“الحركة الإسلامية”.. ملامح القيادة المنشودة

لا تملك الحركة قيادات على مستوى الحدث، ولا التدبير على مستوى التحدي

إن الحديث عن أزمات الحركة الإسلامية المتكررة أو تجاربها المهزومة أو فشلها النسبي، يجب أن ينطلق دائما من أن الحركة لم تستثمر طاقاتها الهائلة على خير وجه. الحركة بشكل عام لديها نهر فياض ودفاق من الباسلين النجباء الشجعان شباب وفتيات لم يبخلوا يوماً بالدم والروح والمال، ولكن ما هو الحال عندما تكون هذه الجموع الباسلة الهادرة تقودها مجموعة شيوخ عاجزة وخائفة ومرتعشة، لا يستطيعون كسب شيء ولا البناء على شيء، ولم تحسن استثمار ما بيدها من القوى.

نعم، لا تملك الحركة الإسلامية قيادات على مستوى الحدث، ولا التدبير على مستوى التحدي، لذلك أثخنت فيهم الضباع المنظمة التي تسلحت وخططت ودبرت، ومن كان عنده شك في ذلك فليرجع بنفسه إلى التسجيلات المرئية -على اليوتيوب وغيره من منصات التواصل الاجتماعي- وليستعد مشاهد ثورات الربيع العربي وساحات وميادين الكفاح، ليرى ويتذكر صورة الطاقات المسفوكة المهدورة والشجاعة المذبوحة المهزومة لأنها لم تجد قيادة وعقلا على مثالها.

لذلك ما وصلت إليه حرفية النظم الاستبدادية وما تمتلكه من أدوات للمحافظة على وجودها، ومجابهة حركات الإصلاح والتحرر، وما تمتلكه من دعم إقليمي ودولي، يجعلنا أمام تحدٍ كبير جدا وبالغ التعقيد، يحتاج إلى ثلاثة أنواع من القيادة: قيادة فكرية وقيادة حركية دعوية وقيادة تنظيمية، تتمتع جميعها بوعي قيادي استراتيجي وتنفيذ تكتيكي قادر على التفاعل والاستجابة للتحديات الجديدة، وما لم نعمل على توفير هذه النوعية من القيادة فإن الصراع الذي لا محيد عنه بين الحركات الاصلاحية والتغييرية من جهة وأنظمة الاستبداد والفساد والتبعية من جهة أخرى ستميل كفته لصالح تلك الأنظمة.

الحاجة إلى القيادة

إن التيار الإسلامي بشكل عام أمام تحديات عميقة تحتاج إلى قيادة قوية وكبيرة حقا، في عقليتها وطموحها وخيالها الفكري ورؤيتها وأهدافها، قيادة متعالية على مصالحها ومخاوفها ومطالبها الشخصية.

وفي هذه السطور القليلة نحاول أن نرسم أهم ملامح القيادة الجديدة المنشودة والوعي القيادي القادر على مواجهة التحديات، وكذلك نضع تصوراً ولو مبدئياً لكيفية بناء هذه القيادات المنشودة وآليات وأسس هذا البناء.

أولاً: أهم ملامح القيادة الجديدة المنشودة

1- قيادة واعية: تؤمن بوجود إطار فكري أو مشروع إصلاحي نابع من عقيدة واضحة تؤمن به مكونات الحركة الإسلامية.

2- الرؤية والتوجه: قيادة قادرة على رسم صورة واضحة عن الواقع المرفوض والمطلوب تغييره -ولو في قسماته الأساسية- ولماذا؟

3- قيادة تمتلك صورة واضحة عن الأساليب والأدوات التي يمكن من خلالها التغيير والانتقال من الواقع المفروض إلى ذلك الواقع المرغوب.

4- قيادة تمتلك الإرادة السياسية ولديها الاستعداد الحقيقي لدفع الثمن الذي تتطلبه عملية الإصلاح والتغيير، وتحمل تكاليفه على كل المستويات.

5- قيادات فكرية تضع التصورات والرؤى المستقبلية وتحدد فلسفة الحركة والمسارات الأساسية.

6- قيادات حركية دعوية تجذر مشروع الحركة وتحافظ على نقائه بين أبناء الحركة وتدعو إليه بين بقية القطاعات المجتمعية.

7- قيادات تنفيذية وتنظيمية تسعى لوضع الخطط والبرامج موضع التنفيذ وتشرف على ذلك وتقوّمه.

8- هذه المستويات الثلاثة من القيادة تعمل بالتوافق والتنسيق المستمر معاً.

9- قيادة تتمتع بالتنوع اللامحدود والتجدد والتطور في الوسائل والأدوات، ولديها القدرة على الانتقال بين هذه الوسائل والأدوات وفقا لطبيعة الموقف وفي حدود القدرات والإمكانات.

10- قيادة تتمتع بالقدرة على الانطلاق في الممارسة الإصلاحية والتغييرية من توصيف دقيق للواقع الذي تعيشه، وكذلك معرفة طبيعة وحجم التحديات الحقيقية الحالية العاجلة والآجلة، ووضع أجندة أو ترتيبات لأولوياتها المختلفة، ومعرفتها بالإمكانات والطاقات والموارد التي تملكها.

