هل انتصرت فلسطين؟

صفحات التاريخ ناطقة بأن العاقبة للصامدين، وأن النصر قرين الصبر، وأن الفوز والظفر لأصحاب الحق وإن طال أمد المعركة، أو كانت القوى فيها غير متكافئة، فقد انهزمت القوى الكبرى وانسحبت أمام مقاومة أصحاب الأرض، حيث رجعت بريطانيا إلى حدودها بعد أن كانت مستعمراتها لا تغيب عنها الشمس، وهُزمت أمريكا في فيتنام والاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وها هي أمريكا تتجرع الكأس نفسه من المكان نفسه، وتطلب الخروج والتفاوض مع طالبان!

هذا مكمن القوة التي تنطلق منه المقاومة الفلسطينية؛ فهم أصحاب الحق وأهل الأرض، كما أنهم أخذوا بالسنن الكونية والأوامر الربانية في إنجاز القدر المستطاع من الإعداد، ومن فعل ما في يديه حُق له أن يطلب ما عند مولاه فإنه لا يخلف الميعاد..

(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)

وهذا يحتم على الأمة الإسلامية أن تتعهد هذه الصورة المشرقة من صور النجاح والكفاح

هذا ما حدث في غزة التي أخذت بالمتاح من أسباب العزة، وسخرت طاقات شبابها وعقولهم -في ظل الحصار الخانق من القريب والبعيد- حتى غدت قوة ردع بعد أن كانت مجرد مقاومة، وخرجت بقوتها عن محيط غزة وغلافها لتدافع عن حقوق كل الشعب الفلسطيني، ورأينا كيف وعدت بنصرة المقدسيين وأهل حي الشيخ جراح وأنجزت وأوفت، بل وأصبحت الممثل الشرعي للدفاع عن قضية الأمة الأولى، والذود عن مقدسات المسلمين.

وهذا يحتم على الأمة الإسلامية أن تتعهد هذه الصورة المشرقة من صور النجاح والكفاح، وترعى هذه الشجرة المثمرة التي بدأت تؤتي ثمارها وتمتد ظلالها، روى أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: “جاهِدُوا المُشرِكينَ بِأَموالِكُمْ وأَنْفُسِكُم وأَلسِنَتِكُم”، رواهُ أَبُو داود بإسنادٍ صحيح.

وهذا يجعل الجهاد مثلثا يتألف من ثلاثة أضلاع؛ فالضلع الأول: الجهاد بالنفس وهو أعلى الدرجات وليس له ثمن إلا الجنة (إِنَّ اللهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

والضلع الثاني: الجهاد بالمال وجاء ذكره في الحديث مقدما لأنه الأساس، ومن دونه لا تكون عدة ولا عتاد ولا إعداد، قال الله تعالى: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، وعن زَيدِ بنِ خَالدٍ، أنَّ رسُولَ الله ﷺ قَال: “مَنْ جهَّزَ غَازِيًا في سبيلِ الله فَقَدْ غَزَا، ومنْ خَلَفَ غَازيًا في أَهْلِهِ بخَيْر فَقَدْ غزَا”، متفقٌ عليهِ.

تعاملت إدارة الفيسبوك بمنتهى العنصرية مع كل ما له صلة بالمحتوى الفلسطيني، وحظرت عشرات الصفحات مما جعل بعض الناشطين يطالبون بمقاطعة الفيسبوك

وقد أدرك الأعداء هذا فعمدوا إلى تجفيف منابع الخير، ومحاربة الجمعيات الخيرية وتشويه القائمين عليها، وهذا يفرض إيجاد البدائل، وتقديم كرائم الأموال بالإضافة إلى تفعيل سهم (وفي سبيل الله) وتوجيه الزكاة والصدقات إليه، وأفتى أهل الفقه والنظر بجواز تعجيل زكاة العام القادم ودفعها من الآن تعويضا لأهل فلسطين عما لحق بهم وبديارهم، ودعما للمرابطين والمرابطات في جنبات المسجد الأقصى المبارك، وأهل الثغور في عموم فلسطين.

والضلع الثالث: الجهاد باللسان وهو لا يقل أثرا وفاعلية عن الجهاد بالسنان، بل أصبحت القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعية كتيبة من كتائب المدفعية الثقيلة ومنصة من منصات الصواريخ، وأصبحت تمثل خط الهجوم الأول والغطاء الذي تتحرك تحت مظلته الجيوش.

ومن هنا كان الدور الذي قامت به قناة الجزيرة من خلال ما تملكه من شبكة المراسلين والمذيعين المحترفين دورا هاما ومحوريا في نقل الحقيقة، ومنع انتشار الدعاية الكاذبة ونفي الزيف، ولذا أقدم جيش الاحتلال على قصف موقع الجزيرة ومحطات عالمية معها في المبنى نفسه، ظنا منه أن سيقتل الحقيقة، لكن استمرت الجزيرة في عملها بمهنية واحترافية، حتى نقلت للعالم كله لحظات الفرح ومسيرات النصر التي عمت كل ربوع الأرض المباركة.

وبضدها تتميز الأشياء؛ فقد تعاملت إدارة الفيسبوك بمنتهى العنصرية مع كل ما له صلة بالمحتوى الفلسطيني، وحظرت عشرات الصفحات مما جعل بعض الناشطين يطالبون بمقاطعة الفيسبوك، وإنشاء منصة بديلة تناهض العنصرية وتكفل حرية التعبير.

وبعيدا عن الخوض في معايير النصر والهزيمة، فإن المشهد الحالي الذي خرج فيه أهل فلسطين جميعا للاحتفال بالنصر، هو إعلان صمود وعدم استسلام وإصرار على استكمال المسير، وأن ما قام به المحتل من إرهاب وتدمير وخراب، لن يفت في عضد الشعب الصامد، ولن ينال من عزيمة المجاهدين الصابرين، الذين وقفوا على عتبات النصر، وأدمنوا طرق باب الفوز، وَقَمِنَ أن يُفتح لهم.

المصدر : الجزيرة مباشر