أعطوا لليهود حقهم

خامات في مدينة القدس

زعم اليهود أن لهم حقاً دينياً وتاريخياً في فلسطين وأنها أرضهم بلا منازع، فهل لهم بالفعل هذا الحق فنعطيه لهم ونطبع علاقتنا بهم شأن المطبعين ونقنع فصائل المقاومة بوضع السلاح وترك الحق لأصحابه؟

فلنناقش الأمر بموضوعية وهدوء، يقولون إن القدس يهودية!

فنقول اليهودية هي شريعة موسى عليه السلام ، وموسى كان في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، أما القدس فقد تم بناؤها في الألف الرابعة قبل الميلاد أي قبل سيدنا موسى بألفين وسبعمئة عام ، بناها العرب اليبوسيون بقيادة ملكهم “ملكي صادق”، وهم بطن من بطون القبائل الكنعانية من العموريين العرب، والكنعانيون منهم (اليبوسيون، الفينيقيون، الآراميون، الآشوريون، البابليون، الهكسوس)، وأسموها (شاليم) اسم إله السلام عند الكنعانيين والتى حُرفت فيما بعد إلى (أورشاليم) وتعني جبل السلام، ولم يدخلها بنو إسرائيل إلا غزاة مستعمرين في زمن داود، وقد كان داود في القرن العاشر قبل الميلاد أي بعد سيدنا موسى بثلاثمئة عام، فالقدس بُنيت قبل داود بثلاثة آلاف عام وقبل موسى بألفين وسبعمئة عام، وظلوا بها  415 عاماً هي مدة وجودهم فيها وبسبب غزوات الآشوريين والكلدانيين اختفت دولة اليهود في فلسطين بعد أن عاشت أربعة قرون (1000 – 586 ق.م) كانت حافلة بالخلافات والحروب والاضطرابات وأشهرها ما فعله بهم نُبُوخذ نَصٌَر الكلداني.

ومعلوم على سبيل القطع أيضاً أن موسى عليه السلام وُلد وعاش وبُعث بمصر ومات ولم يدخل القدس ولم يرها بعينه فكيف كانت يهودية؟!

وكان اسم هذه المدينة (إيليا الكبرى) والمسلمون هم الذين أسموها القدس، والقدس الشريف والحرم القدسي لمكانتها وقدسيتها وذلك عند فتحها صلحاً على يد عمر بن الخطاب سنة 15 هجرية وقد طلب سكانها من عمر ألا يسكن المدينة أحد من اليهود أو اللصوص.

قالوا أيضاً إنها وعد الله لإبراهيم وذريته، وقد كان سيدنا إبراهيم في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، إذن فالقدس بنيت قبله بواحد وعشرين قرنا (2100 سنة).

وإذا كانت وعد الله لإبراهيم وذريته كما يقولون، فإبراهيم أبو العرب، والعرب أكثر من ثلاثمئة مليون واليهود ثلاثة عشر مليون فلتوزع عليهم حسب أعدادهم إن كانوا صادقين!

أما حكاية معبد أو هيكل سليمان الذي يريدون هدم المسجد الأقصى بزعمهم وجوده تحته فقد قاموا بعمل حفريات في كل مكان

ومن العجيب أن النص الذي يدعون وجوده ويستندون إليه في العهد القديم فى سفر العدد إصحاح 33 يثبت أن الأرض عربية وأنهم غزاة مستعمرون قَتَلة وهاكم النص (إِنَّكُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، فَتَطْرُدُونَ كُلَّ سُكَّانِ الأَرْضِ مِنْ أمامكم، تَمْلِكُونَ الأَرْضَ وَتَسْكُنُونَ فِيهَا لأَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمُ الأَرْضَ لِكَيْ تَمْلِكُوهَا، وَإِنْ لَمْ تَطْرُدُوا سُكَّانَ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ يَكُونُ الَّذِينَ تَسْتَبْقُونَ مِنْهُمْ أَشْوَاكًا فِي أَعْيُنِكُمْ، وَمَنَاخِسَ فِي جَوَانِبِكُمْ، وَيُضَايِقُونَكُمْ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِيهَا، فَيَكُونُ أَنِّي أَفْعَلُ بِكُمْ كَمَا هَمَمْتُ أَنْ أَفْعَلَ بِهِمْ).

