هل تدفع المعارضة بـ”عبد الله غول” منافسًا لأردوغان؟!

حزب العدالة والتنمية الحاكم يواجه تحديا هو الأخطر في تاريخه السياسي

عبد الله غل وأرودغان "صورة ارشيفية"

لا حديث في تركيا يعلو فوق حديث الانتخابات، رغم أنه يتبقى عليها قرابة العام ونصف العام، لكن السباق الانتخابي بدأ مبكرًا والجميع يرتب أوراقه استعدادا لمعركة انتخابية بالغة الأهمية، إذ لن تقتصر نتائجها على تركيا ومستقبلها فحسب ولكن ستمتد تداعياتها إلى الإقليم بأكمله.

المعاناة والتحديات لا تقتصر على جانب دون آخر بل تشمل الحكومة والمعارضة على حد سواء، فحزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان يواجه تحديا هو الأخطر في تاريخه السياسي، إذ يستقبل الانتخابات على وقع أزمة تراجع الليرة التركية التي أطلقت موجة هائلة من التضخم والغلاء أثر على معيشة شريحة كبيرة من الشعب التركي، ما فتح الباب واسعًا أمام تخوفات حقيقية من التصويت العقابي الذي قد يلجأ إليه الناخب على غرار ما حدث في الانتخابات البلدية عام 2019.

الأمر الذي يضع تحديًّا حقيقيًّا أمام الحكومة لمعالجة هذا الوضع -كما وعدت- قبل حلول موعد الانتخابات والنزول بنسب التضخم إلى مستويات مقبولة.

لكن ليست الحكومة وحدها التي تعاني، فمعاناة المعارضة لا تقل عنها بل ربما فاقتها رغم الصخب الإعلامي الذي يميز خطابها هذه الأيام، ونشوة النصر التي تصاحب تصريحات قادة المعارضة، والتي لا أدري من أين أتوا بها! فخطابهم تعدى مرحلة الانتصار الذي يبدو أنه بات محسومًا، إلى مرحلة الانتقام من أردوغان وحزب العدالة والتنمية عبر محاكمات واعتقالات ومحاسبة ووعيد!

رغم أن جميع استطلاعات الرأي -على اختلاف توجهاتها- تعكس تقدم أردوغان وحزب العدالة والتنمية على أقرب المنافسين، وإن اختلفت النسب من استطلاع إلى آخر.

معاناة المعارضة في كونها ملزمة بتقديم إجابة واضحة وصريحة عن مرشحها لانتخابات الرئاسة، لكن يبدو أن ثمة خلافات واضحة بل وعميقة تؤخر الإجابة، وربما تؤدي هذه الخلافات إلى تفجير خلافات كبيرة داخل صفوف التكتل المعارض الأبرز وهو تحالف الأمة الذي يضم حزب الشعب الجمهوري (علماني أتاتوركي) والحزب الجيد (علماني قومي) وحزب السعادة (إسلامي محافظ).

هل حان الوقت لترشح زعيم المعارضة؟

يوصف كمال كليتشدارأوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري بزعيم المعارضة، إذ يحل حزبه تاليًّا في البرلمان بعد حزب العدالة والتنمية من حيث عدد المقاعد.

ووصل كليتشدارأوغلو إلى رئاسة الحزب عام 2010 على إثر فضيحة تسريب جنسي لزعيمه السابق دينيز بايكال، في وقائع ما زالت يشوبها الغموض عن الجهة التي تقف وراء التسريب إذ تشير أصابع الاتهام إلى مسؤولية تنظيم غولن عنه، من أجل إعادة هندسة الحياة الحزبية لترتيبات داخلية وإقليمية، فكليتشدارأوغلو الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية، يتعرض لاتهامات من داخل الحزب نفسه بالانحراف به عن النهج الأتاتوركي، كما أنه لم يقد الحزب إلى أي انتصار انتخابي منذ توليه رئاسة الحزب.

واللافت أن كليتشدارأوغلو لم يطرح نفسه مرشحًا رئاسيًّا من قبل، كما هو معمول به في معظم الديمقراطيات، وكان يلجأ إلى ترشيح شخصيات بديلة سواء من داخل الحزب أو خارجه، ففي الانتخابات الرئاسية على 2014 دعم ترشيح أكمل إحسان أوغلو (قومي محافظ) بالاتفاق مع حزب الحركة القومية حينها.

