دعم السلع الغذائية.. لا تنفرد به مصر!

أمام أحد المخابز بشراء الخبز المدعم

بات موضوع دعم السلع الغذائية سيفًا مسلطًا على رقاب المصريين، تحاول الحكومات المتعاقبة من خلاله توجيه النقد دائمًا للشعب وإيهامه أن الدعم هو السبب والمعوق الرئيسي فى عدم تقدم الدولة

كل فترة نجد موضوع الدعم وقد طفا على السطح ونسمع كل مرة عن ترشيد الدعم، أو جعله دعمًا عينيًا، أو تقليصه فى بعض الأحيان وهو ما حدث بالفعل فى السنوات الأخيرة، حيث كانت تكلفة دعم المحروقات منذ أربع سنوات 128 مليار جنيه (8 مليارات دولار)، فيما يبلغ دعم المحروقات اليوم 17 مليار جنيه فقط نتيجة للخطوات التي اتخذتها الدولة لهيكلة هذا الدعم.

وقف الدعم

والغريب أن رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي أكد فى مؤتمر صحفي الأيام الماضية أن الفارق الكبير في هذه التكلفة تم ضخه في استثمارات ضخمة جدًا استفاد منها كل المواطنين، وهو ما لم يحدث حيث لم يشعر الموطنون بأى تحسن فى حياتهم أو فى الخدمات التي تقدم إليهم، بل العكس هو الصحيح.

وقد أثار الإعلان عن عزم الحكومة التوقف عن إصدار بطاقات دعم تمويني جديدة، وقصر عدد المستفيدين من البطاقات الحالية على فردين لكل بطاقة، أثار جدلًا كبيرًا بين المصريين بعد ارتفاع معدل الفقر، حيث يعتمد عشرات الملايين منهم على الدعم الحكومي للسلع الأساسية للوفاء بمتطلباتهم الحياتية.

فطبقًا لإحصاءات رسمية يبلغ عدد بطاقات الدعم الحكومي الغذائي التي يحصل المواطنون بموجبها على السلع والخبز بأسعار مخفضة، 23 مليون بطاقة يستفيد منها نحو 72 مليون شخص. وتبلغ قيمة فاتورة هذا الدعم في الموازنة الحالية 87 مليار جنيه مصري (نحو 5.5 مليار دولار) مقسمة بواقع 50 مليار جنيه لدعم الخبز و37 مليار جنيه لدعم السلع التموينية.

وجاء الاتجاه الأخير للحكومة بخصوص منظومة الدعم وبطاقات التموين صادمًا لجميع المصريين الذين تحملوا كثيرًا فى السنوات الأخيرة وينتظرون الفرج الذى يتم تبشيرهم به كل يوم، من وعد بسنة وسنتين و6 أشهر إلى وعود مؤجلة إلى ما لا نهاية، بعد أن كان شعار المصريين فى ثورة 25 يناير (عيش-حرية-عدالة اجتماعية) لم يتحقق أى هدف من تلك الشعارات حتى الآن.

وفقد رغيف الخبز الكثير من وزنه بعد التخفيض المتوالى له وأصبح فى المنظومة الأخيرة 90 غرامًا فقط، مع تحديد حصة الفرد بـ 5 أرغفة يوميًا على بطاقة التموين، وتم رفع أسعار الطاقة أكثر من مرة وكذلك أسعار الكهرباء والمياه والغاز لتصبح فواتيرها يعجز الكثيرون عن سدادها فى ظل مرتبات متدنية وظروف صعبة للغاية.

وأشار تقرير جهاز الإحصاء إلى زيادة نسبية فى البطالة، ما دفع الشباب للمخاطرة بالهجرة غير النظامية معرضين أنفسهم للموت، أو الانتحار تحت عجلات المترو، أو بيع الأعضاء البشرية ومعظمها لأسباب اقتصادية.

الدعم ليس مصريا فقط

تمن الحكومة على الشعب بالدعم، وأنه الوحيد الذي يتلقى دعمًا من الدولة وسلعًا وخدمات مجانية، وهذا كلام غير حقيقي فجميع الدول تقدم دعمًا لشعوبها، فدول مثل: تونس والعراق وسوريا وليبيا التي يخوّفون الشعب من مصيرها جميع شعوبها تتلقى دعمًا حكوميًا، والمغرب وعمان تقدم دعمًا لمواطنيها، وكذلك الهند والبرازيل.

وتخصص الغابون مثلًا 48.8% من ميزانية الدعم للطعام و47.7% لدعم الطاقة والإسكان والتعليم والصحة وغيرها. وفى بوركينا فاسو تمنح 57% من الدعم للغذاء والباقي على الطاقة وسواها من وجهات الدعم.

حتى أكبر دولة رأسمالية متوحشة وهي أمريكا تقدم معونات حكومية متعددة لمن يقل دخله عن مبلغ معين وتأمينًا صحيًا مجانيًا ودواءً مجانيًا، وكارت طعام ـ يشبه كريدت كاردـ تقوم الولاية بإيداع مبلغ مالي شهري ويستخدمه الشخص لشراء الطعام، ومعونة مالية شهرية، وتعليم جامعي شبه مجاني، وفى كارثة وباء كورونا قدمت الحكومة دعمًا بـ 2.2 تريليون دولار.

وبعيدًا عن أمريكا ففي دول ذات نزعة اشتراكية مثل كندا أو الدول الاسكندنافية، فالمعونات الحكومية والدعم يفوق الحالة الأمريكية بعشرات المرات، والشريحة التي تحصل على هذه الخدمات هي الغالبية العظمى من الشعب.

الزواج ممنوع

أما بخصوص المقبلين على الزواج وما قيل بشأن أنه من يستطيع الزواج لا يجب أن يحصل على دعم حكومي، ففي كثير من دول العالم تقدم منحا للمتزوجين ومساعدات كثيرة وتوفر لهم المسكن والقروض وغيرها.

وفي جميع الدول سواء الاشتراكية أو الرأسمالية لو كنت غنيًا وتزوجت فإن الضرائب تقل، والرسوم كذلك فى جميع الخدمات لأنك أصبحت مسؤولًا عن أسرة، أما لو أنجبت فإنها تقل بشكل أكبر، وتقدم الدولة مساعدات لأطفالك وتعليمًا راقيًا ووجبات، وتحصل على دعم كبير من الحكومة عيني ومادي.

وتتفاوت نسب الدعم حسب المنطقة، ففي الدول العربية يشكل الدعم حوالي 5,7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تفوق بكثير المعدل الموجود في بقية الدول النامية والذي يبلغ نحو 1,3% فقط.

إن الدعم ليست اختراعاً مصرياً!

 

المصدر : الجزيرة مباشر