فوائد “الدين الخارجي المصري” تضيف إليه ثلث إجمالي أصول القروض

البنك المركزي المصري

حتى نهاية يونيو الماضي، بلغ الدين الخارجي المصري 137.9 مليار دولار، حسب آخر بيانات رسمية معلنة، لكنه خلال الأشهر الخمسة التالية لشهر يونيو/ حزيران الماضي، استمر مسلسل الاقتراض الخارجي بين طرح سندات دولية بقيمة 3 مليارات دولار في سبتمبر/ أيلول، وإيداع السعودية 3 مليارات دولار أخرى في البنك المركزي المصري خلال أكتوبر/ تشرين الأول.

وما بين نهاية سبتمبر وآخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، صدرت 5 قرارات جمهورية بقروض جديدة بقيمة 1.1 مليار دولار، منها قرضان من بنك التنمية الأفريقي وقرضان من البنك الدولي وقرض من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بجانب إعلان كل من البنك الدولي والبنك الآسيوي إقراضهما مصر 360 مليون دولار.

وكانت الشركة المصرية للاتصالات قد أعلنت عن اقتراضها نصف مليار دولار في أكتوبر الماضي، وأعلن البنك الأهلي اقتراضه 200 مليون دولار خلال الشهر ذاته، كما وافق البرلمان على قرض جديد أواخر نوفمبر لم تُعلَن قيمته، لكن وكالة رويترز أشارت إلى بلوغها 3 مليارات دولار.

وتستعد وزارة المالية المصرية لإصدار صكوك سيادية في الأسواق الدولية، وكذلك إصدار جديد لسندات خضراء، ويسعى بنك مصر إلى اقتراض 100 مليون دولار من البنك الأوربي لإعادة الإعمار، وهو مسعى يتكرر مع بنوك أخرى، حيث أعلن البنك الأهلي المصري عزمه اقتراض 1.5 مليار دولار في العام المقبل.

وبالعودة إلى تفاصيل الدين الخارجي بنهاية يونيو الماضي البالغ 137 مليارًا و860 مليون دولار، نجد أنه ينقسم إلى ديون متوسطة وطويلة الأجل بنحو 124 مليار دولار، وأخرى قصيرة الأجل بنحو 13.7 مليار دولار.

حيث ذكرت بيانات البنك المركزي أن قيمة فوائد الديون المتوسطة والطويلة الأجل تبلغ 40.4 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة 29% من أصل الدين الخارجي المعلن، فإذا أضيف إليه 3.3 مليار دولار تمثل فوائد السندات التى طُرِحت في شهر سبتمبر الماضي، فإن نسبة الفوائد من أصل الدين تصل إلى 31%، وإذا أُضِيف إلى ذلك فوائد الديون الأخرى التى تم الحصول عليها في وقت قريب، فإن الفوائد أصبحت تمثل ثلث إجمالي الدين.

اقتراض 138 مليار دولار وسدادها 163 مليارا

أي إنه إذا كان أصل الدين في نهاية يونيو الماضي 137.9 مليار دولار، فإن القيمة التي سيتم سدادها 162.8 مليار دولار، وهو رقم أصبح غير قائم حاليًّا إذا أُضِيفت إليه فوائد القروض التي تمّت خلال الأشهر الخمسة التالية من يوليو إلى نوفمبر الماضي، ومنها 3.3 مليار دولار قيمة فوائد السندات التي طُرِحت خلال سبتمبر فقط.

وإذا كانت قيمة الفوائد تمثل ثلث إجمالي أصول القروض، فإن معدّلات تلك الفوائد تختلف حسب جهة الاقتراض، حيث تبلغ 4.5% فقط بالنسبة للقروض الخليجية، التي أخذت صورة ودائع بعد أسابيع قليلة من تولي الجيش السلطة في يوليو 2013، حيث كان بعضها من دون فوائد، كذلك بلغ معدّل فوائد قروض المؤسسات الدولية والإقليمية 6.6% حيث تتدنى فوائد قروضها عادة.

وبلغ معدّل الفوائد لقروض القطاع الخاص 7% نظرًا لقصر مدّتها، وقروض الدول والبنوك القُطْرية 11.3%، لكن الطامة الكبرى كانت في فوائد السندات الخارجية التي بلغت نسبتها 111% بالمقارنة لقيمة الأصل، فإذا كانت قيمة أصل تلك السندات 28.7 مليار دولار، فإن قيمة فوائدها 31.8 مليار دولار، وذلك حتى شهر يونيو، أي دون حساب السندات التي تم بيعها في شهر سبتمبر.

