فصول من رحلتي إلى اليمن السعيد (3) قصة السيارة ليلى علوي!

ليلى علوي

اشترينا ما يمكن لنا به أن نفتح ما يَقينا ويسترنا ونبدأ به حياة جديدة، والحياة في صنعاء لها طعم خاص، تجمع بين الأمل في كل بداية جديدة، وبين أعراف للتو شرعنا بفكّ بعض طلاسمها، وبين أحضان صنعاء تعيش بأمان أهلها، ونخوتهم، وتديّنهم الذي لم يلتبس بعد بطعم الماديات.

وكل ما في شوارعها يدلّ على أنها ليست كدمشق ولا كبيروت اللتين تركتهما ورائي وما يزال القلب منشدا إليهما، وصورهما تملأ الذاكرة، وتشوّش الذهن، وأعلم أنهما ستلازمنني، ولن أبرأ من عشقهما، ولكن صنعاء تكافئهم في عزتها، وأنفة أهلها، وأحلامهم رغم القات وأفعاله.

من سوء حظ صديقي عبد الحفيظ أن عاش فيها تجربة مؤلمة، ومضحكة. كنا نتجوّل في شوارع وسط صنعاء، وكان يلعب دور الدليل السياحي، فيشير إلى هذه الناحية، ثم إلى تلك، باذلا جهده بتعريفي بشوارع صنعاء، وانطلق أذان صلاة المغرب، فاتجهنا إلى المسجد القريب وسط المدينة القديمة، الذي نصعد إليه من خلال درج ليس بعالٍ كثيرا، مسجد بناؤه قديم، وحجارته صفراء فاقع لونها، وكلّه يوحي بأن له مكانة تاريخية. وتشير بعض التقارير إلى أن بصنعاء 46 مسجدا عامرا داخل محيط سور صنعاء القديم في أحيائها الثلاثة: حي القطيع، حي السرار الشرقي، وحي السرار الغربي. ويعد المسجد الكبير أقدم مسجد يمني، ومن المساجد العتيقة التي بنيت في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلّم).

أدّينا صلاة المغرب وخرج عبد الحفيظ ولم يعثر على حذائه الجديد، ومن حسن حظه كان بقربنا محل لبيع الأحذية، فاستعار شبشبا من المسجد حتى يبلغ المحل. وقد تكرّرت معه هذه الحادثة مرتين في المسجد نفسه، فقال غاضبا لن أصلّي ثانية في هذا المسجد! وكنت أضحك وأقول له أن عينا أصابتك في صنعاء، وصنعاء تريد منك أن تعيد فيك خشونة ظننت أنك رميتها وراءك، فها هي تسبقك إلى صنعاء، ولا تستفز أهل الصفّة بأحذيتك الجديدة! وانظر إلى حذاء صاحبك، وأقول له: اجعل حذاءك صدقة، إن خسرته اليوم فلا تخسر أجره الأخروي، فتعود إليه ضحكته المعهودة.

كان معنا مدرس لغة انجليزية سوداني أصيل، ومحب مع تعصّب مكشوف لأطروحات الدكتور حسن الترابي، أما سائقنا فهو صاحب سحنة سلفية

كان هم السفر اليومي يقلقني، كيف سأستطيع التوفيق، ومواكبة وسائل النقل إلى قرية بيت الأحمر صباحا؛ فالمسافة ليست قصيرة، والدوام المدرسي يبدأ باكرا كعادته، وبعد السؤال عن من تم توجيههم إلى ذلك المعهد، علمت أن مدرّسا سودانيا له سيارة (جيب) حمراء كبيرة يداوم في المدرسة نفسها، واتفق مع مجموعة من المدرّسين لينقلهم كل صباح ويرجعون معًا بعد الدوام، واتفقوا معه هذا العام أيضًا وبقية الزملاء على أن نلتقي يوميًّا بمحطة ليست بعيدة عن باب اليمن مقابل مبلغ شهري يدفعه كل مدرس، وكان ذلك خلال العامين.

