هل تحرر حماس وفصائل المقاومة فلسطين؟

بعد وقف إطلاق النار، وفشل الجولة الرابعة للعدوان الإسرائيلي على غزة؛ حققت حماس وفصائل المقاومة والشعب الفلسطيني في معركة سيف القدس نتائج ذات بعدٍ استراتيجي وسياسي، وأحدثت تغيرا في المعادلات على الأرض، ولكنها أثارت في الوقت ذاته تساؤلات عديدة حول المسارات الممكنة والمجدية لتحرير فلسطين.

لقد فتحت نتائج وإنجازات معركة سيف القدس أفقا واسعا نحو المعركة الكبرى لتحرير فلسطين، وأثارت تساؤلا لدى البعض عن مدى قدرة حماس وفصائل المقاومة على تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، في ظل النموذج العسكري الذي تعتمده المقاومة، والذي أثبت حضوره كنموذج للصمود في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة.

المقاومة بين معادلتين

إن حماس وفصائل المقاومة في غزة بعد معركة سيف القدس بين معادلتين: معادلة الصمود بنموذجها العسكري الذي حققت به المقاومة إنجازات استراتيجية، ومعادلة تحرير التراب الفلسطيني التي تحتاج أدوات إضافية لا يغني نموذج الصمود العسكري وحده عنها.

بين المقاومة المسلحة والمقاومة السلمية والتفاوض تتعدد وجهات النظر حول المقاومة المسلحة والمقاومة السلمية والتفاوض كخيارات متاحة ومجدية لتحرير فلسطين وحل القضية الفلسطينية.

نموذج للصمود لا للتحرير

هناك من يرى أن النموذج العسكري للمقاومة رغم أنه أثبت حضوره في الصمود في معركة سيف القدس، وأضاف رصيدا استراتيجيا للقوة الفلسطينية في المواجهة مع العدوان الإسرائيلي إلا إنه -مقارنة بتجارب سابقة لنماذج مقاومة وحركات تحرر أخرى-يعد نموذجا للصمود وليس لتحرير الأرض؛ لأنه غير واضح كيف سيتمكن هذا النموذج العسكري من تحرير أي جزء من فلسطين في المنظور القريب والمتوسط، ولكنه قد يقوي الموقف التفاوضي.

صمود لم يغير واقع الحصار والقمع

من ناحية ثانية هناك من يري أنه على مدار الحروب الثلاثة السابقة ” 2008، 2012، 2014″، رغم الصمود الأسطوري للمقاومة وأهل غزة لم يتغير واقع الحصار ولا الأحوال الإنسانية، وأنه بعد وقف إطلاق النار في معركة سيف القدس عادت إسرائيل لسياستها القمعية والانتقامية ضد الفلسطينيين في القدس وفي الداخل المحتل، ويتساءل عن كيفية تحقيق إنجازات عينية وسياسية تصب في المعركة الطويلة لتحرير فلسطين.

لا تفاوض ولا مقاومة مسلحة

على جانب آخر هناك من يرى أن حماس وفصائل المقاومة المسلحة في غزة لم تقارب بين الفلسطينيين وبين التخلص من الاحتلال والاستيطان، وأن المقاومة المسلحة قد تهدد أمن إسرائيل المتفوقة عسكريا، لكنها لم تدفعها لتقديم تنازلات حقيقة، وتؤدي إلى إعمال قوات الاحتلال القتل والدمار في مقابل أضرار محدودة تلحق بإسرائيل.

ويرى أيضا أن مفاوضات حل الدولتين لم تؤد ولن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، ولا إلى وقف الاستيطان؛ ومن ثم فإن المقاومة السلمية عبر أدواتها المختلفة من العصيان المدني والمقاطعة والاحتجاج والتظاهر والعمل الدبلوماسي إقليميا وعالميا هي الحل الأمثل للقضية الفلسطينية.

مؤشرات في معركة التحرير

بين وجهات النظر المختلفة حول مسار تحرير فلسطين وقدرة حماس وفصائل المقاومة على تحرير الأرض، فإن هناك مؤشرات تؤكد أن تقدما في معركة التحرير طويلة النفس يتحقق يوما بعد، وأن التحرير بات قريبا مهما رآه كثيرون بعيدا؛ ويؤكد ذلك مجموعة من المؤشرات المعتبرة.

