حول جواز تشقير ونمص حاجب المرأة

هناك ثقافة غالبة بأن النمص حرام، وأن أي اقتراب من الحاجب بأي شكل ما، فهو النمص الممنوع

قضايا تزين المرأة لا تنتهي بحكم تجددها، وبحكم أن المرأة مفطورة على الزينة والتزين، فقد تعددت وتنوعت طرق تزين المرأة في هذا العصر، وهناك من الزينة ما تناولته النصوص الشرعية بالحديث، ومنها ما لم تتحدث عنه، ومن هذا النوع من التزين: زينة الحاجب، سواء بترقيقه أو ترفيعه، أو الأخذ من أسفله أو أعلاه، وهو ما اشتهر بين الناس بالنمص، وصارت هناك ثقافة غالبة عند الناس بأن النمص حرام، وأن أي اقتراب من الحاجب بأي شكل ما، فهو داخل في النمص الممنوع، وهو كلام يجافي الحقيقة العلمية والشرعية، حيث جرى الخلاف في الموضوع بشكل فيه تفاصيل مهمة بين المذاهب الأربعة والعلماء بوجه عام.

تَشْقِير الحاجب:

وقبل الحديث عن النمص، أو أخذ المرأة من حاجبها، نبين ما أصبح يمارس الآن في التزين، بما أطلق عليه: التشقير، وهو أن تقوم المرأة بتحديد الحاجب على طبيعته، وتقوم بصبغ ما يزيد عما تريد رسمه منه، بلون البشرة، أي أنها لا تأخذ من حاجبها شيئا، بل فقط تلون بعض شعراته الخارجة عنه بلون مخالف للون الحاجب، فلا يظهر إلا الشكل الذي تريد، وهذا لا نجد فيه أي دليل يمنعه، لأنه يدخل في دائرة صبغ بعض شعر الوجه وترك البعض، وهو ما لا تحريم فيه.

نَمْص الحاجب:

أما نمص الحاجب، أو الأخذ من أسفله أو أعلاه، أو تحديده وترقيقه، فمعظم النصوص التي وردت في الموضوع أتت بصيغة واحدة، ومع وضوح ظاهر الصيغة، إلا أن كثيرا من العلماء والفقهاء أولها، وصرفها عن ظاهرها، وهي كما يلي:

عن قبيصة بن جابر الأسدي، قال: انطلقت مع عجوز إلى ابن مسعود، فذكر قصة، فقال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يلعن المتنمصات والمتفلجات والموشمات اللاتي يغيرن خلق الله عز وجل”.[1]

وعن مسروق: أن امرأةً جاءت إلى ابن مسعود فقالت: أُنْبئْتُ أنك تنهىِ عن الواصلة؟، قال: نعم، فقالت: أشيء تجده في كتاب الله، أم سمعته عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟، فقال: أجده في كتاب الله وعن رسول الله، فقالت: والله لقد تصفحتُ ما بين دَفَّتي المصحف، فما وجدتُ فيه الذي تقول!، قال: فهل وَجَدْت فيه (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)؟، قالت: نعم، َ قال: فإني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نَهى عن النامصة، والواشرة، والواصلة، والواشمة إلا من داء، قالت المرأة: فلعله في بعض نسائك؟، قال لها: ادخلي، فدخلتْ، ً ثم خرجتْ فقالتْ: ما رأيتُ بأساً، قال: ما حفظتُ إذن وصيةَ العبد الصالح: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) هود: 88″. [2]

وعن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: “لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله”، قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات، للحسن المغيرات خلق الله، فقال عبد الله: “وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهو في كتاب الله”، فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال: ” لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر: 7، فقالت المرأة: فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن، قال: “اذهبي فانظري”، قال: فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئا، فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئا، فقال: “أما لو كان ذلك لم نجامعها”.[3]