كان اليمنيون يستعملون سيارات (الجيب) والتويوتا رباعية الدفع التي تنتشر كثيرا خاصة عند الطبقة العليا، فهي سيارات مضخَّمة، وتخصّص للمسافات البعيدة، التي باستطاعة صاحبها طي مسافات الصحاري والجبال بيسر، كانوا يسمّونها (ليلي علوي)، وسألت عن سبب التسمية، فتعدّدت الروايات، فمنهم من قال: زارت ليلى علوي اليمن، فقدّم لها وكيل تويوتا هدية لها سيارة أو مجموعة سيارات، تتنقل بها في رحلتها تلك، فألصق الاسم بالسيارة، وهناك من يقول إن ليلى علوي كانت في صورة اليمني قمة الجمال والرشاقة، وتيمّنًا بها ألصقوا اسمها على سيارتهم التي لا تقل رشاقة وجمالا عن ليلى!

كان معنا مدرس لغة انجليزية سوداني أصيل ومحب مع تعصّب مكشوف لأطروحات الدكتور حسن الترابي، أما سائقنا فهو صاحب سحنة سلفية، ملازما للزي السوداني في حلّه وترحاله، ولا تراه إلا بعصاه التي يتّكئ عليها، لضخامة جسمه، وبدانة بيّنة. وسودانيًا ثالثا حداثي الفكر، خفيف الظل، كثير المزاح، ومعنا أستاذ عربية من مصر يحمل همّه معه كل صباح فلا تجد الابتسامة طريقا إليه وشديد الغضب وكانت بيننا وبينه مناوشات عدة حتى كادت تبلغ الالتحام بالأيادي.

وكنا دائما نستحضر كيف يمكن لنا ملاقاة الطلاب ومعلميهم في خصومة دائمة، وبعدها علمت من خلال الحديث مع زملاء لنا من الأزهر أن بعضا تسرّب في غفلة وتوسّل بطرق غير سليمة، وحُسِبوا على الأزهر والأزهر منهم براء، والحكايات في هذا تتداول كثيرا. ولعلّها كانت أحد أسباب تخلّف التعليم في اليمن هو طِيبتهم وثقتهم الكبيرة وعدم التدقيق والتوثيق المطلوب في الشهادات، رغم اشتراط إمضاء الخارجية على تلك الوثائق، ولكن تجّار الشهادات في كل مكان.

حدّثني سابقًا محسن بأن المرتبات قُسّمت إلى جزئين؛ الجزء الأول بالريال اليمني في وسط السنة، والجزء الثاني يسلّم بالدولار الأمريكي في آخر العام وهو يقارب ثلاثة آلاف دولار نتسلّمه من مبنى البنك المركزي بعد انتهاء العام الدراسي. أما الجزء الأول فهو متذبذب لا تعرف متى يتم تسليمه، ويمكن أن تبقى ثلاثة شهور دون تسلّم المرتب! أدركت أن الأمر سيكون عسيرًا علينا، فالمرتب بالريال اليمني لن يساعدك على توفير حاجيات البيت، لذلك يجب البحث عن شغل إضافي كعادة الموظفين اليمنيين، فلا تجد موظفا مكتفيا بوظيفة واحدة، فضعف المرتبات وكثرة الحاجيات، يجبر الجميع على العمل في أكثر من وظيفة، وهكذا تستهلك كامل اليوم من دوام إلى دوام.

عُدنا في اليمن إلى حياة البساطة، التي بدأناها ذات يوم وذهب ظنّنا أنها مرّت ولن تعود، بظهور بعض مظاهر الرفاهية التي بدأت تطفو على سطوح الحياة عامة في كل البلدان، فها نحن نعود إليها. منامنا على فراش بسيط على الأرض، فلم تتنعّم ظهورنا بالنوم على سرير طيلة إقامتنا في اليمن عدا اليوم الأول، وكان جلوسنا على فراش أقل منه سماكة على الأرض، وأكلنا على بقايا الصّحف على الأرض. لم يكن لدينا مذياع لسماع الأخبار، فقد استبدلتها بالصحف المكتوبة بكل أنواعها في مكتب العمل. ولم يكن لدينا جهاز تلفاز نتسامر على مسلسلاته. كنا ننام باكرا ونستيقظ باكرا. والبساطة تمنحك راحة نفسية عجيبة، فتنقذك من القلق الدائم من تلف الأثاث، أو عطب الأجهزة، أو تجديدها ومتابعة أصنافها وصرعاتها المتجدّدة. رضيتْ بقدرها ورضيت لرضائها، وليس هناك كنز في الحياة يعادل زوجة رضيّة، تفرح لفرحك، وتواسي حزنك، وتسند ظهرك لتبقى واقفا، وتأخذك إلى أحلامك وتوسّع لك طريق تحقيقها.

