“أبو تريكة” علي قوائم الإرهاب مجدداً..ما الذي تغير؟

محمد أبو تريكة
أبو تريكة

منذ أيام، صدر حكم محكمة النقض (أعلى محكمة مدنية مصرية) أيد إدراج 1529 شخصاً على قوائم الإرهاب، من بينهم “محمد أبو تريكة” اللاعب السابق والأشهر بالنادي الأهلي والمنتخب المصريين والمحلل الرياضي الحالي، وقد سبق لمحكمة النقض في عام 2018 إلغاء قرار إدراج سابق مطابق تماماً للقرار الذي أيدته.

النظام المصري الحالي أصدر سلسلة من التشريعات الخاصة بمكافحة الإرهاب، على رأسها القانون رقم 8 لسنة 2015 في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، والذي صدر بمرسوم رئاسي قبل تشكيل البرلمان، والذي قرر حزمة من الإجراءات التي تخول للنيابة العامة إعداد قائمتين، الأولى تدرج بها كيانات إرهابية والأخرى يدرج بها إرهابيون، ومن ثم تعرضها على محكمة الجنايات المختصة والتي تصدر بدورها حكماً بالإدراج على قوائم الإرهاب لمدة ثلاثة سنوات (عدلت فيما بعد لخمس سنوات) تبدأ من تاريخ نشر القرار بملحق الجريدة الرسمية (الوقائع المصرية) ويترتب على قرار الإدراج جملة من الآثار أبرزها حظر الكيان الإرهابي وغلق مقراته وتجميد أمواله وإدراج الأشخاص على قوائم الترقب و المنع من السفر وسحب جواز السفر أو عدم تجديده وتجميد الأموال..

تقدم أبو تريكة بطعنٍ أمام محكمة النقض المصرية، وصدر حكمها بقبول الطعن وإلغاء قرار الإدراج في جلسة 4 يوليو 2018، وجاء أبرز حيثيات حكمها بما وصفته قصوراً  في التسبيب

أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمها بإدراج أسماء 1538 شخص على قوائم الإرهابيين والمستشار محمود الخضيري وقيادات جماعة الإخوان المسلمين وعلى رأسهم مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع وخيرت الشاطر ومهدي عاكف المرشد السابق وعدد من رجال الأعمال أبرزهم صفوان ثابت رئيس مجلس إدارة شركة جهينة، بالإضافة للاعب محمد أبو تريكة، وذلك في طلب النيابة العامة رقم 5 لسنة 2017 عرائض كيانات إرهابية بالإضافة لإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الكيانات الإرهابية.

تقدم أبو تريكة بطعنٍ أمام محكمة النقض المصرية، وصدر حكمها بقبول الطعن وإلغاء قرار الإدراج في جلسة 4 يوليو 2018، وجاء أبرز حيثيات حكمها بما وصفته قصوراً  في التسبيب وعدم اعتماد الحكم المطعون فيه على أدلة واضحة من واقع التحقيقات والمستندات التي عرضها النائب العام، كما أن الحكم الملغي قد اكتفى بعبارات عامة معمَّاة ومجهلة لا يتحقق بها الغرض الذى قصده المشرع من وجوب تسبيب تلك القرارات.

بعد أسبوعين فقط من حكم محكمة النقض بإلغاء قرار الإدراج، أعادت النيابة طلب إدراج نفس الأشخاص إلا قليلا على قوائم الإرهاب في القضية رقم 620 لسنة 2018 أمن دولة علىا، فما الذي تغير حتي يؤيد تقرير محكمة النقض ما ألغته سابقاَ بالرغم من تشابه الحيثيات والأسباب والوقائع؟

الذي تغير هو تعديل تشريعي طرأ على قانون قوائم الإرهاب قضى بتغيير آليات تقديم الطلب.

القانون قبل التعديل كان يلزم النيابة العامة بتقديم طلب الإدراج مشفوعا (بالتحقيقات والمستندات المؤيدة للطلب)، والتعديل بموجب القانون رقم 11 لسنة2017 سمح للنيابة تقديم طلب الإدراج مشفوعاً (بالتحقيقات أو المستندات أو التحريات أو المعلومات المؤيدة للطلب)

وعلىه، فالقصور في التسبيب وغياب التدليل الواضح على ربط الجرائم بالمتهمين كحيثيات استندت علىها محكمة النقض في حكمها السابق بإلغاء قرار الإدراج، لم يعد محلاً للطعن في الحكم الجديد كون التحريات أو المعلومات “حسب تعديل القانون” أضحت كافية لإصدار الحكم بالإدراج!