ويميز الدكتور معتز الخطيب هنا بين اختلاف الروايات في صيغة اللعن، فيقول: (تختلف الروايات في ذلك، ففي بعضها “لعن الله”، وفي بعضها “لعن رسول الله”، وهي مسألة تتصل بكيفية تقويم هذا الحديث: ففي حالة “لعن رسول الله” سيكون الحديث مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما في حالة “لعن الله” فإن الحديث سيكون من فعل ابن مسعود نفسه أو دعائه، وحينها سيقال: هو حديث موقوف لكن له حكم الرفع، خصوصًا أن جزأه الثاني مخبرٌ بأن ذلك إنما هو فعل رسول الله نفسه. ولكن المهم هنا هو البحث في حيثيات ذلك اللعن الصادر من الرسول، وهو ما لا نقف عليه في الروايات المختلفة، وإن كان يَرد في أخبار أخرى عن معاوية بن أبي سفيان أن وصل الشعر من فعل الزور أو أنه مما أحدثه الناس تأثرًا ببني إسرائيل).[4]

وقال القرطبي: (وقول المرأة لابن مسعود: “فإنا نرى على امرأتك شيئًا من هذا الآن” تعني: أنها رأت على امرأته عن وقت قريب من وقت كلامها معه، حتى كأنه في حكم الوقت الحاضر المعبَّر عنه بـ (الآن) شيئًا من تلك الأمور المذكورات في وقوله لها: (اذهبي فانظري) يعني: أنَّه لما رأى على امرأته شيئًا من ذلك نهاها فانتهت عنه، وسعت في إزالته حتى زال، فدخلت المرأة، فلم تر عليها شيئًا من ذلك، فصدَّق قوله فعله). [5]

موقف الفقهاء من نمص حاجب المرأة:

وقد اختلف الفقهاء في حكم نمص الحاجب إلى خمسة أقوال:

الأول: أنه يحرم على المرأة على الإطلاق، وإلى هذا القول ذهب ابن العربي والقرطبي من المالكية، وهو قول عند الحنابلة، وهو المذهب عندهم، ومنصوص أحمد.

الثاني: أنه يحرم على المرأة إلا بإذن زوجها بذلك فيكون مباحا، وهو قول الشافعية، ووجه عند الحنابلة.

الثالث: أنه يحرم على المرأة إلا إذا كان تزينا للزوج، فمباح، وهو قول الحنفية.

الرابع: أنه يباح للمرأة نمص حاجبيها، إلا إن فعلته تدليسا على الرجل، فيحرم، وإليه ذهب ابن الجوزي من الحنابلة، وقال به آخرون.

الخامس: إنه يباح للمرأة نص حاجبيها على الإطلاق، وهو المعتمد عند المالكية. [6] وسوف نذكر بعضا من هذه الأقوال بشيء من التفصيل.

فقهاء الأحناف:

أما المذهب الحنفي، فقد ذكر ابن عابدين في حاشيته ما يلي: (النمص: نتف الشعر، ومنه المنماص المنقاش، ولعله محمول على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب، وإلا فلو كان في وجهها شعر ينفر زوجها عنها بسببه، ففي تحريم إزالته بعد، لأن الزينة للنساء مطلوبة للتحسين، إلا أن يحمل على ما لا ضرورة إليه لما في نتفه بالمنماص من الإيذاء).[7]

فقهاء المالكية:

وتناول المالكية مسألة النمص، أو الأخذ من الحاجب، فقد ذكر الإمام القرطبي المفسر، النقاش الدائر حول أحاديث اللعن، وقال عنها: (واختلف في المعنى الذي نهي لأجلها، فقيل: لأنها من باب التدليس. وقيل: من باب تغيير خلق الله تعالى، كما قال ابن مسعود، وهو أصح، وهو يتضمن المعنى الأول). [8]