كنّا ننبطح على بطوننا، أو نتّكئ على مرافقنا، كلما أردنا مراجعة دروسنا والقيام بوظائفنا المنزلية أيام الطفولة. بعد تلك المرحلة انتقلنا إلى الطاولة المستطيلة التي تقوم على قوائم أربعة! لا تتجاوز قوائمها ربع متر أو ثلثه، ونضع الشمعة ثم الفانوس أو ما نسمّيه (الڨازة) ليضيء ظلمة الليل.

عدنا إلى تلك الأيام، أضع على الطاولة بعض الكتب والدفاتر والورقات الصفراء، وأمدّ رجليّ تحت الطاولة أو أجلس جلسة معتمدا على وركي الأيمن أو الأيسر، وأتنقّل بينهما، فإذا أحسست بتخدير على الأيمن، ينقذه الأيسر، هذه كانت طريق جلوسنا للكتابة أو القراءة المركّزة.

في إحدى زياراتي إلى إدارة المعاهد العلمية، حيث يداوم مجموعة من متفقدي التعليم الثانوي، لاح لي صاحب لحية حمراء، طويلة وكثّة، يلبس عباءة بيضاء، وعلى رأسه شال شامي أحمر، وضعه على غير طريقة السّدل العادية، وإنما أوثقه على رأسه، وكأنه بوِثاق الرأس لدى أهل باكستان، يجلس في المكتب، ولهجته الشامية، يفوح منها عطر الشام، وأنا المتيّم بالشام، فشدّتني الشام إليها، وتعارفنا، يكنى بالشيخ أبي مصعب (ت 2017) واسمه محمد صبحي بن حسن حلاق التفتنازي مولدًا، والصنعاني هجرةً وإقامةً، كما يُعرّف عادة.

 استلقى الشيخ على ظهره ووضع بعض القطرات في عينيه، وهو يواصل حديثه عن أهمية العسل، وبركات تعدّد الزوجات، كعادته، ويسرد مزاياه وفوائده

يعد الشيخ محمد صبحي بن حسن حلاق رحمه الله من كبار المحققين وهو من أكثر مَن عايش تراث الإمام الشوكاني، فقد كان لصيقا بتراثه، حتى أنه عندما أشار إلى أن الإمام الشوكاني تجاوز عمره 150 سنة، وشكَّك البعض في هذا القول، ملصقين بالمحقق بعض التوهّم الذي يطرأ أحيانا علي بني آدم، إلا أنه بالتحقيق والتدقيق تم ترجيح قول الشيخ الحلاق في هذه المسألة. تعارفنا وقلت له اشتغلت بمكتب تحقيق دار إحياء التراث العربي تحت إشراف الدكتور محمد المرعشلي في بيروت، فقال إذا تريد تلتحق بمكتبي أهلا وسهلا، فوجدتها فرصة لتحسين الدخل، وبدأت مباشرة بمكتبته في بيته، وأعجبتني الطاولات الصغيرة والقصيرة التي خصّصها لنا لنضع عليها المراجع، والنصوص المراد تحقيقها، فقد كانت جديدة، لونها خشبي أملس، يميل إلى الذهبي الفاتح، فشدتني ومنّيت النفس بشراء مثيلتها لبيتي! ولكنني لم أعثر عليها في السوق.