أما في انتخابات 2018 فقد دفع بمحرم إنجه مرشحًا رئاسيًّا من داخل الحزب، لكن يبدو أن كليتشدارأوغلو قرر التخلي عن هذه السياسة والترشح في الانتخابات المقبلة فما الذي تغير؟

هناك سببان وراء ذلك، الأول خارجي يتعلق بشعور الرجل بأنه قد يستطيع تحقيق المفاجأة وهزيمة أردوغان بسبب المشاكل الاقتصادية التي تعانيها تركيا، لكنه يغفل أنه يعاني من فقدان الكاريزما التي تؤهله لمواجهة أردوغان الذي يبقى رغم كل شيء الزعيم صاحب الإنجازات والحضور الجماهيري الطاغي والرؤية الواضحة، عكس كليتشدارأوغلو الذي يفتقد هذا الحضور وتتسبب بعض تصريحاته في تعرضه للسخرية والتندر، آخرها قبل أيام عندما كان في زيارة ولاية شانلي أوروفا في جنوب شرق تركيا وخلال خطاب جماهيري قال إن الولاية تنتج 42% من إنتاج البندق بتركيا! ومن المعروف أن الولاية لا تنتج البندق بل لا يزرع نهائيًّا في ولايات الجنوب الشرقي، بل تتركز زراعته في منطقة البحر الأسود شمال تركيا، الأمر الذي جعل الناس تتساءل عن كفاءته لمنصب الرئاسة وهو لا يعرف أبسط المعلومات عن بلده.

كما تورط الرجل بأداء حركة غير لائقة بيده أثناء كلمته في البرلمان ما عرضه لانتقادات حادة، لا يزال حتى اليوم يحاول التخفيف من تداعياتها، بل إنه لطالما تورط في سب أردوغان وشتمه ما جعله يواجه أحكامًا قضائية متتالية تقضي بدفع غرامات كبيرة لأردوغان الذي قرر في وقتٍ قريب التنازل عن قيمتها، لكن بعد أن أثبت للرأي العام كذب الاتهامات التي وجهها إليه زعيم المعارضة.

أما السبب الثاني: وهو الأهم فيتعلق بالحزب نفسه، إذ لا يريد كليتشدارأوغلو تكرار ما حدث مع محرم إنجه مرة أخرى، الذي ترشح لانتخابات الرئاسة عن الحزب عام 2018 وعقب خسارته طالب برئاسة الحزب، خاصة وأن النتائج حينها أظهرت تفوقه على الحزب بأكثر من 3% ما عرض موقف كليتشدار أوغلو للاهتزاز قبل أن يحسم الموقعة لصالحه لكن على حساب انشقاق إنجه وتأسيسه لحزب جديد.

فمن هنا يخشى كليتشدارأوغلو من تكرار السيناريو ذاته مرة أخرى، لذا سعى منذ فترة إلى ترويج نفسه في الأوساط الشبابية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلن صراحة قبل أيام أنه مستعد للترشح فورا إذا وافق تحالف الأمة، بل وأكد استعداده لجمع مئة ألف توقيع لترشحه.

وما يعضد هذا الرأي تعبير نعمان قورتولموش نائب رئيس حزب العدالة والتنمية عن اعتقاده الشخصي أن كليتشدارأوغلو هو مرشح المعارضة في انتخابات 2023.

لكن المعارضة تعرف إمكانيات الرجل، وتوقن أنه من الصعوبة بمكان أن يقف بوجه أردوغان، الذي أكد قبل ذلك أن وجود كليتشدارأوغلو في رئاسة حزب الشعب مكسب كبير له.

لذا لم يبد حلفاؤه تجاوبًا حتى الآن مع الرسائل التي يمررها حول نية الترشح، بل قد يتحول الأمر إلى كابوس إذا قرر كليتشدارأوغلو قطع الشوط إلى نهايته والترشح للرئاسة.

هل تقضي بلدية إسطنبول على أكرم إمام أوغلو؟

عندما نجح أكرم إمام أوغلو في إقصاء بن علي يلدريم رئيس الوزراء السابق في الانتخابات البلدية عام 2019 لم يكن ذلك إعلانًا بتوليه رئاسة بلدية إسطنبول البلدية الأكبر والأهم في عموم تركيا، بل نظر إليه البعض على أنه إعلان مبكر بترشحه للانتخابات الرئاسية في 2023، بل تمادى البعض وجزم بنجاحه المنتظر في الإطاحة بأردوغان!

ولكن يبدو أن ذلك النجاح تحول إلى لعنة عليه، فبعد حوالي سنتين ونصف من توليه رئاسة البلدية لم يستطع إقناع الناخبين بقدراته وأصيب سكان إسطنبول بخيبة أمل على وقع تراجع الخدمات ومظاهر الإهمال التي بدأت تنتشر في المدينة وفشل في تحقيق إنجاز ملموس كما وعد في البرنامج الانتخابي.