أما حكاية معبد أو هيكل سليمان الذي يريدون هدم المسجد الأقصى بزعمهم وجوده تحته فقد قاموا بعمل حفريات في كل مكان في منطقة الحرم القدسي منذ عام ١٩٦٧م حتى الآن على يد خبراء يهود وغيرهم من شتى أنحاء العالم فلم يجدوا شيئاً.

ومن عجائب أو طرائف الأكاذيب ما قاله موردخاى كيدار وردده بعض المتصهينين العرب منهم الكاتب المصري يوسف زيدان أن المسجد الأقصى -المذكور في القرآن- ليس هذا الذى في القدس وإنما كان فى الجعرانة فى طريق مكة الطائف وأن الرسول كان يصلى فيه عند ذهابه لدعوة أهل الطائف وأحياناً كان يصلى فى المسجد (الأدنى) منه!

ولم يسأل هذا الزيدان نفسه أي معجزة يسوقها القرآن بأن يُسرى برسول الله بضعة كيلومترات من المسجد الحرام بمكة إلى مسجد على الطريق خارج مكة! وهل الصلاة فرضت فى بداية البعثة أم فى ليلة الإسراء قبل الهجرة بعام ونصف أي بعد إحدى عشر سنة من البعثة فأي مساجد تلك أقصاها وأدناها التى بنيت ليصلى فيها المسلمون صلوات لم تفرض!

الفكرة الصهيونية معناها ومغزاها

بدأت فكرة الصهيونية المسيحية في بعض الأوساط البروتستانتية المتطرفة فى انجلترا والتي نادت بالعقيدة الاسترجاعية وهى تعني ضرورة عودة اليهود إلى فلسطين وهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل لأن ذلك شرط لتحقيق الخلاص وعودة المسيح ليحكم ألف سنة سعيدة.

عمل موردخاى مانويل نوح عام 1820م على إنشاء وطن يهودى فى جزيرة غراند فى نهر نياغرا -بين الولايات المتحدة وكندا- تسمى (أرارات) نسبة إلى جبل أرارات مكان رسو سفينة نوح كما يزعم وجود ذلك فى الكتاب المقدس وضع بالفعل نصب تذكارى فى المدينة سنة 1825م وكتب عليه ” أرارات المدينة الملجأ لليهود”.

لقد قامت الحركة الصهيونية بالفعل في أوآخر القرن التاسع عشر على يد مؤسسها هرتزل على أساس إيجاد وطن قومي لليهود، إلا أن اختيار فلسطين لذلك لم يتبلور في ذهن هرتزل إلا في أواخر مشروعه، ودوافع هرتزل ليست دينية مُطلقاً لأن الرجل أصلاً غير مُتدين ولم يكن يحفظ شيئاً من التوراة، بل مما ذكر أنه قبل المؤتمر الصهيوني الأول حفظ بعض العِبارات الدينية بصعوبة قبل ساعات من المؤتمر، لكنهُ يهودي قومي حملَ مأساة اليهود من زاوية قومية عرقية فقط وقد كان يُفضل ويرجّح الأرجنتين كوطن لليهود أكثر من فلسطين، لأسباب ذكرها في يومياتهِ.

وقد  برزت أيضاً جهود رجل الأعمال اليهودي الألماني، موريس دي هيرش، الذي قام بتأسيس جمعية مخصصة لتلك الغاية باسم “الجمعية اليهودية للاستيطان”، عام 1891، ولم تكن هذه الجمعية صهيونية بمعنى أنّها لم تكن تسعى لهجرة اليهود إلى فلسطين تحديداً باعتبار الصهيونية نسبة إلى جبل صهيون فى القدس، وإنما كانت تسعى لهجرتهم إلى أيّ مكان يتاح لهم استعماره زراعياً عبر إقامة المستوطنات الزراعية وقد تبنّت الجمعية مشاريع عديدة لتوطين اليهود، بما في ذلك مشاريع لإنشاء مستوطنات زراعيّة يهودية في كندا، والولايات المتحدة، وتزايدت الاقتراحات من اليابان حتى البرازيل وكان من بين أهم المشاريع التي عملت عليها، مشروع توطين اليهود في الأرجنتين وكانت أبرز نموذج لمشروع غير صهيونى.

