الديمقراطية “المثلية”!

الديمقراطية التي يريد الغرب فرضها علينا هو وحده من وضع مواصفاتها دونما نقاش

 

قد يبدو العنوان غريبا، لكنه يعبر عن الحقيقة المرة، فكما أن هناك بشرا مثليين، هناك “ديمقراطية مثلية”!
وهي أحدث منتجات الحضارة الغربية التي يسعى لفرضها علينا ولو بالقوة المسلحة. هذه الديمقراطية المثلية لا تعني فقط إجبارنا على احترام وتقديس المثليين، وتوفير أجواء الراحة لهم، ولكنها تعني الكثير من مظاهر الشذوذ بعيداً عن الديمقراطية الحقة التي وضعت لها الأمم المتحدة في العام 2002 مواصفات تتمثل في  التداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان، وحرية التعبير عن الرأي، وحرية الأحزاب والنقابات والجامعات، والإعلام، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وحتى إن تضمنت هذه المواصفات احترام حقوق الإنسان –ومن بينها حقوق المثليين-، إلا أن هذا الاحترام لا يأتي بطريق الإجبار والقهر، كأن يُجبر لاعبون، أو فنانون، أو صحفيون، أو أي فئات أخرى على حمل شارة المثليين في مسعى للتضامن معهم. ومرة أخرى فإن التضامن هو سلوك طوعي وليس إجباريا.

الديمقراطية “الشاذة” التي يريد الغرب فرضها علينا هو وحده من وضع مواصفاتها دونما نقاش أو حوار مع باقي دول وشعوب العالم، ودونما احترام لتعدد الثقافات والديانات.
خذ مثلا المعايير التي وضعها فيسبوك، وألزم بها مستخدميه، وبموجبها أنشأ قائمة سوداء بحجة مكافحة الإرهاب تضم أكثر من 4 آلاف مجموعة وشخص من جمعيات أهلية وسياسيين وشخصيات تاريخية ماتت منذ فترات طويلة، ومن الملاحظ أن سياسة فيسبوك تتشدد تجاه هذه المنظمات وغالبيتها من العالم العربي والإسلامي في حين تتسامح تجاه منظمات مسلحة مشابهة لكنها من أصحاب البشرة البيضاء، وتؤمن بتفوق البيض، كما تتضمن الديمقراطية الشاذة لفيسبوك فرض الرؤية الغربية للقضية الفلسطينية، وإيقاف أو إغلاق الحسابات المتعاطفة مع المقاومة الفلسطينية، أو المنددة بالاعتداءات الإسرائيلية، وهو ما يتكرر عند تصنيف بعض حركات المقاومة منظمات إرهابية! بينما يتم التسامح مع منظمات أخرى تمارس العنف والعمل المسلح فقط لكونها غير إسلامية، أو من ذوي البشرة البيضاء.

الحرب الباردة

لقد استمرت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي والغربي بقيادة الولايات المتحدة حوالي نصف قرن، وكان السلاح الأمضى للغرب فيها هو سلاح الديمقراطية التي دغدغت بها عواطف الشعوب المحرومة منها. وقد نجحت بالفعل في نشر هذه الديمقراطية في بلدان شرق أوربا التي ثارت ضد الحكم الشيوعي فيها، كما نجحت في نشر الديمقراطية في دول أمريكا اللاتينية بعد مساعدة شعوبها في التحرر من الأنظمة العسكرية الانقلابية، لكنها تعاملت بشكل “شاذ” حينما تعلق الأمر بالعالم العربي والإسلامي، لقد غزت القوات الأمريكية ومعها قوات غربية أخرى كلا من العراق وأفغانستان، وزعمت أنها ستنشر فيهما الديمقراطية، لكنها نشرت ديمقراطية شاذة أو مشوهة، اقتصرت فقط على المؤيدين أو الصامتين على ذاك الغزو، واستثنت غيرهم، ولذلك فإن هذه الديمقراطية المشوهة لم تصمد في أفغانستان أو العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية حيث لا يزال العراق يعيش أزمة سياسية بسبب نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة وما حدث فيها من تلاعب.
ومع ذلك كان العراق هو الدولة العربية الوحيدة التي ستشارك في قمة الديمقراطية التي دعا لها الرئيس الأمريكي جو بايدن وستنطلق غدا الخميس.

موقف المتفرج

وحين تعرضت الثورات العربية لثورات مضادة وانقلابات عسكرية فقد كانت الصدمة الأكبر في موقف الدول الديمقراطية الغربية التي ساندت أو صمتت على تلك الانقلابات، فقط لأن الانتخابات الحرة أتت بأحزاب إسلامية، لا تروق كثيرا للغرب، رغم أن هذه الأحزاب نبذت العنف والإرهاب واختارت الطريق الديمقراطي للتداول السلمي، وتحول الصمت في مرحلة لاحقة إلى اعتراف بالنظم المنقلبة، وعقد صفقات بمليارات الدولارات معها نظير توفير الدعم السياسي لها، وغض الطرف عمليا عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
وفي تونس التي كانت باكورة الديمقراطيات العربية فإن الدول الديمقراطية الغربية تقف متفرجة الآن على انقلاب الرئيس قيس سعيد على الدستور والبرلمان والعملية الديمقراطية برمتها، ولم تتخذ هذه الدول أية إجراءات عقابية ضده، ولا ننسى أنها تركت عسكر الجزائر ينقلبون من قبل ضد نتائج الانتخابات البرلمانية عام 1992، كما أنها رفضت قبول نتائج الانتخابات الفلسطينية في العام 2006 التي منحت حماس أغلبية برلمانية في انتخابات توفرت لها كل ضمانات النزاهة.

لم تعد دعوات أو ادعاءات الغرب عن الديمقراطية تحظى بالاحترام في منطقتنا، بسبب التناقضات الواضحة بين القول والعمل، ولسان حالنا يقول: “اسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك استعجب!!”.
وقد تكون قمة الديمقراطية التي تنطلق غدا فرصة لتصحيح هذا الشذوذ والتناقض إذا كانت هناك إرادة حقيقية لذلك، ليس مطلوبا أو مقبولا التدخل السياسي أو العسكري لفرض الديمقراطية بل إن كل المطلوب هو وقف الدعم للأنظمة المستبدة، وتركها لشعوبها القادرة على الخلاص منها.

المصدر : الجزيرة مباشر