أما الإمام القرافي المالكي، فقد تناول تعليل هذا النهي، وناقش من يحرمون ذلك بأنه تغيير لخلق الله، فقال كلاما مهما، حيث قال: (لصاحب المقدمات تنبيه لم أر للفقهاء المالكية والشافعية وغيرهم في تعليل هذا الحديث إلا أنه تدليس على الأزواج ليكثر الصداق، ويشكل ذلك إذا كانوا عالمين به وبالوشم، فإنه ليس فيه تدليس، وما في الحديث من تغيير خلق الله لم أفهم معناه، فإن التغيير للجمال غير منكر في الشرع، كالختان، وقص الظفر، والشعر، وصبغ الحناء، وصبغ الشعر وغير ذلك) [9]، فهو هنا يرد على من يحرمون الأخذ من الحاجب وزينته، بأن ذلك تغييرا لخلق الله، بأن ليس كل تغيير محرم، بل لو كان تغييرا للأحسن لا يدخل في التحريم، وهو ما يكون في مسألتنا.

وقد ذهب فقيه مالكي آخر بالحديث عن النمص، من حيث تعريفه، ونقاشه، بأنه حمل النهي هنا على وجه آخر، فقال العدوي المالكي: (متنمصة، وهي التي تنتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقا حسنا، والنهي محمول على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها، كالمتوفى عنها، والمفقود زوجها، فلا ينافي ما ورد عن عائشة من جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه) [10]، فهو هنا جعل النهي مرتبطا بمن نهاهن الشرع عن الزينة، لأنهن في حالة حداد، وليس لحرمة الزينة، بل لمنعها في هذا التوقيت.

وهو ما قال به فقيه مالكي آخر، وهو النفراوي حيث يقول: (ويفهم من النهي عن وصل الشعر عدم حرمة إزالة شعر بعض الحاجب، أو الحاجب، وهو المسمى بالتزجيج والترقيق والتحفيف) [11]، وقال أيضا: (والتنميص هو نتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقا حسنا، ولكن روي عن عائشة – رضي الله عنها – جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه وهو الموافق لما مر من أن المعتمد جواز حلق جميع شعر المرأة ما عدا شعر رأسها، وعليه فيحمل ما في الحديث على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها كالمتوفى عنها والمفقود زوجها). [12]وكذلك نقل القاضي عياض عن السيدة عائشة الجواز، فقال: (روي عن عائشة رخصة في جواز النمص، وحف المرأة جبينها لزوجها، وقالت: أميطي عنك الأذى). [13]

فقهاء الشافعية:

أما الشافعية فقد أجازه عدد من فقهائهم إن كان بإذن الزوج، ولم يقصد به الغش والتدليس على خاطب، أو الناس، فمن هؤلاء: الإمام الماوردي حيث قال: (أن تكون ذات زوج تفعل ذلك للزينة عند زوجها، أو أمة تفعل ذلك لسيدها، فهذا غير حرام؛ لأن المرأة مأمورة بأخذ الزينة لزوجها من الكحل والخضاب). [14]

وهو ما نراه عند غير الماوردي من الشافعية، مثل الخطيب الشربيني الشافعي حيث يقول: (والتنميص: وهو الأخذ من شعر الوجه والحاجب للحسن، لما في ذلك من التغرير. أما إذا أذن لها الزوج أو السيد في ذلك، فإنه يجوز؛ لأن له غرضا في تزيينها له وقد أذن لها فيه). [15]

فقهاء الحنابلة:

ورغم أن موقف الحنابلة المعتمد هو تحريم ذلك، إلا أن منهم من أجازه، فمنهم ابن الجوزي الذي قال: (وظاهر هذه الأحاديث تحريم هذه الأشياء التي قد نهى عنها على كل حال، وقد أخذ بإطلاق ذلك ابن مسعود على ما روينا.

ويحتمل أن يحمل ذلك على أحد ثلاثة أشياء:

إما أن يكون ذلك قد كان شعار الفاجرات، فيكن المقصودات به.

أو أن يكون مفعولا للتدليس على الرجل، فهذا لا يجوز.