يؤكد ذلك ما ورد بحيثيات حكم محكمة الجنايات في أكثر من موضع (.. ومن حيث واقعة الطلب وعلى ما استقر في يقين المحكمة واطمأن إليه وجدانها مستخلصة من محضر تحريات الأمن الوطني المؤرخ في …) وتأكد ذلك بقولها ( .. ولم يستلزم المشرع لتسبيب قرار الإدراج على القائمتين سوى أن يتوافر لهذه المحكمة ما يحقق اقتناعها بجدية طلب النائب العام لإدراج الكيان أو الشخص ضمن أي من القائمتين وجدية المستندات أو التحريات أو المعلومات أو التحقيقات المؤيدة لهذا الطلب..)

وأكدت على ذات المعني بالقول ( ولما كان ذلك وكان البين على ما استقر في يقين المحكمة ووقر في وجدانها على سبيل القطع واليقين من المعلومات التي وصلت لقطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية والتي أكدتها التحريات السرية الدقيقة التي أجراها القطاع وأثبتت بمحضر الضبط المؤرخ في 1 / 4/ 2018 والتي تطمئن إليها المحكمة وإلى صدقها..)

الطبيعي والمستقر في السياسات التشريعية التي تصدر عنها القوانين وبخاصة التي تمس بالحريات والحقوق الشخصية المصونة بالدستور كالحق في التملك والتنقل، أن تأتي عامة مجردة

يتضح من ذلك أثر السياسة التشريعية التي اقرها التعديل في مسلك غريب باعتماد الأحكام على مجرد المعلومات المرسلة والتحريات غير المدعومة بأدلة قطعية التي تخالف قواعد جنائية مستقرة من قبيل تفسير الشك لصالح المتهم، فحكم محكمة الجنايات قد حمل ذات العبارات المعمَّاة المجهلة التي لا يتحقق بها التسبيب كما ورد به جمل إنشائية فضفاضة من قبيل..”العمل على توفير الدعم لتنظيم إرهابي يعمل على تعطيل الدستور والقانون، والانقلاب على نظام الحكم الشرعي للبلاد بالقوة ليحل محله النظام الإخواني الفاشي الذي أسقطه الشعب المصري بثورته في 30 يونيو لسنة 2013، هكذا دون ذكر وقائع أو نسبتها للمتهمين.

خاتمة

قانون قوائم الإرهاب 8 لسنة 2015، وقانون مكافحة الإرهاب 94 لسنة 2015، وقانون تنظيم إجراءات التحفظ والتصرف في أموال الإرهابيين 22 لسنة 2018 وتعديلات قانون الإجراءات الجنائية وقانون محكمة النقض كلها قوانين استثنائية حملت تدابير غيرت طبيعة العدالة الجنائية وتوسعت في الأخذ بالاشتباه.

الطبيعي والمستقر في السياسات التشريعية التي تصدر عنها القوانين وبخاصة التي تمس بالحريات والحقوق الشخصية المصونة بالدستور كالحق في التملك والتنقل، أن تأتي عامة مجردة لا ترتبط بحالة أو شخص، كما يجب أن تتوفر بها الضمانات القانونية اللازمة التي تحمي المواطنين ولا تجعلهم عرضة للتفسيرات والتأويلات والشبهات.

التعديلات التي طرأت على قانون قوائم الإرهاب رقم 8 لسنة 2015 ألغت الضمانة الوحيدة التي تلزم النيابة بتقديم (التحقيقات والمستندات) معاً كي يدرج شخص ما على ثوائم الإرهاب، والتان ترتبطان بالشخص المراد إدراجه، فاستبدلت تلك الضمانة بالاختيار بين (التحقيقات أو المستندات أو التحريات أو المعلومات)، ولا يخفى على متخصص كيف يؤثر بالصياغة القانونية والممارسة القضائية ورود (أو) كحرف عطف يفيد التخيير بين بدائل!

المصدر : الجزيرة مباشر