نُذر الحرب.. هل بدأ العد التنازلي لقصف سد النهضة؟!

قوات إثيوبية

بعد إعلان إثيوبيا رسميا بدء ملء المرحلة الثانية من سد النهضة، وإخطار مصر والسودان بذلك الأمر رسميا مساء الإثنين الخامس من شهر يوليو، واستباقا لاجتماع مجلس الأمن يوم الخميس القادم، فإن ثمة نذر جدية للحرب بدأت تلوح في الأفق بين مصر وإثيوبيا، خاصة وأن مصر استنفدت كل الطرق السلمية في مفاوضات عقيمة لم تغير أي شيء من الغطرسة الإثيوبية، والانفراد بقرار ملء السد دون أي اعتبار لمصر والسودان.

إن ذلك الأمر يضع القيادة السياسية المصرية والسودانية أمام الاختيارات الأصعب حفاظا على أمن وحياة شعب وادي النيل. وبما أن إثيوبيا انفردت بقرار الملء من دون أي اعتبارات دولية، ولا اعتبارات لشركاء النيل، فإن مصر أصبحت ووفق قرار الأمم المتحدة 51 ملتزمة بالحفاظ على أمنها القومي، ومخولة باتخاذ ما تراه مناسبا للحفاظ على حياة شعبها – فما هي إذن الخطوة التالية التي يمكن أن تلجأ إليها مصر الآن؟
كان واضحا في غضون الشهور القليلة الماضية أن مصر تحاول استعراض قواتها العسكرية بشكل يفهم منه أنها توجه رسائل إما إلى شعبها لطمأنته أو إلى إثيوبيا لتقول لها إن القوة المصرية هي البديل الجاهز لحماية النيل من تلك الغطرسة واللعب في أمن مصر المائي.
عزز من ذلك الأمر ما قاله الرئيس المصري في مناورات قادر21 الأسبوع الماضى من أن مصر لا يمكن أن تدخل في مفاوضات مع إثيوبيا إلى مالا نهاية، وكان قبلها قد حاول أن يحث العالم غير المبالي بخطورة الوضع المائي الذي تواجهه مصر بقوله: إن أحدا لا يستطيع أخذ نقطة مياه من مصر، وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد،  وكان يلوح بورقة الهجرة غير المنظمة التي من الممكن أن تتفجر في مصر في حالة تعرضها لموجة من الجفاف قد تؤدي إلى هلاك الرقعة الزراعية الصغيرة نسبيا، وهلاك الثروة الحيوانية المتواضعة.

فهم من كلام الوزير هذا أن الدبلوماسية المصرية مستسلمة للأمر

لم تبال إثيوبيا كثيرا بالتهديدات المصرية رغم أن الرئيس المصري قال: ” إنه لا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا وأن مياه مصر لا مساس بها والمساس بها خط أحمر”.. ومع ذلك أعلنت إثيوبيا رسميا بدء الملء الثاني، لكن ماكان لافتا للنظر هو تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري عندما قال في مقابلة تليفزيونية “إن المصالح المصرية لن تتأثر بالملء الثاني المزمع في يوليو المقبل مؤكدا قدرة بلاده على التعامل مع المخاطر المحتملة عبر الإجراءات المحكمة في إدارة الموارد المائية خصوصا أن لديها رصيدا من الأمان المتوفر في خزان السد”.

فهم من كلام الوزير هذا أن الدبلوماسية المصرية مستسلمة للأمر، فيما فسرها آخرون بأنها نوع من التراخي الدبلوماسي، وهو الذي ساعد إثيوبيا على تعاليها وغطرستها وعدم الاكتراث بالمفاوض المصري وأهمية مايطرحه في هذه القضية.
من المؤكد أن مصر لم تستبعد خيار الحرب بعد، ومن المؤكد أن لديها سيناريوهات لعملية عسكرية خاطفة تعيد الأمور إلى سيرتها الأولى، ومع ضبط النفس وطول البال أمام الضغوط الشعبية التي ترى أن إثيوبيا لا تقيم وزنا لمصر،  وأنها تمادت كثيرا في غطرستها،  فإن مصر أصبحت مقتنعة تماما بأن الخيار العسكري سيكون أمرا مفروضا عليها بشرط موافقات أوربية أمريكية ، وقد ظهر هذا الضوء الأخضر في أكتوبر العام الماضي عندما حذر الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترمب الإثيوبيين من أن مصر قد ينتهي بها الأمر إلى تفجير السد، ومع ذلك اختارت طريق المفاوضات الذي لم يسفر اليوم عن شئ مع بدء الملء الثاني.

