هل سوريا ذاهبة نحو التقسيم؟

سوريون يتناولون افطارهم بين الأنقاض

بعد الهجوم الذي شنّه تنظيم داعش على مدينة كوباني في 2014 وتدخُّل واشنطن لوقف الاجتياح المتوحش الذي هجّر قرابة 400 ألف كردي سوري من ديارهم خلال ساعات قليلة، أمرَ حينها الرئيس باراك اوباما بالتدخل الجوي لوقف تمدُّد تنظيم داعش الذي باتت عاصمة الخلافة (الرقة) وامتدت مناطق سيطرة هذا التنظيم من الموصل الى ريف دمشق متجاوزاً مساحة لبنان والأردن وإسرائيل، ولأول مرة استخدمت فيها واشنطن بعد تدخلها الجوي في كوباني طائرات حربية من طراز (F-22)، وصواريخ تماهوك، وأشارت الإدارة الأمريكية حينها أن تكلفة الغارات الجوية لليوم الواحد في مواجهة داعش يصل إلى ما بين (7-10) ملايين دولار، كما خصصت الولايات المتحدة (500) مليون دولار لتدريب قوات حليفة لها في 2016.

التدخُّل الأمريكي جاء بعد تشكيل تحالف دولي في سبتمبر/أيلول 2014، بقيادة الولايات المتحدة، ومعها فرنسا والسعودية والإمارات والبحرين والأردن وقطر وتركيا بهدف القضاء على تنظيم داعش، وارتفع عدد الدول المشاركة فيه فيما بعد إلى 82 دولة.
كما أرسلت باريس في 2015 فرقاطة مزودة بنظام دفاع جوي إلى الخليج العربي، إضافة إلى مشاركة (9) مقاتلات من طراز “رافال”، وطائرة استطلاع، وأخرى للتزويد بالوقود في الغارات الجوية، إضافة إلى تقديمها مساعدات إنسانية وأسلحة، ومعدات عسكرية لقوات البيشمركة في اقليم كوردستان، بينما لندن هي الأخرى اختصرت عملها على قصف طيرانها الحربي مواقع داعش داخل العراق فقط. فجميع المعطيات سمحت لداعش التمدد، وأفسح له المجال لغزو المنطقة حتى يسهل تفكيكها الى قطع متناثرة وبالتالي إضعافها والقضاء عليه لنوايا أخرى سيرفع الستار عنها فيما بعد.

هذه الأموال والجيوش التي خصصت، وجندت بهدف محاربة تنظيم على شكل عصابة معروف باسم داعش فهو يترك حتى الآن الكثير من إشارات الاستفهام

وجود تنظيم داعش وتمدده داخل سوريا والعراق خلال فترة قصيرة بالمقارنة مع حجمه وقوته العسكرية على حساب فصائل المعارضة السورية والجيش العراقي أدخلت المنطقة في صراع دموي – قوي بين أجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية، فكل هذه الأموال والجيوش التي خصصت، وجندت بهدف محاربة تنظيم على شكل عصابة معروف باسم داعش فهو يترك حتى الآن الكثير من إشارات الاستفهام، فواشنطن اعتقدت في بداية الأمر بوجود داعش فرصة للإطاحة بالسلفيين وتجميعهم داخل سوريا للقضاء عليهم بدفعة واحدة و خلال فترة وجيزة لتسليم مناطقها فيما بعد إلى منظومة “العمال الكردستاني” تحت اسم (قسد) لخلط الأوراق في المنطقة ولتصفية الحسابات مع أنقرة على الساحة السورية، فيما موسكو ترى بوجود داعش فرصة مناسبة لها لتصفية المعارضة السورية تحت اسم (محاربة التنظيمات الإرهابية) ولإنقاذ دمشق من السقوط بيد المعارضة، بينما طهران هي الأخرى وجدت بأنها فرصة من ذهب للتخلُّص من شر الجماعات التكفيرية (السنية) وإضعافها لمصلحة حزب الله والجماعات الشيعية الموالية لها في العراق فضلاً عن تحويل سوريا الى الساحة لتصفية الحسابات مع واشنطن، اما أنقرة فوجدت نفسها محرجة داخل هذه (المعمعة) وترى أن هذه التطورات فرصة على طبق من ذهب لكسر شوكة “العمال الكردستاني” على الساحة السورية ومحاولة القضاء عليه قبل أن تستخدمهم واشنطن ضد أمنها القومي يوما ما، لكن ما حدث لم يكن بالحسبان فسيطرة “العمال الكردستاني” على منابع النفط والطاقة والمياه في سوريا جعلت منه قوة اقتصادية وعسكرية- إقليمية – تكاد تخرج عن سيطرة الجميع، أما مصر ودول خليجية فكانت تحارب لإخراج سوريا من بين مخالب طهران من خلال وضع حكومة مناوئة لها في دمشق، وهذا لم يحصل نتيجة تداخُل المصالح الدولية والإقليمية فيما بينها.