11- قيادة لديها الرغبة والقدرة على الفعل الإصلاحي التغييري، وتمتلك الإرادة السياسية المستقلة والطموح الكبير والهمة الحديدية على الفعل والإنجاز ومجابهة التحديات والخصوم، والمحافظة على الأمل وروح المقاومة.

12- قيادة قادرة على الالتزام بقواعد العمل الجماعي المؤسسي المنظم، والبعد التام عن حب السيطرة والتحكم والطغيان والانفراد بالقرار.

13- قيادة قادرة على الاستفادة من اللحظات التاريخية المتاحة والتي تعتبر نقاط تحول أساسية في مسيرة الصراع والتدافع مع الحركات والمشاريع المعادية، وهي في الغالب لحظات استثنائية لا تتكرر كثيراً، والقيادة الواعية هي من تحسن الاستفادة من هذه المنعطفات التاريخية في مشاريعها التغييرية، وفي إحداث التحولات والانتصارات الضخمة.

14- قيادة لديها القدرة على التنوع في أدوات الممارسة السياسية -الاستراتيجية والتكتيكية- مثل (الصدام والتفاوض والتحالفات) وغيرها من الاستراتيجيات، مما يمكنها من القدرة على مجابهة الفكر الاستراتيجي للخصوم المتنوعين في حلبة الصراع المحلي والإقليمي والدولي.

ثانـيـا: الحاجة لبرنامج تأهيلي محترف

إن واقع الخبرة التاريخية يقول إن قدرة أي حركة من حركات التغيير على البقاء في معركة التدافع والنجاح في الوصول إلي أهدافها إنما يعتمد على عمليات الإعداد التربوي والتعليمي للأجيال المستجدة فيها، ومن أهم هذه العمليات التي أغفل التركيز عليها مبكراً هي عمليات إعداد وتأهيل القيادة، لذلك تحتاج الحركة الإسلامية بكل أطيافها إلى “برنامج تأهيلي محترف” أشبه بمرحلة الماجستير والدكتوراه في مجال إعداد القيادات السياسية والتنفيذية من أجل:

1- إدارة وقيادة مشروع الإصلاح والتغيير، وإدارة الصراع السياسي والثوري، وإدارة الأزمات.

2- القدرة على مواجهة التحديات والمتغيرات السياسية التي تشهدها الأمة والعالم.

ثـالثـا: أهم ملامح البرنامج التأهيلي المحترف

يشتمل على مناهج واضحة المعالم ومتوازنة في موضوعات مهمة مثل:

1- المشروع الاسلامي ومستقبل الأمة، ومتطلبات العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ومتطلبات العلوم الاقتصادية والتنموية المستدامة.

2- مواد تعليمية تتعلق بتجديد الاجتهاد في فقه النوازل التي تتعرض لها الأمة.

3- مواد تعليمية تجمع بين بناء القادة والأئمة، وتكرس الإيمان والصبر والثبات.

4- مواد تعليمية لاستثمار جميع التجارب التي مرت بها الأمة في تاريخها الحديث.

5- مواد تعليمية تتعلق بشرح خطورة المشاريع القومية والعرقية والجهوية المنفردة، وضرورة ارتباط الجميع بسقف الأمة الكلي وبحتمية خروجها من حال الغثائية والوهن والخضوع والتبعية.

6- دراسة الخبرات والتجارب التغييرية الأخرى الناجحة حول العالم، وكذلك دراسة استراتيجيات الثورة المضادة وتطبيقاتها عبر التاريخ الحديث.

7- دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية والتخطيط، وعلوم إدارة الكوارث والأزمات والعمل في المناطق المنكوبة، وكذلك العلوم الأمنية والعسكرية.

8- دراسة تاريخ الشعب التركي منذ إعلان سقوط الخلافة العثمانية وصولا إلى التجربة الأردوغانية.

9- دراسة العلاقات المدنية العسكرية وتأثراتها وتطبيقاتها السلبية في العقود الماضية، وكيفية حللتها في المستقبل لتغييرها نحو علاقات إيجابية تعمل على خدمة المشروع الإصلاحي والتغيير المنشود.

الخلاصة

إن البقاء الحقيقي للحركة الإسلامية رهين بفهم التحديات المعاصرة ومنطق الاستجابة لها نوعا وكما، وغاياتها وأهدافها وأطرافها، والوقوف أمام التجارب والمواجهات المعاصرة سواءً كانت النتائج إيجابية أو سلبية بالفحص والدرس، ومن ذلك سنجد أن التهديد الأكبر لمستقبل الحركات الإسلامية في الوقت الحالي هو “أزمة القيادة” وفي وقتها القادم بحاجة إلى قيادة واعية على مستوى خطورة التحديات، لذلك ينبغي توفير بيئة تعليمية وتدريبية لتخريج قيادة تتناسب مع عظمة الأهداف التي وُجدت من أجلها الحركات الإسلامية.

المصدر : الجزيرة مباشر