مصائر المستبدين.. ولد عبد العزيز أحدثهم

ولد عبد العزيز في فترة رئاسته لموريتانيا

لم يكن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز يتخيل يوما دخول السجن إلا مشرفا على تعذيب ضحاياه، وها هو يدخل السجن متهما بالفساد وغسيل الأموال والإثراء غير المشروع وسوء التصرف في وظيفة والإضرار بمصالح الدولة طوال فترة حكمه من 2008 إلى 2019.

حين انقلب الجنرال محمد ولد عبد العزيز على أول رئيس مدني منتخب لموريتانيا محمد ولد الشيخ في السادس من أغسطس/آب 2008، سارع كعادة الحكام المنقلبين إلى اعتقال الرئيس المنتخب (الذي سبق أن رقاه إلى رتبة جنرال)، ونسب إليه اتهامات بالفساد لكنه قبل تسوية سياسية برعاية أفريقية لتحديد إقامة الرئيس “المنقلب عليه” واعتزاله السياسة حتى وفاته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

وحين ترك ولد عبد العزيز السلطة في 2019 لوزير دفاعه، الرئيس الحالي ولد الغزواني بعد انتهاء ولايته لدورتين، كان يخطط لاستمراره في إدارة شؤون الحكم من الخلف، ولم يكن يتوقع أن تلميذه يمكن أن يغدر به، لكنه كحاكم عسكري أيضا فعلها، ولم تكد تمض بضعة أشهر حتى فتح ملفات فساد ولد عبد العزيز، ولتحقق معه النيابة الموريتانية، وتأمر بوضعه تحت الإقامة الجبرية، وتجمد أمواله قبل أن تأمر بإيداعه السجن مباشرة في انتظار اكتمال التحقيقات والإحالة إلى محكمة الموضوع.

وفي تركيا تبرز قصة الجنرال كنعان إيفرين الذي قاد انقلاب 1980، والذي اعتقل خلاله 600 ألف تركي

ما حدث مع الرئيس ولد عبد العزيز لم يكن جديدا مع الحكام العسكريين الذين وصلوا إلى الحكم عبر الانقلابات، فالرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف الذي قاد انقلابا على الحكم المدني عام 1999 وظل في السلطة حتى 2008، تعرض للاتهام بالخيانة العظمى، وحكمت عليه محكمة خاصة في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019 غيابيا بالإعدام، وتمكن محاموه من الطعن في الحكم، بينما تمكن مشرف قبل 3 سنوات من الحكم من الفرار إلى الإمارات بدواعي العلاج، ولا يستطيع العودة في الوقت الحالي إلى باكستان حتى لا يتعرض للحبس مجددا.

وفي تركيا تبرز قصة الجنرال كنعان إيفرين الذي قاد انقلاب 1980، والذي اعتقل خلاله 600 ألف تركي، وأعدم العشرات شنقا، كما حظر كل الأحزاب السياسية، وحكم البلاد بكل قسوة حتى عام 1989، وفي العام 2014 وبينما كان في التسعينات من عمره صدر ضده حكم بالحبس مدى الحياة وهي أقصى عقوبة حيث أن القانون التركي لا يتضمن عقوبة الإعدام، وقد توفي في 2015، وجرت جنازته المحدودة وسط لعنات المواطنين الأتراك.

في المقابل أعادت تركيا الاعتبار لرئيس وزرائها الأسبق عدنان مندريس الذي انقلب عليه العسكر عام 1960 وأعدموه ورفاقه، وأعاد الرئيس أردوغان تسمية جزيرة ياسي أدا في بحر مرمرة التي جرت على أرضها محاكمة وإعدام مندريس باسم جزيرة الديمقراطية، وأطلقت تركيا اسم مندريس على العديد من شوارعها ومحطات المترو، والمدارس إلخ تكريما وتخليدا له بعد أن شوه الانقلابيون سمعته.

وعلى الشاطئ الآخر من المحيط الأطلسي كانت قصة جنرال تشيلي بنوشيه عبرة لمن يعتبر، فالرجل الذي انقلب على الرئيس المدني سلفادور أليندي عام 1973 وحكم البلاد بالحديد والنار لمدة 17 سنة، قتل خلالها أكثر من 3 آلاف، وعذب أكثر من 30 ألفا من معارضيه، وحين اضطر لترك الحكم بعد استفتاء عام، لاحقته الاتهامات وتم القبض عليه في بريطانيا عام 1998 بتهم تتعلق بالقتل والتعذيب، وظل رهن الإقامة الجبرية لمدة 18 شهرا، وحتى حين عاد إلى بلاده ظل تحت الملاحقة القانونية حتى وفاته أواخر 2006، وقد أفلت من العقاب بسبب مرضه وإجرائه لعمليات جراحية في قلبه.

في المقابل فإن الحكومة التشيلية أعادت التحقيق في وفاة سلفادور أليندي الرئيس المدني الذي أطاح به انقلاب بينوشيه، حيث تضاربت الروايات حول سبب الوفاة بين قتل عمد أو انتحار، وقد أثبتت التحقيقات التي جرت في 2011 أن الوفاة كانت نتيجة انتحار، والعبرة هنا بفتح التحقيق بعد 38 عاما من وفاته احتراما له ولأسرته ومحبيه.

يحدثنا القرآن الكريم أن الله ليس غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، وتحدثنا السنة أن الله يملي الظالم، فإن أمسكه لا يفلته، وأنه “ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم” ويحدثنا الحافظ ابن رجب رحمه الله: “الغالب أن الظالم تعجل له العقوبة في الدنيا وإن أمهل فإن الله يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته”، وها نحن نرى أمام اعيننا عقاب الله لكثير من الحكام الظلمة خلال حياتهم وحياتنا.

وإذا كان بعضهم قد أفلت من العقاب في الدنيا فإننا نثق أن عقابه عند الله شديد “ولا تَحْسِبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إنَّما يُؤَخِّرُهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهم وأفْئِدَتُهم هَواءٌ” صدق الله العظيم.

المصدر : الجزيرة مباشر