غزة العزة وحرب نوعية فريدة!

احتفالات بالنصر

مشاعر وأجواء من العزة والفخار، رغم القصف والهدم والتدمير والشهداء والجرحى، رغم الصمت والانحياز والدعم الغربي لذراعهم الطولى كيانهم الصهيوني المدلل ووكلائهم من الحكام والنخب، هذه المشاعر تتولد لديك عندما تتابع وتشارك ميادين المواجهات بين شعب مجاهد، ومحتل غاصب ومجتمع دولي غير منصف وظالم.

“معارك وليست معركة واحدة “هي الدائرة بين الكيان الصهيوني وبين شعب فلسطين المقاوم والمدافع عن أرضه ومقدسات أمته ومن خلفه دعما ونصرة الملايين من شعوب الأمة وأحرار العالم، معارك متعددة الميادين أثبت فيها شعب فلسطين ومعه شعوب الأمة توازن وتكافئ بل وتفوق في مجالات وميادين عدة نوعية وجديدة، منها:

أولاً: ميدان الوعي “الحرب الفكرية والنفسية”

رغم عقود الاحتلال المدعوم عالمياً وعربياً وإمكاناته المليارية اللامحدودة لم تتغير قناعات شعب فلسطين ولا شعوب الأمة للقبول بما يسمى الأمر الواقع، بل ظلت الأجيال تتوارث جينيا وفكريا ونفسيا حق الأرض والعودة والمقدسات والثروات لدرجة احتفظ فيها فلسطينيو الشتات بمفاتيح بيوتهم التي هجروها قسرا بيقين العودة إليها يوما ما، وهم عائدون حتما، وفي المقابل احتفظ شعب صهاينة اليهود بعناوين إقامتهم وهواتف أقاربهم في بلدانهم الأصلية ليقينهم أنهم راحلون يوما، وهم راحلون حتما.

كما فشلت مبادرات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وهرولة التطبيع القائم والقادم، فالقائمون على هذه المبادرات فشلوا جميعا في كسر أو ترويض الشعوب وخداعها بمقولاتهم المضللة عن التعايش والأرض والسلام والرفاهية وما كانت تلك المبادرات إلا أوراق اعتماد وتوثيق لبقاء أنظمة الحكم الجبرية رغما عن إرادة الشعوب.

أيضاً فشل إعلام صهاينة العرب وتعليمهم ونخبهم في إيجاد شعب وأمة تقبل الاحتلال وتتنازل عن المقدسات رغم حملات التشويه والتشكيك والشائعات والأكاذيب أن شعب فلسطين هو من تنازل وباع الأرض، أو أن المقاومة هي سبب الاستفزاز للصهاينة، أو أنها هي مصدر الإرهاب وغير ذلك كثير، كما فشل صهاينة اليهود ومعهم صهاينة العرب بحصارهم المجرم لغزة وشعبها أملا في تأليب الشعب ضد المقاومة خاصة حماس، بل جاءت الأحداث ليذهب الزبد جفاء ويمكث في الأرض ما ينفع الناس.

ثانيًا: ميدان الفعل والمشاركة

اشتعلت الأرض -كل الأرض- من تحت أقدام الصهاينة، في المدن العربية المحتلة وفي قلب دولة الكيان وكل أطرافه، وعاش الصهاينة حالات الخوف والرعب والفزع وعادوا لمكانهم الطبيعي “الملاجئ والخنادق والحفر”، وهكذا كان دعم الشعوب العربية وأحرار العالم للحق الفلسطيني بصور متنوعة من التظاهرات والندوات والتبرعات بل وإحياء حملات المقاطعة للمنتجات.

ثالثًا: ميدان المقاومة المسلحة وتفوق القطاع المحاصر ممنوع الموارد

كان الأداء الفني والتكنولوجي المحترف بجدارة لفكر وعقل وأداء المقاومة المسلحة التي استطاعت بتوفيق من الله ومهارة عالية اختراق حواجز الدفاعات الجوية المسماة بـ(القبة الحديدية) في حرب نوعية فريدة بين عقول العالم نعم العالم صناع السلاح وقبتهم الحديدية وعقول أبطال المقاومة الذين يعانون الحصار والندرة في الغذاء والدواء والكساء والإيواء.

تفوقت المقاومة لتصل الصواريخ لكل مكان ظن صهاينة اليهود ومعهم صهاينة العرب أنه مصدر الحماية والأمن، وتوقفت الحياة على أرض فلسطين المحتلة، وأغلقت كل المحال والمؤسسات وكأن هناك إضراب شامل، حيث الشوارع الخالية والبيوت الفارغة والعقول التائهة والنفوس الخائفة.

رابعًا: ميدان الإعلام

وهي مواجهة وحدها، مواجهة شاملة مع صهاينة العالم وليس صهاينة اليهود وحدهم، مواجهة شاركت فيها شعوب الأمة جنبا إلى جنب مع شعب فلسطين ومقاومته البطلة، ما كشف الغطاء عن الوجه القبيح للغرب ومؤسساته وأجهزته التي طالما ادعت الحرية والديمقراطية والقيم الإنسانية، حين يصمتون عن قتل المدنيين وتدمير البيوت وتهجير السكان وتدمير وسائل الحياة من مؤسسات المياه  والكهرباء والغاز وغيرهم، بل وقصف مقرات الإعلام وحجب المواقع والصفحات. في المقابل، كان تكاتف الملايين من شعوب الأمة في التعاطي مع منصة فيسبوك وكشف وفضح صهيونيتها ومقاطعتها لفترات محددة والنزول بتقييمها بصورة مبهرة فضلا عن الالتفاف والتحايل عليها لترويج وتسويق صمود الشعب ومقاومته وفضح صهاينة اليهود ومن يدعمهم من صهاينة العرب.

خامسا: ميدان القيم الإنسانية

وهو الاختبار الصعب الذي نجح فيه القليل من الأنظمة وسقط فيه الكثير ممن رفعوا شعارات حضارية وفي مقدمتهم الإدارة الأمريكية والألمانية والفرنسية وغيرهم ممن دعموا حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه وتجاهلوا الحق الفلسطيني الأصيل في الأرض والحياة.

إنها حرب نوعية فريدة لها تداعيات ونتائج وحصاد ليس على أرض فلسطين وحدها، بل على المنطقة والعالم.

 

المصدر : الجزيرة مباشر