وقد يبرّر البعض تلك النسبة الضخمة لفوائد السندات بطول مدّتها، التي تصل في بعض إصداراتها إلى 40 سنة، أي إن قيمتها ستُسدَّد حتى عام 2061، لكن هذا يتنافى مع تدني الفائدة لقروض المؤسسات الدولية والإقليمية، البالغة 6.6%.

بل إن تلك القروض أطول أجلًا من إصدار السندات، حيث يمتد سدادها إلى عام 2071 أي أكثر من مدّة سداد السندات بعشر سنوات، بل إن قيمتها تفوق قيمة السندات حيث تبلغ 48.7 مليار دولار، مقابل 28.7 مليار دولار حتى نهاية يونيو الماضي لكل منهما.

  قيمة فوائد الدين تتضاعف سنويًّا

وهو أمر يدعو إلى التريّث في مسعى وزارة المالية للتوسّع بالسندات، خلال العام المالي الحالي، أي خلال النصف الأوّل من عام 2022، نظرًا لفائدتها العالية بالمقارنة بالفوائد المتدنية السائدة في العالم حاليًّا، حتى إن معدّل الفائدة يصل إلى صفر بالمئة في دول اليورو، كما أن معدّل الفائدة سلبي في سويسرا واليابان، ويصل إلى 0.25% على الدولار و0.1% على الجنيه الإسترليني.

وهو ما تستفيد منه القروض الخارجية المصرية قصيرة الأجل، أي لمدّة سنة فأقل، التي بلغ معدّل الفائدة عليها نسبة 0.4% أى أقل من نصف بالمئة.

كما تبدو خطورة فائدة الدين الخارجي في تزايد قيمتها خلال السنوات الأخيرة، حين كانت 666 مليون دولار في العام المالي 2014/2013، وظلت تزيد سنويًّا حتى بلغت 4.2 مليار دولار في العام المالي الأخير 2021/2020، أي إنها تضاعفت ست مرّات خلال 6 سنوات، وبالطبع فإنها مرشحة للزيادة تبعًا لزيادة الاقتراض.

وإذا كان النظام المصري بعلاقاته مع الأنظمة الخليجية قد استطاع تأجيل سداد أقساط ديون الإمارات والسعودية والكويت، فإنه لن ينجح في ذلك مع باقي الجهات، حيث إنه مُقترض من 20 مؤسسة دولية وإقليمية، بجانب 21 دولة، وبنوك قُطْرية لم يذكر البنك المركزي عددها.

وهو ما يعني زيادة قيمة تكلفة القروض الخارجية من فوائد وأقساط سنوية، التي بلغت في العام المالي الأخير 2021/2020 نحو 15.819 مليار دولار، رغم تأجيل سداد أقساط الديون الخليجية، وهي قيمة تعادل إيرادات كل من: قناة السويس البالغة 5.9 مليار دولار، والسياحة 4.86 مليار دولار، والاستثمار الأجنبي المباشر 5.2 مليار دولار، خلال العام المالي نفسه، بإجمالي 15.987 مليار دولار للموارد الثلاثة.

والأمر الأخطر الذي يتفادى المسؤولون ذكره هو تأثير سعر الصرف على سداد أقساط الدين الخارجي وفوائده، مع النقص المزمن في احتياطي العملات الأجنبية، الممتد منذ ما بعد حرب عام 1967 حتى الآن، فإننا عندما نقول إن قيمة الفائدة على القروض الأجنبية حتى يونيو الماضي تصل إلى 40.4 مليار دولار، فإن تدبير قيمة الفوائد والأقساط خلال أجل الدين سيرتبط بسعر صرف الجنيه المصري، الذي سيتغيّر حتما خلال الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الحالي، ممّا يحمّل الموازنة العامة وقتها أعباءً إضافية على حسب الإنفاق على باقي مصروفات الموازنة وخاصة الاستثمارات الحكومية. فإذا كانت وزارة المالية تدبّر الدولار حاليًّا بسعر 15.6 جنيهًا، فغير معروف السعر الذي ستدبّر به الدولار لسداد أقساط الديون وفوائدها خلال العقود المقبلة.

وإذا كانت فوائد القروض الحكومية قد استحوذت على نسبة 41% من مصروفات الموازنة المصرية، خلال الثلث الأوّل من العام المالي الحالي، فكيف ستكون قيمة تلك الفوائد في مصروفات الموازنة خلال العقود المقبلة، مع استمرار الاقتراض الخارجي، وعدم وضع سقف له كما وعد وزير المالية من قبل؟

المصدر : الجزيرة مباشر