فأكرم لا يزال يعيش في عباءة إنجازات حزب العدالة والتنمية، فالمشاريع الكبرى التي تم افتتاحها في عهده بدأها حزب العدالة والتنمية أثناء رئاسته للبلدية.

كما نجح أعضاء الحزب الذين يشكلون أغلبية كبيرة داخل مجلس بلدية إسطنبول في إحداث إزعاج حقيقي لأكرم وإحراجه أمام الرأي العام.

هذا الأداء المخيب استغله أردوغان قبل أيام، وقال إنه قد آن الأوان لعودة إسطنبول إلى أصحابها يقصد حزب العدالة والتنمية.

لكن ومع كل هذا، يبقى أكرم إمام أوغلو مرشحًا رئاسيًّا محتملا للمعارضة، خاصة وأن يلقى دعمًا واضحًا من رئيسة الحزب الجيد، ميرال أكشنار، التي لا تخفي مساندتها لترشحه، وآخرها عندما نعتته بمحمد الفاتح الثاني!

كما أنه يحظى بدعم آخر من رئيسة فرع حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، جنان كفتانجي أوغلو، المرأة القوية داخل الحزب والتي تعزو لنفسها فضل فوزه برئاسة البلدية.

لكن رغبة أكرم تصطدم برفض رئيس الحزب كمال كليتشدارأوغلو، ويبرر رفضه بأن ترشح أكرم سيضيع رئاسة بلدية إسطنبول من الحزب، إذ سيكون من حق مجلس البلدية حينها اختيار رئيس جديد وفي ظل هيمنة حزب العدالة والتنمية على المجلس ستعود إليهم رئاسة البلدية من جديد.

لكن يبدو أن أكرم غير مقتنع بتلك المبررات ويعلم أن رئيس الحزب في واقع الأمر لا يريد صنع زعيم جديد داخل الحزب يناكفه لاحقًا على رئاسة الحزب مثلما فعل من قبل محرم إنجه.

كما يدرك أن فوز أردوغان يعني أن احتفاظه برئاسة بلدية إسطنبول في 2024 مشكوك فيه إذ ستختلف الأمور حينها كثيرًا، إضافة إلى أنه لو استمر بالأداء الضعيف ذاته فإن إعادة انتخابه مرة أخرى مشكوك فيها.

ومن هنا فإن ثمة معركة مؤجلة يترقبها الشارع التركي بين الرجلين، وتثور التساؤلات حول رد فعل أكرم لو قرر كليتشدارأوغلو الترشح؟ فهل سيفعلها أكرم حينها ويعلن ترشحه هو الآخر لنكون أمام مرشحين اثنين من الحزب نفسه؟ وكيف سيكون موقف الحزب والتحالف إزاء ترشح الرجلين؟

هل يبرز اسم عبد الله غل مجددا؟

في وقت قريب، أكد المرشح الرئاسي السابق محرم إنجه أن لديه معلومات مؤكدة أن المعارضة ستدفع بالرئيس السابق عبد الله غل مرشحًا توافقيًا لها في مواجهة أردوغان.

ورغم أن تلك التصريحات لم تعقب عليها المعارضة، إلا أن المفارقة أن زعيم المعارضة كمال كليتشدارأوغلو الذي يبذل وسعه للترويج لترشحه على حساب المنتمين لحزبه، لديه استعداد للتخلي عن كل ذلك مقابل ترشح عبد الله غل في مواجهة أردوغان.

فقد كان غل قاب قوسين أو أدنى للترشح في الانتخابات الماضية شريطة توافق المعارضة عليه، لكن ميرال أكشنار رفضت ذلك وسارعت إلى إعلان ترشحها ما دفعه إلى التخلي عن الفكرة رغم تحمس كليتشدارأوغلو لها.

فهل تغير شيء بعد هذه السنوات يجعله يعيد حساباته مرة أخرى؟

لم يتغير شيء في حقيقة الأمر، فما زالت ميرال أكشنار مصممة على الرفض حتى الآن، كما أن ترشحه لا يلقى قبول قواعد حزب الشعب الجمهوري بسبب خلفيته المحافظة.

إضافة إلى تساؤلات جدية حول قدرته على مواجهة أردوغان وجهًا لوجه!

وبعد

فإن المعارضة التركية التي لا تتوقف عن المطالبة بانتخابات مبكرة، لم تستطع حتى الآن حسم خيار المرشح الذي سيمثلها، والذي يبدو أنه قد يفجر أوضاعها الداخلية.

ما يؤكد أن طريقها إلى انتخابات 2023 ليس مفروشا بالورود حتى في ظل الصعوبات الجمة التي تواجه حزب العدالة والتنمية.

المصدر : الجزيرة مباشر