وكان اليهود يصلون إلى الأرجنتين في الفترة بين 1906 و1912 بمعدل 13 ألفاً كلّ عام وأُنشئت مستوطنة (موزيز فيل) في إقليم (سانتا في) الزراعي الخصب شمالي البلاد كأول مستعمرة زراعية يهودية في الأرجنتين، ومن ثم بدأت تتوالى المستوطنات، وفى عام 1896 نشر ثيودور هرتزل كتابه الأشهر “دولة اليهود” واختار الأرجنتين في كتابه لتكون أحد المواقع المقترحة لإقامة الدولة اليهودية.

  مما سبق كله ترى بما لا يدع مجالاً للشك أن فلسطين كانت أحد خيارات كثيرة لاغتصاب واحتلال أرض الغير

ولا يفوتنا أن نذكر أنه أثناء عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية، عام 1897، والذي عقد على أساس تبني مشروع إيجاد دولة يهودية، طُرحت (سيناء) كأحد المواقع المقترحة لإنشاء الدولة اليهودية المنتظرة، وذلك باعتبار قربها الجغرافي من أرض فلسطين، فيكون الاستقرار بها بمثابة مقدمة للوثوب لها، والتوسّع باتجاهها، خصوصاً مع الصعوبات التي كانت تواجه مسار الاستيطان داخل أراضي الدولة العثمانية آنذاك، وما زاد من اقتناع الصهاينة بالمشروع أنّ مصر كانت واقعة آنذاك تحت الاحتلال الإنجليزي، وكان المنظّر الصهيوني ديفيز تريتش قد أعدّ دراسة لهذا المشروع، باعتبار أنّ تصوّره لـ(فلسطين الكبرى) اليهوديّة كان يشمل سيناء وقبرص.

وقد قدَّم وزير المستعمرات البريطانى جوزيف تشامبرلين عرضا للمنظمة الصهيونية بقيادة تيودور هرتزل عام 1903م بخمسة آلاف ميل مربع من هضبة ماو فيما عُرف الآن بكينيا وذلك ضمن خطة لمنح جزء من أفريقيا الشرقية البريطانية للشعب اليهودى فيما عُرف ببرنامج أوغندا البريطانية.

كما قدم طبيب يهودى من أصل روسى مقترحاً لسفير بريطانيا فى فرنسا فى سبتمبر 1917م بإقامة الوطن القومى لليهود فى البحرين والإحساء شرقي السعودية والتى كان بها قلة قليلة من اليهود إلا أن بريطانيا رفضت المقترح وانتهى الأمر بوعد بلفور الذى تم تحقيقه.

وينبغي أن تتذكر أن عدد اليهود فى فلسطين سنة 1852م لم يتجاوز 4% من عدد السكان، وفى سنة 1918م كانت نسبتهم 8% (55 ألفاً يملكون نصف مليون دونم يعنى 2% من الأرض)، وفى سنة 1948م كانت نسبتهم 31% (646 ألفاً يملكون أقل من 7% من مساحة الأرض)، ثم جاء قرار التقسيم وأعطاهم 54% من أرض فلسطين وأعطى أهل فلسطين 45% وترك 1% للقدس لتكون دولية، وفى سنة 1949م أخذت إسرائيل كثيراً من الأراضى ومنها صحراء النقب، وفى 1967م أخذت سيناء والضفة والجولان.

مما سبق كله ترى بما لا يدع مجالاً للشك أن فلسطين كانت أحد خيارات كثيرة لاغتصاب واحتلال أرض الغير وإقامة وطن يهودى على أشلاء شعب بمساعدة الشرق والغرب وأن أكذوبة الحق الديني والتاريخي لهم في فلسطين هى أكبر أكذوبة في التاريخ لفقتها الحركة الصهيونية لخداع العالم ويتبناها بعض المتصهينين.

المصدر : الجزيرة مباشر