلس التعاون العربي من قبل، كما ستعتبره إيران طعنة في ظهرها، وستستخدم أدواتها داخل العراق لإفشاله، أما تركيا فإنها على الأرجح لن تعبأ كثيرا بهذا التحالف الذي سيكون تأثيره ضعيفا عليها، فخط جيهان لنقل النفط من شمال العراق مستمر في عمله حتى لو أنشأت الدول الثلاث خطا جديدا لنقل نفط الجنوب العراقي إلى مصر عبر الأردن، كما أن تركيا تحاول تحسين علاقاتها حاليا مع الدول الثلاث.

لا مشكلة في البحث عن أطر للتعاون الإقليمي وخاصة الاقتصادي، ولكن المشكلة هي النفخ الزائد وتضخيم أهمية هذه الأطر، وتسويق الوهم للشعوب، فالنفخ الزائد للبالونة يمددها قليلا لكنه حتما يفجرها في نهاية المطاف.

 

المصدر : الجزيرة مباشر