–       أصبح لدى الفلسطينيين قوة صلبة

إن معركة سيف القدس أثبتت أنه أصبح لدى الفلسطينيين لأول مرة منذ نكبة 1948 قوة صلبة أضافت عاملا جديدا في معادلة توازن الرعب، يمكن التلويح والمناورة بها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

–       صعوبة دفاع إسرائيل عن نفسها

في ورقة بحثية كتبها ” جيرشون هاكوهين” اللواء احتياط بالجيش الإسرائيلي ونشرها مركز ” بيجين-السادات” ذكر أن الجيش الإسرائيلي رغم تفوقه العملياتي سيواجه صعوبة في الدفاع عن إسرائيل في حالة نشوب صراعات متعددة المجالات، حيث بين أن إسرائيل في الحرب الأخيرة تعرضت ولأول مرة للتطويق بالنيران من جميع الجبهات بما في ذلك الجبهة الداخلية، وأطلق على ذلك ما أسماه “استراتيجية قاسم سليماني” وأشار أن المسجد الأقصى والقدس نقطة محورية أشعلت الغضب بين العرب داخل الأراضي المحتلة، وانتهى إلى القول إن إسرائيل ستواجه خطرا وجوديا.

–        توحد الشعب الفلسطيني

من أبرز المؤشرات التي انتجتها معركة سيف القدس توحيد الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وممارساته العنصرية، والتأكيد على أن المقاومة بشتى فصائلها جزء لا يتجزأ من حراك الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال؛ مما أسقط ادعاء الإرهاب الذي تحاول إسرائيل وداعموها إلصاقه بحماس والمقاومة.

–       الفلسطينيون يواجهون وحدهم

منذ بداية المواجهات مع الاحتلال في مطلع العقد الأول من القرن الحالي يخوض الفلسطينيون وحدهم المعركة ضد الاحتلال دون وجود أية جبهات عربية-رغم أن العرب يملكون جيوشا كبيرة وتسليحا ضخما يمكنهم من تهديد وجود إسرائيل، لكن لا إرادة لديهم للقتال والمواجهة-ويوما بعد يوم يحرزون تقدما ينتقص من قدرات إسرائيل في الردع والمواجهة.

–       كسر إرادة الإسرائيليين

الصراع مع إسرائيل هو صراع إرادة وصمود ضد قوة مادية تفوقهم بمراحل في الإمكانيات، وتمارس شتى وسائل العنف على الفلسطينيين من حصار وقتل واعتقال وهدم للبيوت، ولا يختلف ذلك في السلم أو في الحرب؛ ورغم ذلك نجح الفلسطينيون في كسر إرادة الإسرائيليين، واستطاعت المقاومة العسكرية كسر قوة الردع الإسرائيلية، كما تخلخل وعي الإسرائيليين تجاه التمسك بالأرض؛ بما يعني دفع الإسرائيليين للرحيل عن أرض فلسطين التي احتلوها عنوة.

–       إحياء القضية الفلسطينية وعودة الوعي

أعادت المواجهة الأخيرة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وأصبحت محركا يحرك الشارع العربي والإسلامي، كما أعادت تشكيل الوعي العالمي بحقيقة الصراع القائم، والذي لعب الإعلام بأدواته المختلفة الدور الأبرز فيها، وكشف الاحتلال الإسرائيلي على حقيقته، كما عرى الداعمين له من القوى الدولية والإقليمية، وأعاد حسابات المطبعين والمنتظرين في طابور التطبيع.

استشراف المستقبل حول استمرار إسرائيل

استمرارية إسرائيل مهددة، عبارة تتردد كثيرا، ليس من باب التمني؛ ولكن إسرائيل منذ نشأتها التي قامت على اغتصاب الأرض الفلسطينية والسؤال عن استمرار وجودها لم يتوقف؛ وليس هذا لكونها نشأت بطريقة غير قانونية وبمحاولة اجتثاث شعب بأكمله؛ بل لأن معطيات الواقع وفقا لعلم الاستعمار الاستيطاني تؤشر إلى أن إسرائيل مهددة في وجودها؛ وفقا للعديد من الأسباب التي نراها وذكرها وتوافق عليها من قبل العديد من الباحثين وهي:

–       أن السيطرة الإسرائيلية في الأرض المحتلة هي سيطرة أقلية؛ لأن إسرائيل تمارس السيطرة على مجموعة من السكان سيصبح نصف عددها من الفلسطينيين وهم في طريقهم للزيادة.

