هل أخطأت حماس؟

جانب من الاحتفالات بالنصر

في كل ثورات التحرر، لم تكن خسائر المحتل البشرية والمادية أكبر من خسائر الطرف المقاوم بأي حال من الأحوال، الأشقاء في الجزائر سددوا ثمنًا باهظا في هذا الشأن تجاوز المليون ونصف مليون شهيد، بينما كانت خسائر المحتل، قتيل هنا أو مصاب هناك، حسب عمليات المقاومة اليومية، بالتالي فإن الخسائر البشرية في غرة كانت أمراً طبيعياً لشعب يواجه جيشاً قوياً على مستوى العتاد، ذلك أنني -بصفة شخصية- لا أعترف بقوة العنصر العسكري الإسرائيلي، بل أراه الأكثر جبناً على مستوى العالم، لذا لم تكن مشكلتهم معنا في قوتهم، وإنما كانت في ضعفنا، كمجموعة من صغار العسكريين يديرون دولة وجيشاً أكبر من إمكانياتهم بكثير.

 بالفعل، وبدون مبالغة، لم تكن هناك طوال المواجهات دولة بمعنى الدولة اسمها إسرائيل

من هنا فإن ما يراه البعض من أن خسائر حماس كانت كبيرة مقارنة بخسائر العدو أراها نظرة سطحية للأمور، ذلك أن خسائر العدو البشرية كانت كبيرة وغير معلنة من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الخسائر غير البشرية كانت فادحة، بدءاً من بلد كامل يعيش سكانه في الملاجئ على مدار الساعة، توقف فيها الإنتاج، توقفت فيها المطارات، توقفت فيها الطرق برية وسكك حديدية، انهار فيها العامل المعنوي إلى الحضيض، ويكفي أن نعلم أن هناك عشرات الآلاف من الإسرائيليين كانوا عالقين في مطارات العالم طوال أيام المواجهات، كما هناك عشرات الآلاف بالداخل لا يستطيعون السفر، إضافة إلى ذلك فقد توقف خط نقل النفط والغاز من إيلات في البحر الأحمر إلى عسقلان في البحر المتوسط، وتوقف أيضاً حقل غاز تمارا في المتوسط عن الإنتاج، بما يحمله من استثمار إماراتي يصل إلى ملياري دولار.

بالفعل، وبدون مبالغة، لم تكن هناك طوال المواجهات دولة بمعنى الدولة اسمها إسرائيل، ولو أن هذه الأوضاع كانت استمرت أسبوعين آخرين، لكانت حماس قد حققت شروطها فيما يتعلق بالقدس وفلسطينيي الداخل، إلى أن تنطلق مفاوضات من أي نوع، ولكن من المهم أن تكون هذه المفاوضات تحت وقع القصف هنا وهناك.

الخسائر البشرية، وهدم المنازل لا يعتد بها أمام خسائر إسرائيل، خاصة أن هناك بالمثل خسائر بشرية وخسائر في المنازل أيضاً، إلا أن العامل المعنوي مرتفع جداً لدي الفلسطينيين في الوقت الذي تراجع فيه تماماً على الجانب الآخر، ليس تحت وقع القصف القادم من غزة فقط، والذي أصبح يطال كل إسرائيل لأول مرة في تاريخها، وإنما أيضاً تحت وقع المواجهات مع فلسطينيي الداخل فيما يشبه الحرب الأهلية لأول مرة منذ عام ١٩٤٨، وتحت وقع انتفاضة الضفة الغربية، والتي أيضاً كانت مفاجأة للعدو للمرة الأولى منذ اتفاقيات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي.

 لو أن هناك قادة عربا شرعيين في بلدانهم، أي يستندون إلى شرعية شعبية، لكان من الممكن أن تتغير الأوضاع كثيراً

لن تقبل الولايات المتحدة أبداً بنظام إسلامي في غزة، ولن تقبل مصر أبداً بنظام إخواني في غزة، وسوف تكون هناك مقاومة سعودية وإماراتية لهذا الوضع، ودعم أوربي لهذا الاتجاه، لذا فقد كانت تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن واضحة وحاسمة في هذا الشأن -حماس منظمة إرهابية، ومحمود عباس الرئيس الشرعي- إلا أنه لم يستطع أن ينطق بذلك صراحةً إلا بعد وقف إطلاق النار، ثم جاء تصريحه بحل الدولتين، مقابل إقرار كل الدول العربية بشرعية إسرائيل ليستفيد مما جرى، وكأن إسرائيل هي المنتصرة، على الرغم من أن مثل هذه الأطروحة كانت مبادرة عربية طرحها الملك عبدالله بن عبدالعزيز ذات يوم، ولم تلق قبولاً.

لو أن هناك قادة عربا شرعيين في بلدانهم، أي يستندون إلى شرعية شعبية، لكان من الممكن أن تتغير الأوضاع كثيراً خلال الأسابيع الماضية، ذلك أن حماس في هذه المواجهة كانت ينقصها الدعم العربي الرسمي، والتلويح بدعم عسكري، إلا أن أحداً من القادة العرب لا يستطيع أن يفعل، ذلك أنهم يستندون إلى الدعم الخارجي والشرعية الخارجية أكثر من الداخل، وهو. الأمر الذي كان يجب أن تفطن له حماس، بأنها لن تجد دعماً شرعياً عربياً أبداً، بخلاف المظاهرات الشعبية، وحفلات الخطابة، والتي لم تشهد مصر تحديداً أيا منها، في سابقة تحتاج إلى دراسة وعلاج في آن واحد، في الوقت الذي تعامل فيه الإعلام الرسمي مع اتصال الرئيس الأمريكي برئيس مصر، على أنه يوم عيد، يمكن الاحتفاء به كل عام!!

لن يستطيع أحد أن ينكر أن حماس حققت نصراً عسكرياً ومعنوياً غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي مع الصهاينة، إلا أنهم لم يستطيعوا البناء على هذا الذي حدث، وكان من الممكن أن تنسحب من هذا الاتفاق في اليوم التالي فوراً بمجرد التصعيد الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية، وذلك بإطلاق رشقات جديدة على تل أبيب تحديداً، حتى يعي الجميع داخل إسرائيل وخارجها، أن اتفاق غزة، سوف يكون رهناً بالاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين خارج غزة، خاصة أن هذه الأزمـة نفسها هي التي دخلت حماس بسببها على خط المواجهة منذ البداية.

على الرغم من ذلك فإن إسرائيل تم إنقاذها بهذا الاتفاق، وسوف يصبح الشغل الشاغل لدى جميع الأطراف حالياً، كيفية إجهاض قوة حماس العسكرية، والشغل الشاغل لدى إسرائيل كيفية إعادة تشكيل التركيبة السكانية بالداخل، بحيث لا تصبح هناك أغلبية فلسطينية في أي من البلدات، بعد أن فوجئوا بهروب الإسرائيليين من بعض البلدات التي تغلب فيها نسبة الفلسطينيين.

في كل الأحوال، نحن على يقين بأن إرادة الله نافذة لا محالة، وهي أن دولة إسرائيل منتهية، وقد حان هلاكها بالخروج الجديد الذي سوف تشهده أجيالنا بإذن الله تعالى، وعلى أيدي الشعب الفلسطيني، ولا أحد غيره، هذا وعد الله ولا شك في ذلك، وهم يدركون ذلك أكثر من إدراكنا نحن، إلا أننا نحاول قراءة ما يجري على أرض الواقع.

المصدر : الجزيرة مباشر