كانت مكتبته كبيرة وتتوزّع على أكثر من غرفة، وحقَّق الشيخ محمد -رحمه الله- بتحقيق التراث اليمني، فقد حقّق كل كتب الإمام الشوكاني والإمام الصنعاني وغيرهما. كان ابنه مصعب وقتها منشغلا بالجانب التجاري، وغير مهتم بما يقوم به والده، ولم تغره مهنة التحقيق، وكان له ابن آخر لم يتجاوز 13 على ما أظن، وكان يحدّثنا عنه فهو يحفظ مواقع كل الكتب في المكتبة، وذكر الشيخ بأنه عندما يحتاج إلى كتاب أو مرجع يجلبه إليه ابنه هذا الصغير، وكان يتوسّم فيه خيرا بأن يخلفه في مجال التحقيق.

بدأت عيون الشيخ تتعب من كثرة التصاقها بالمخطوطات والكتب. استلقى الشيخ على ظهره ووضع بعض القطرات في عينيه، وهو يواصل حديثه عن أهمية العسل، وبركات تعدّد الزوجات -كعادته- ويسرد مزاياه وفوائده، وكنت محجوبا فطريا عن هذا الحديث، فمن ذاق الحب، ذاب فيه، والحب لا يقبل التعدّد، تلك هي فلسفتي في التعدّد. وأتذكّر في المرات الأولى من زيارتها إلى تونس، نقلت لي بأنهن كن يتحدّثن حديث النسوان، فانجذب الحديث إلى التعدّد، فقالت لهن: هذا شرع ربّي! فسقط عليهن هذا الكلام كوابل حجارة من السماء، ماذا تقولين؟ أقول: أن التعدّد شرع ربي! وهل تقبلين بذلك إذا طرق بابه ابراهيم! استماتت وراء مقولة: هذا شرع ربي، وأضافت مشكلته مع قوانين النرويج وتونس، فهما يمنعان التعدّد، يحل مشكلته مع موطنه وبلد إقامته، وبعد يأتي يطالب بحقه الشرعي، وتُهنا مع القوانين!

وأتذكّر يوما كنا في رحلة إلى الكويت مع الخبير الشاذلي الزرلي، فاستضافنا الدكتور عبد الرزاق القطان وشقيقه الدكتور عبد الستار القطان على مأدبة عشاء على هامش ملتقى علمي شاركت فيه بعض الوجوه العلمية البارزة، وحظينا بلقاء ابن العلامة المرحوم مصطفى الزرقا والدكتور وجيه حمّاد محقق كتاب (القواعد الكبرى) للعز ابن عبد السلام، وذكر لنا الدكتور وجيه طرفة عاشها في موضوع التعدّد. كان في لقاء مشايخي في السعودية، فانجذب الحديث إلى موضوع التعدّد، وبدأ كل واحد منهم يدلي بدلوه في الموضوع، ويذكر عدد زوجاته، وجاء دور الدكتور وجيه ليذكر لهم رأيه وتجربته العملية، فقال لهم: “واحدة كثير، ونصف قليل”.. فبُهت المعدّدون!

كنا نلتحق يوميًا عدا يوم الجمعة بمكتبته بعد صلاة العصر، وكان يجود علينا بلُمْجَة خفيفة بعد صلاة المغرب، وهو محب للعسل فلا يغادر طعامه، ودائم الحديث عن أنواع العسل اليمني وينصحنا بمحلات الشيخ الزنداني التي اشتهرت وقتها.

سألته إذا تيسّرت له العودة إلى سوريا ما هو فاعل بهذه الكتب، أجابني دون تردّد: أحملها على ظهري إن لزم! وهو ما زاد في تقديري له، وحِمل التحرير والتنوير ذكّرني به. كانت همّته في التحقيق كبيرة، وهو معتكف أغلب أوقاته بمكتبته، لم نتفق في البداية على المرتب ولا على تاريخ تسليمه، فهل بعد إكمال كل الكتاب؟ أم بعد طباعته؟ أم كل شهر؟

لا يوجد شعب مسيّس في تلك الفترة مثل الشعب اليمني؛ فحديثه أغلبه في السياسة، ويتميّز اليمني بتديّنه التقليدي، فالتديّن قاسم مشترك بين الجميع