–       استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي هي إقامة المستوطنات؛ فهناك نهم وشغف صهيوني بالتوسع في المستوطنات.

–       هناك ثقافة أيديلوجية تحرك إسرائيل لذلك لن يتوقفوا وهم يرون ما يفعلونه شرعيا.

–       العالم أصبح أكثر انزعاجا من إسرائيل وممارساتها الاستيطانية مما كان عليه من قبل.

–        أظهر الصراع الحالي ضعف إسرائيل دبلوماسيا وعسكريا، بسبب تغير الإدارة الأمريكية، وضعفها سياسيا بسبب الجمود الانتخابي والسياسي داخليا.

–       العالم والمنطقة مقبلون على مرحلة مهمة، وتحولات في مراكز القوى، وقد بلغ الفساد العالمي والطغيان الصهيوني مبلغا غير مسبوق.

–        إسرائيل متجهة نحو التراجع على أصعدة مختلفة؛ لأن معادلات القوة على الأرض باتت تخضع يوما بعد يوم لتحولات عميقة، وقوة المقاومة في تصاعد مستمر، كما أن الرفض الجماهيري العربي والإسلامي والدولي تجاه إسرائيل يتعاظم يوما بعد يوم.

 

الخلاصة

إن السؤال حول قدرة حماس وفصائل المقاومة على تحرير فلسطين سيتكفل الوقت بالإجابة عليه، غير أن ما نراه على أرض الواقع يؤكد أن خطوات المقاومة في غزة تسير نحو هدف التحرير في معركة نقاط طويلة النفس.

وما بين المتخوفين من مراوحة المقاومة في مربع الصمود، ويرون أن النموذج العسكري الذي تعتمده المقاومة ليس بنموذج تحرير الأرض على المديين المنظور والمتوسط ، وهؤلاء الذين يرون أن واقع الحصار والقمع لم يتغير رغم الصمود الأسطوري للمقاومة، ويتساءلون عن كيفية تحقيق إنجازات عينية وسياسية، وأولئك الذين يرون أنه لا فائدة من المقاومة المسلحة، ولا فائدة من التفاوض، ويرون المقاومة السلمية بأدواتها المختلفة هي الحل، وما بين هؤلاء جميعا يمكننا أن نستخلص أن تحرير الأرض من الاحتلال يحتاج  من حماس وفصائل المقاومة وكافة النخب الفلسطينية أن تعي أنه لابد من استراتيجية شاملة للمقاومة، ومشروع يجمع بين تقوية الصمود بنموذجه العسكري، وتصعيد المقاومة الشعبية متعددة الأدوات، ورفض أي صفقة تشرعن وجود الاحتلال الإسرائيلي، حتى لو اقتضى الأمر حل السلطة الفلسطينية، وإرغام إسرائيل على ممارسة دورها كسلطة احتلال، والعودة إلى نهج المقاومة، لأن مفهوم الاحتلال الهادئ هو الخطر الأكبر على فلسطين.

لقد أثبتت حماس والمقاومة قدرتها على الصمود، وأضافت رصيدا استراتيجيا للقوة الفلسطينية، وأكدت أن القتال والمقاومة هي الخيار الأفضل، وأن أولوية الحق في حاجة إلى قوة تدعمها، ومن المهم أن تُستثمر الفرصة القائمة وما أفرزته المعركة الأخيرة للتحول نحو استراتيجية نضالية شاملة، وفي تجارب الآخرين نماذج يمكن البناء عليها، ويدعم الطريق نحو التحرير استشراف مستقبلي في حاجة لمن يعيه ويبني عليه، وبشارات ربانية في حاجة لمن يوقن بها ويجتهد لنيل شرف تحقيقها.

المصدر : الجزيرة مباشر