إن إثيوبيا التي تعاني وضعا صعبا في النزاع الداخلي مع أقليم تيغراي هي في أضعف حالتها

من المؤكد أن خطة عسكرية مدروسة لقصف السد، قد تتسبب في إعطابه، دون إزالته تماما، مثل استخدام القنابل الارتدادية التي تصل إلى قاع السد ويتولد عن انفجارها موجات صوتية ضاغطة تصيب السد بالشقوق والتصدعات ويؤدي ذلك إلى تسرب للمياه بشكل ليس كبيرا لكنه سيعطل السد عن عمله.

إن إثيوبيا التي تعاني وضعا صعبا في النزاع الداخلي مع أقليم تيغراي هي في أضعف حالتها حتى أن محاربي تيغراي استطاعوا مؤخرا أسر ما يقرب من 7 آلاف عسكري من الجيش الأثيوبي، لذلك هي تعتبر فرصة مواتية للجيش المصري لحسم الأمور لصالحه من دون اللجوء لمجلس الأمن، خاصة وأن المجلس منقسم في ظل الدعم الروسي والصيني لإثيوبيا.
أدركت مصر أنها غير مدعومة بإجماع عالمي، لهذا ذهبت إلى مجلس الأمن ترجو الدعم والمساندة، رغم أنها صاحبة حق ولكن للأسف أن هذا لن يردع إثيوبيا أو الداعمين في الخفاء لها،  لهذا لن يكون هناك حل لأمر يهدد الأمن القومي المصري إلا القوة المصرية خاصة وأن إثيوبيا في إعلانها المستفز في البدء في الملء قبل أيام قليلة من انعقاد المجلس ليس لديها أي اكتراث بما سيسفر عنه هذا الاجتماع ، بل لم يعد للاجتماع أصلا أهمية،  ولاجدوي بعد قرار الملء المنفرد.

رئيس الوزراء الاثيوبي أعلن قبل أيام قليله أنه بصدد دعوة مليون مقاتل للحرب في حال اندلاعه

كيف إذن سيكون سيناريو الحرب ناجحا في حال قرار مصر اللجوء إليه؟
لا شك أن أهم هذه الخطوات هو أن تسمح السودان وجيبوتي وأريتريا باستخدام مصر لمجالها الجوي، والقواعد العسكرية على الأقل الموجودة في السودان لشن الهجوم، وهو ما كانت مصر حريصة عليه في السنوات القليلة الماضية،  لهذا حاولت بناء جدار متماسك من الدول الصديقة حول إثيوبيا، فقد زار الرئيس المصري جيبوتي وهو ينسق بشكل يومي خطواته مع السودان،  وقبل أسابيع أجري البلدان مناورة عسكرية مشتركة، أما إرتريا فعداؤها التاريخي معروف مع إثيوبيا، وهي تقوم بدعم مقاتلي تغراي،  كذلك قامت مصر بتعزيز العلاقات الثنائية مع دول الجوار الإثيوبي الأخرى: أوغندا وبوروندي وكينيا- لكن السؤال هنا هل تسمح جيبوتي وإرتريا والسودان للقوات المصرية باستخدام قواعد من أراضيها في حال اندلاع الحرب؟ الحقيقة أن الأمر قد يكون ممكنا في حالة موافقة دول خارجية لها تاثير عليها مثل: الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية وحتي دول الخليج غير ذلك سيكون الأمر مستبعدا، لآن هناك بالتاكيد دول خفية تعبث بملف سد النهضة.
من المؤكد أن الخيار العسكري لن يكون سهلا، فرئيس الوزراء الإثيوبي أعلن قبل أيام قليلة أنه بصدد دعوة مليون مقاتل للحرب في حال اندلاعها، هذا فضلا عن عدم وجود حدود مباشرة بين مصر وإثيوبيا، إضافة إلى شراء إثيوبيا منظومة صواريخ بايثون الجوية من إسرائيل، ومنظومات الدفاع الصاروخي الروسي بانتسير 1 لحماية السد.

إذن قرار الحرب من عدمه لا يستطيع أحد أن يتكهن به، وهو سيبقي مفاجئا إذا ماحدث بالنظر إلى تداعياته الخطيرة، لذلك فإن أمرا واحدا سيظل هو المتاح حتى إشعار آخر وهو العودة إلى المفاوضات بشرط أن توافق إثيوبيا على خفض الارتفاع الأوسط من جسم السد ليصبح 573 مترا بدل من 595، وهذ الارتفاع يسمح بتخزين 4 مليارات متر مكعب من المياه خلال موسم الفيضان بدل من 13. 6 مليار، وهو ما قد يجعل بحيرة ناصر تظل ممتلئة بالماء بما لا يحدث ضررا بحصة مصر لكنه في كل الأحوال حل مؤقت.

المصدر : الجزيرة مباشر