أكملت الشهر الأول ولم أتسلّم أيّ شيء، ومنعني الحياء وتقديري له بسؤاله، إضافة إلى أنني لم أجد نفسي في ذلك العمل؛ فهو يقتل المرء في تتبّع ما يقوله أهل العدل والترجيح في هذا وذاك، وإحالة الأقوال إلى أصحابها، مما تحجبك أحيانًا كثيرة عن فقه درر المصنّف، ولكن من تدرّب على هذه المهنة يجد فيها لذّة كبيرة، فهو يعيد من خلالها الروح إلى ما اندثر من التراث، ويفكّك طلاسمها، وييسّر طريق الوصول إليه من جديد؛ فالعيش في التراث حياة وإحياء، يتطلّب من صاحبه الصبر واقتناص درر المخطوطات، والسفر بين البلدان، ومراسلة المكتبات والأعلام، لعلّه يظفر بنسخة من هنا، أو بمعلومة تُكمل ما سقط من هناك. قرّرت أنني بعيد عن تلك الهمّة، والحاجة تفرض علينا غير القعود وثني الرّكب في عوالم الجرح والتعديل، والوقت وقت حركة، وعالمنا يتّسع وعلينا مواكبته ووجدت في الصحافة ما تجمع فيه تلك الفوائد.

يزخر اليمن بعلماء كبار، وساسة محنّكين، وقادة عظام، وأظن أنه لا يوجد شعب مسيّس في تلك الفترة مثل الشعب اليمني؛ فأغلب حديثه في السياسة. يتميّز اليمني بتديّنه التقليدي، فالتديّن قاسم مشترك بين الجميع: نخبة وعامة، سياسيين وعاديين، والمحافظة على الشعائر الدينية منتشرة بين الجميع: اشتراكيين وقوميين وإسلاميين؛ فالدّين عندهم جزء أصيل في هويتهم الحزبية أيضًا، ولا خلافات بينهم حول هذه الجبهة، وكل الخلافات كانت محصورة في جوانب الرؤى السياسية، لذلك لم أرَ حقدا متّقدًا بينهم على قاعدة التديّن كالذي نرى شرارته في تونس كل يوم.

وقى الله أهل اليمن شرور التعصّب العلماني والديني في تلك الفترة، وقد ربطتني علاقات متميّزة أحيانًا كثيرة بقادة قوميين واشتراكيين وإسلاميين، ولم ألاحظ أو أشعر بحقد متبادل بينهم، ويعفّ اليمني عمومًا لسانه عن البذاءة والسب والشتيمة تجاه بعضهم البعض.

من الشخصيات اليمنية السياسية التي كنت أتابع مقالاته، ويشدّني عباراته وخطبه الدكتور عبد الملك منصور المصعبي، كان خطيبا مفوّها، وفقيها وأديبا. خرج من الإخوان المسلمين والتحق بحزب المؤتمر الشعبي العام وترقّى فيه، وتولّى العديد من المناصب السياسية. وفي مدة إقامتي باليمن تنقّل بين مهام رئاسة الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية لحزب المؤتمر ما بين 1993 و1995، ومهمة الأمين العام المساعد لشئون الفكر والثقافة والإعلام ما بين 1995 و1997 وبعدها تولى وزارة الثقافة والسياحة.

هاتفته مرة لإجراء حوار صحفي معه، وأنا الذي يُقال عنه أنه ضيّع لهجته واختفت منه ملامح التونسة، وكان سي الشاذلي يُشعل النار عندما زارتني الوالدة فيقول لها: “الوسّادة تغلب الولاّدة” وهي تقول له: “حڨ يا وليدي!”. عندما هاتفته ولم أتجاوز بعض الكلمات القليلة، قال لي: أنت تونسي؟،فصُعقت حقيقة، فقلت له: تونسي وأصولي يمنية، وجئت أبحث عنها. فأجابني جوابا مفحمًا: يا ابني اليمن طارد لأبنائه! وبعد ذلك علمت أنه حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة تونس المنار، وكانت أطروحته حول البغي السياسي.

المصدر : الجزيرة مباشر