أو أن يكون يتضمن تغيير خلق الله تعالى: كالوشم الذي يؤذي اليد ويؤلمها، ولا يكاد يستحسن، وربما أثر القشر في الجلد تحسنا في العاجل، ثم يتأذى به الجلد فيما بعد.

وأما الأدوية التي تزيل الكلف، وتحسن الوجه للزوج، فلا أرى بها بأسا، وكذلك أخذ الشعر من الوجه للتحسن للزوج، ويكون حديث النامصة محمولا على أحد الوجهين الأولين).[16]

وقد اقترب من هذا الرأي أحد الفقهاء المعاصرين وهو العلامة الشيخ الطاهر ابن عاشور، حيث قال: (ووجهه عندي الذي لم أر من أفصح عنه: أن تلك الأحوال كانت في العرب أمارات على ضعف حصانة المرأة، فالنهي عنها نهي عن الباعث عليها، أو التعرض لهتك العرض بسببها). أي أنه: ربطه بأمر وسبب اجتماعي، وهو الحفاظ على المرأة، وهو يذهب إلى رأي ابن الجوزي، لكن يبدو أنه لم يطلع عليه. [17]

بعد هذه الأقوال، أرى الأخذ بقول من أجازوا نمص الحاجب، بالأخذ منه، أو قصه، أو تهذيبه، بما يحفظ جمال المرأة، وهذه فطرة في المرأة أن تحب التجمل، والتزين، ما دامت نيتها في ذلك لا تنوي به فعل معصية، أو إغضاب ربها، فلو نوت المعصية أو الحرام، فسواء نمصت حاجبها أم لم تنمصه فهي آثمة، ويكون التزين هنا وسيلة لهدف غير مشروع، أما التزين المجرد عن أي معصية، كما في موضع النقاش هنا، فقد رأينا الخلاف الكبير بين الفقهاء فيه، ولا حرج على من أخذ برأي من هذه الآراء، سواء اتفق معنا في الجواز، أم أخذ برأي من منع.

وإذا كان هذا حكم تجمل المرأة في وجهها بالإزالة، أي: إزالة الشعر، فما حكم تجمل المرأة في وجهها بالإضافة، وذلك بأن تضع المكياج على وجهها؟ نبين ذلك في مقال قادم إن شاء الله.

—————-

[1] رواه أحمد في مسنده (3956) وصحح إسناده محقوه (7/68).
[2] رواه أحمد في مسنده (3945)، وقال محققوه: إسناده قوي (7/58).
[3] رواه البخاري (4886) ومسلم (2125).
[4] انظر: مقال الوشم والنمص وتغيير خلق الله.. تعددية التراث وضيق الفتاوى المعاصرة، للدكتور معتز الخطيب، منشور على موقع الجزيرة. نت. على الرابط: الوشم والنمص وتغيير خلق الله.. بين تعددية التراث وضيق الفتاوى المعاصرة | آراء | الجزيرة نت (aljazeera.net) .
[5] انظر:المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي (5/447،446).
[6] انظر: أحكام الزينة للدكتورة عبير المديفر (1/411،410) بتصرف.
[7] انظر: حاشية ابن عابدين (9/752).
[8] انظر: تفسير القرطبي (5/393).
[9] انظر: الذخيرة (13/315).
[10] انظر: حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/459).
[11] انظر: الفواكه الدواني شرح  النفرواي على رسالة ابن أبي زيد القيرواني للنفرواي (2/411،410).
[12] انظر: السابق نفسه.
[13] انظر: التاج والإكليل لمختصر خليل للمواق المالكي على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب (/212،2111).
[14] انظر: الحاوي الكبير للماوردي (2/256).
[15] انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني (1/526).
[16] انظر: أحكام النساء لابن الجوزي ص: 254،253.
[17] انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية للطاهر ابن عاشور ص: 298.

المصدر : الجزيرة مباشر