السحر والتنجيم والسياسة

ريجان أشهر رئيس أمريكي كانت له عرافة

لاحظت مؤخراً -وربما لاحظ غيرى- كثافة الظهور والحضور للمنجمين الفلكيين وقارئي البخت ومفسري الأحلام، فهم ضيوف على فضائيات عديدة، والمدهش أن ذلك يحدث في برامج سياسية في الأساس، دون أن يشرح لنا أحد ما هي علاقة «حظك اليوم» بالسياسة.

قد يعنى ذلك أن أهل السياسة قد أفلسوا، ولم يعد لديهم تحليل أو تفسير أو رؤية، وأصبحت الأوضاع عصية على أي بحث جاد، يتوصل إلى تشخيص صحيح وعلاج مناسب.. وهكذا لا يتبقى سوى اللجوء للرجم بالغيب، وربما تضرب الطوبة في المعطوبة، ويصدق المنجمون رغم أنهم في الأصل كاذبون.

قيل إن المشير عبد الحكيم عامر كان يلجأ إلى قارئ بخت «أو قارئة»، وأن التنجيم كان يأخذ موقعاً مهماً في آلية صنع القرار، وقد ذكر د. مراد غالب في مذكراته أثناء عمله كسفير لمصر في موسكو، عن زيارة عبد الحكيم عامر له لحضور العرض العسكري في 7 نوفمبر 1966، ويقول مراد غالب: «اصطحبت المشير عامر إلى منزلي، وجلسنا أمام المدفأة، لأن الجو كان شديد البرودة (13 تحت الصفر) جرنا الحديث إلى موضوعات شتى، ولا أدرى كيف وصل حديثنا إلى الذين يقرأون الطالع، ثم قال عبد الحكيم عامر: سأحكى لكم قصتي مع البخت.. لقد تصادف أن التقيت في الإسكندرية وأنا برتبة ملازم أول مع امرأة تقرأ البخت، وقالت لي إنك سوف تحكم هذا البلد، لكنك ستهوى على الأرض، وأنت في هذا الموقع العالي، وقد تفارق الحياة عندئذ..

استطرد المشير وقال: كيف أقع على الأرض.. إن شقيق عبد الناصر متزوج من ابنتي، وأنا نائب الرئيس، وقائد عام القوات المسلحة.. وعلق هو على القصة بأنها هراء، وأنه يحكيها لأنها قصة عجيبة.

ولقد قرأنا عن عرافة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان

وقد رويت روايات عن جلسات تحضير الأرواح قبل نكسة 1967، في محاولة لفهم تفكير موشى ديان، وغير ذلك من الروايات، ولا أعلم حقيقة صحة ذلك، ولكنني صادفت أشخاصاً في مواقع مهمة، يأخذون هذه المسائل محمل الجد، أحدهم مثلاً كان لا يقدم على أمر قبل أن يستشير قارئة فنجان بعينها، ومسؤولة رفيعة المستوى كانت منتظمة في جلسات فتح المندل كي تعرف ما الذي يخططه خصومها.

وتجدر الإشارة إلى أن مصر لم تنفرد بهذه الخاصية، فلعنا نتذكر الدكتور يوسف شاكير الذي كان يلقب باسم «ساحر القذافي»، ويطل يومياً من قناة «الجماهيرية» الليبية كي يتحدث طويلاً عن أعمال السحر وعلامات النصر التي أخبره الجن بها..إلخ، وكلنا يعرف كيف تحققت نبوءات شاكير ولكن بعكسها، حيث انتهى الأمر بالقذافي إلى القتل والسحل والتمثيل بجثته، ولعله في لحظاته الأخيرة كان مندهشاً من عدم تحقق نبوءات ساحره الأثير.

وللإنصاف، فإن العرب لم يستفردوا بهذا، فكل شعوب العالم بلا استثناء لديها ذلك التعلق بوهم قراءة الغيب أو المستقبل، ولم يقتصر الأمر على العصور السحيقة فقط، وإنما استمر ذلك مع الحضارات البشرية المختلفة، حتى عصرنا الحديث، ولقد قرأنا عن عرافة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، والعرافة الفرنسية «إليزابيث تيسيه» التي أصدرت كتاباً تحدثت فيه عن علاقتها بالرئيس فرانسوا ميتران أوضحت فيه أنها كانت المستشارة الروحية له طيلة السنوات الست الأخيرة من حياته، ويقال إن ميتران لم يكن مقتنعاً في البداية بما ترويه له المنجمة إلى أن اقتنع أخيراً بأخبارها نتيجة كل ما سردت له من وقائع وأحداث اعتبرها متطابقة مع دورة الأفلاك في برجه العقرب، ثم ازدادت مكانتها بعدما تنبأت له بوقوع حرب في بداية التسعينيات فكانت حرب الخليج الثانية، وأصبحت معروفة في أوساط القصر الجمهوري.

اشتهرت أيضاً السيدة دجونا العرافة المعتمدة للرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين الذي كان يثق فيها أكثر من ثقته في مستشاريه، والقائمة لا تنتهي من تلك الأسماء التاريخية الشهيرة التي ارتبطت بالعرافين والمنجمين..

ويبدو أنه في منطقتنا العربية، ولأسباب كثيرة ليس هذا محلها، أصبح التنجيم أحد خواصنا القومية، حيث يلجأ الإنسان إلى قارئ للطالع، كي يقرأ له مستقبلاً أفضل، في حين تعطلت أو غابت أو غيبت أدوات الفعل الإيجابي للتغيير، لذلك لم أندهش كثيراً لتصدر قارئي البخت و«علماء» النجوم صدارة المشهد السياسي، فذلك ليس انعكاساً لعجز الواقع وإفلاسه فقط، وإنما يبدو ترتيباً ممنهجاً لتصدير أوهام بعينها للرأي العام.

لا وجود للخرافة في مجتمع ينشد التقدم، ولا أظن أن العقلاء ينبغي أن ينصتوا لهذه الترهات التي يعلم الله وحده من يختبئ وراءها، وأذكر الجميع أن القرآن الكريم والحديث الشريف كانا واضحين باستبعاد التنجيم وعدم جواز العمل بمقتضاه.. فقد قال تعالى: «وما كان الله ليطلعكم على الغيب» «آل عمران 178»، وقال: «قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضَراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّنى السوء إنْ أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون” الأعراف 187، ويقول الرسول صلى  الله عليه وسلم: «كذب المنجمون ولو صدقوا».

المصدر : الجزيرة مباشر