جميع المعطيات تشير إلى أن سوريا كدولة مقبلة على التقسيم

تنقسم سوريا اليوم (أرضاً وشعباً) التي تمتد مساحتها لتصل إلى 180 ألف كيلو متر مربع، وعدد السكان 18 مليون نسمة وفق إحصائيات 2016، وبحسب مراكز الدراسات الاستراتيجية المختصة بالحالة السورية فإن نسب سيطرة قوات النظام السوري على الأرض في 2021 ما يعادل ثلثي الأرض بنسبة 63.38 في المئة، بينما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على ما يزيد قليلا عن ربع مساحة البلاد، ليتبقى نحو 11 بالمئة للفصائل المعارضة في الشمال.
أما عدد اللاجئين السوريين حتى يونيو/حزيران 2020، وصل إلى 6.6 مليون شخص بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عدا عن النازحين داخلياً الذين يصل عددهم إلى 6.1 مليون شخص، وأكثر من 12 مليون شخص داخل سوريا بحاجة إلى مساعدات، 5.2 مليون منهم بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.
تثبيت هذه المناطق منذ 2017 ودون وضع جدول زمني محدد لها من خلال اتفاقيات آستانة والتماطل الأمريكيين في جنيف، والتهرُّب من تنفيذ 2254 وتكيُّف النظام هذه الحالة توحي بأن القوى الفاعلة على الساحة السورية مقبلة على تثبيت مناطق النفوذ على المدى البعيد وبالتالي خيارات التقسيم باتت مطروحة على الطاولة، هذا ما نستنتج من السياسة البراغماتية الأمريكية في سوريا كدولة مهمة في الشرق الأوسط، ففي عهد بايدن الذي يتغازل مع النظام من خلال تصريحات يؤكد فيها بأنه ليس بصدد تغيير النظام فقط لتغيير سلوكه، وتارةً أخرى يرفض الاعتراف بشرعية الانتخابات الرئاسية التي ينوي النظام إجراءها خلال الأشهر  القليلة  المقبلة، كل ذلك في إطار إدارة الأزمة بدلاً من حلها، إدارة الرئيس جو بايدن تؤكد بأنها لن تعترف بنتائج الانتخابات التي سيجريها النظام في سوريا إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة ويراعي وجهة نظر المجتمع السوري بأسره.

الخلاصة: جميع المعطيات تشير إلى أن سوريا كدولة مقبلة على التقسيم، موسكو بالتنسيق مع انقرة شعرا بالمخطط الغربي في شرق الفرات، وخاصة هذه المنطقة التي تتمتع بإمكانات اقتصادية جبّارة وطائلة تفوق إمكانات الدول مثل (تونس والمغرب والأردن) كلٌّ على حِدة فضلاً عن غنى المنطقة بالثروات الطبيعية وهذا ما يؤهلها للاعتماد على نفسها في حال أرادت الانفصال، النظام السوري لا مشكلة له مع هذا المشروع طالما بقاؤه على سدة الحكم قائم دون مشكلة، بينما موسكو ومعها أنقرة لن تقبلا بهذا المشروع كأمر واقع جديد في المنطقة، وما تسيير دورياتهم العسكرية بشكل مستمر في شرق الفرات إلا لوقوف في وجه طموحات واشنطن البعيدة المدى، بينما المستفيد من التشتت الجغرافية السورية هو (اللوبي اليهودي) الذي يسيطر على الاقتصاد ومركز القرار العالمي، والحركة الوطنية الكردية السورية بجميع مسمياتها لا تميل الى هذا التوجه لأنهم لا يرغبون تحويل منطقتهم الى (قطاع غزة) جديد في سوريا.

بالمحصلة ، لوقف مشروع التقسيم في سوريا يجب الاستعجال بتنفيذ مقررات مؤتمر جنيف وإيجاد حل عادل وشامل للأزمة السورية وإعادة المهجّرين الى ديارهم، والإفراج عن الآلاف المعتقلين والعمل على إخراج جميع المنظمات الإرهابية من سوريا وتشكيل حكومة تمثل جميع السوريين، وتتمتع فيها جميع الشعوب بحقوقها المشروعة وإلا فإن سوريا مقبلة على التقسيم وهذا لم يعد سراً، فما تثبيت مناطق النفوذ بين الدول الأربع (أمريكا، روسيا، إيران، تركيا) على المدى البعيد إلا لتكريس التقسيم ولإجبار جميع المُكوّنات الشعب السوري للرضوخ لهذا المخطط، فتخيير العشائر العربية في شرق الفرات بين إجرام داعش وفكرة التقسيم، فمن الطبيعي أن يتم اختيار الاخيرة لأن الناس بدأت تبحث عن الأمان والاستقرار، أما في المناطق الكردية فتخيير الأهالي بين إجرام النظام وأدواته في سوريا والتقسيم فمن الطبيعي أن يختار الشعب التقسيم لأنه السبيل الأمثل للتخلص من الظلم والطغيان والبحث عن حقوقهم المهضومة، ولا شك أن تم تنفيذ هذا المشروع في شرق الفرات والشمال السوري، فالمستفيد منه هم الطائفة العلوية لأن صداقتهم مع المكون (السني) قد انتهت نتيجة المجازر الدموية التي حصلت فيما بينهم، ولاشك أيضاً هذا المشروع يستهدف تركيا ومن بعدها إيران على المدى البعيد لأن معركة تصفية الحساب التاريخية (الحرب العالمية الثانية) بين تركيا وألمانيا من جهة والغرب ومعها الروس.

من جهة اخرى لم تنته بعد فالساحة باتت مفتوحة على مصراعيها وجميع الاحتمالات باتت مطروحة على الطاولة، وبالقوة.

المصدر : الجزيرة مباشر