أبو تريكة.. لماذا في “التالتة شمال”؟!

أبو تريكة

كما أنه لا توجد منطقة وسط بين الحق والباطل، والخير والشر، فلا مكان لها أيضا بين الانقلاب والشرعية، فهذان نقيضان لا يلتقيان أبدا، هما كقطبي الكهرباء السالب والموجب، كلما اقتربا من بعضهما كلما زادت درجة مقاومتهما، ومن العبث بل ومن الخلل العقلي أن يفكر البعض في الجمع بين القطبين، والاستفادة من طاقتهما في وقت واحد، فمن يفعل ذلك، حتما سيكون مصيره الصعق والهلاك بينهما، والنماذج هنا عديدة وأكثر من أن نحصيها الآن!!

أقول هذا بمناسبة الضغوط التي تعرض لها مؤخراً نجم الكرة محمد أبو تريكة لاعب الأهلي والمنتخب المصري المعتزل والموجود حاليا بدولة قطر، لحثه وإرغامه على مقابلة بعثة النادي الأهلي التي مكثت بقطر أسبوعين تقريبا للمشاركة في بطولة كأس العالم للأندية التي احتضنتها العاصمة القطرية الدوحة من 4 إلى 11 فبراير/شباط الجاري، حيث أصر قطاع عريض جدا من أحباء اللاعب والنادي الأهلي، على دفعه من أجل زيارة معسكر الفريق بفندق إقامته بالدوحة ولقاء اللاعبين ومسؤولي البعثة التي كان على رأسها محمود الخطيب رئيس النادي، إذ أراد هذا القطاع العريض وغالبيتهم من الذين يفترض فيها فهم حساسية موقف أبو تريكة حاليا المصنف من قبل السلطة المصرية والإعلام كداعم للجماعات الإرهابية، وأنه من المعادين للدولة المصرية، على عكس مسؤولي البعثة وأولهم الخطيب الذين يعدون من الداعمين الدائمين للنظام المصري الحالي والمؤيدين بطبيعة الحال لكل قراراته ومواقفه، بالجمع بينهما في مكان واحد،  وظلت الضغوط على أبو تريكة مستمرة طوال فترة إقامة الأهلي بقطر، دون حتى تفهم لظروف الإجراءات الاحترازية المفروضة على الفرق المشاركة بما فيهم الأهلي والتي تمنعهم من الاختلاط بأي شخص كائنا من كان أثناء فترة البطولة، وقد رأينا كيف أن الاتحاد الدولي (فيفا) عاقب اثنين من لاعبي الأهلي وهما: محمود كهربا وحسين الشحات بالإيقاف والحرمان من المشاركة في أخر مباراة، لمجرد أنهما صافحا أبو تريكة عقب مباراة بايرن ميونيخ، حيث كان أبو تريكة موجودا بمدرجات الدرجة الثالثة لمؤازرة الفريق في المباراة.. كل هذا تجاهلوه وواصلوا ضغطهم على تريكة من أجل مقابلة البعثة الحمراء ولقاء الخطيب، معتقدين أنه -أي الخطيب- متلهف لمقابلة أبو تريكة والاطمئنان عليه والتحدث معه، كما هو الحال لدى أبو تريكة!

يبدو أن أبو تريكة استجاب لتلك الضغوط، وأجرى محاولة للحصول على إذن من اللجنة المنظمة للبطولة التي تربطه بها علاقات جيدة للغاية، من أجل السماح له بزيارة معسكر الأهلي

الطريف أن الغالبية العظمى من العاطفيين الذين تمنوا رؤية المشهد الدرامي لأبو تريكة وهو يلاقي الخطيب بعد غياب دام ثماني سنوات منذ خروج أبو تريكة من مصر وحضوره إلى قطر، ظنوا أن الإجراءات الاحترازية هي التي حالت دون تحقق هذا المشهد المرتقب، ولو أنهم كانوا واقعيين لسألوا أنفسهم: لو لم تكن هناك إجراءات احترازية تمنع أبو تريكة من مقابلة بعثة الأهلي، أو بالأحرى محمود الخطيب، هل كان الخطيب سيوافق على مقابلة أبو تريكة وهو يعلم بتصنيفه لدى الدولة المصرية، ويعلم حجم الأزمات والمشاكل التي يمكن أن تجلبها له تلك المقابلة والتي قد تصل كلفتها إلى إبعاده من رئاسة الأهلي؟! الإجابة بالقطع لا، بل ومن واقع معرفتي الجيدة بالخطيب، أقول إنها مستحيلة!

لكن وبالرغم من كل هذا يبدو أن أبو تريكة استجاب لتلك الضغوط، وأجرى محاولة للحصول على إذن من اللجنة المنظمة للبطولة التي تربطه بها علاقات جيدة للغاية، من أجل السماح له بزيارة معسكر الأهلي ولقاء البعثة، ويبدو أن الخطيب رفض أو اعتذر عن المقابلة .. تقرأ ذلك وتعرفه من الفيديو القصير جدا الذي نشر على صفحة اللجنة المنظمة بتويتر، وظهر فيه أبو تريكة مع أحد مسؤولي استاد أحمد بن علي المونديالي قبل يوم من استضافته لمباراة الأهلي وبايرن ميونيخ بالدور نصف النهائي، حيث قام المسؤول بتخيير أبو تريكة بالمكان الذي يريد أن يجلس به يوم المباراة، ولو أن أبو تريكة كان حريصا على لقاء الخطيب ومسؤولي بعثة الأهلي لاختار الجلوس بالمقصورة الرئيسية التي سيجلس بها الخطيب ومسؤولي البعثة بطبيعة الحال، لكنه سأل مسؤول التنظيم عن مكان جلوس جماهير الأهلي، فأخبره بأنهم سيجلسون بمدرجات ” التالتة شمال” وأشار إلى هذه المدرجات التي تقع خلف المرمى الذي على يسار المقصورة الرئيسية، وطريقة أبو تريكة في الفيديو وإشارته إلى اختيار المدرجات التي سيجلس بها الجمهور تكشف بجلاء عن رغبته في إيصال رسالة مفادها أنه يفضل الجلوس بين البسطاء الذين يحبونه ويقدرونه على الكبار الذي يخشون من لقائه.

مشكلة أبو تريكة الكبرى أن مثله مثل الغالبية العظمى من المطاردين خارج البلاد، لكن قلوبهم وعقولهم معلقة بمصر، ويعتقدون أنهم وفي سبيل ذلك يمكن أن يجمعوا بين الانقلاب والشرعية في وقت واحد!!

هنا الأزمة!

المصدر : الجزيرة مباشر