«مو صلاح».. عروبة وخمر ولحية

محمد صلاح

استوقفني حدثان وقعا في الأيام الأخيرة للاعب الكرة المصري محمد صلاح، المعروف عالمياً باسم «مو صلاح»، ما دفعني لكتابة هذه السطور رغم بُعدي الشديد عن كرة القدم ونجومها.

الحدث الأول جاء من باريس، وبالتحديد عقب إعلان نتائج استفتاء أجرته مجلة «فرانس فوتبول» الرياضية العريقة، عندما حصل اللاعب المصري على الترتيب السابع في تقييماتها السنوية للمنافسة على جائزة الكرة الذهبية، التي فاز بها الأرجنتيني ليونيل ميسي نجم باريس سان جيرمان.
ويعتمد استطلاع المجلة الفرنسية على تصويت 173 صحفياً رياضياً حول العالم، من بينهم 21 صحفياً عربياً، المفارقة أن غالبية الصحفيين العرب لم يُصوتوا لصلاح، إذ اختاره 5 صحفيين ممن شاركوا في الاستفتاء، ومع أن تلك الاختيارات «العربية» التي تجاهلته لا تدعو إلى العتاب عليهم أو مصادرة اختياراتهم، لكن ما قد يشفع لصلاح في هذا السباق أنه لاعب عربي استثنائي، دفع أكبر أندية العالم للتنافس من أجل ضمه إلى فرقها، ومن ثم فإن موهبته وحرفيته وتفانيه في الملاعب تجاوزت حدود المحلية، وجعلت منه ظاهرة عالمية عابرة للحدود، وهو ما يستحق بعض التشجيع ولن أقول المجاملة الأخوية.

الحدث الثاني الذي تصادف وقوعه في التوقيت نفسه، ذلك الحديث التليفزيوني، مع اللاعب المصري من جانب إعلامي مصري أيضاً، وما أُثير حول قضية علاقته بالخمر وتوابع ذلك على السوشيال ميديا، فهل كان الإعلامي يقصد توريط اللاعب العالمي من خلال سؤاله غير المبرر والمقحم بلا داعٍ؟

مدى التدين

اللافت أيضاً في هذا الحديث التليفزيوني النادر لوسيلة إعلام عربية تركيزه على محاولة اختبار مدى تدين محمد صلاح بشكل يدعو للدهشة، فقد تابعت عشرات اللقاءات والحوارات التي أجرتها وسائل إعلام دولية معروفة مع اللاعب المصري الصاعد، فلم يتطرق أي منها إلى قضية احتسائه للخمر من عدمه، كما لم تقترب أي وسيلة إعلام «محترمة» من حياته الشخصية التي هي ملك له وحده، بل إن أغلب هذه الوسائل تعاملت مع حرصه على صلاة الجمعة من كل أسبوع في «جامع ويمبلي»، القريب من مسكنه في لندن، بتسامح كبير باعتباره أمرا عاديا ويدخل في باب الحرية الشخصية التي تكفلها القوانين البريطانية الصارمة.
شخصياً، أعتبر ما جرى من الإعلامي المصري «سقطة مهنية» يجب أن يُحاسب عليها من جانب الجهات النقابية المختصة، لكن أثق في أن هذا لن يحدث أبداً، لأننا ببساطة لا نطبق المعايير المهنية ليس فقط في المجال الإعلامي، بل لم نعتد على هذا السلوك في حياتنا بشكل عام.

لحية صلاح

سقطة الإعلامي الأخيرة مع مو صلاح ذكَّرتني بمقال نُشر في الأهرام قبل سنوات لواحد من الكُتَّاب الكبار سناً ويحمل اسم والد اللاعب الموهوب عندما خصص عموده اليومي لانتقاد لحية محمد صلاح، ولم يكتف الكاتب «الكبير»، بأن يسمح لنفسه باقتحام حياة اللاعب الشخصية بطريقة تثير الريبة، بل أجرى مقارنة بين لحيته ولحية الشباب «المتطرف»، وسخر وتنمر من شكل ولحية اللاعب العالمي، داعياً إياه إلى ضرورة التخلص منها!
فهل نحن أمام محاولة هدم هذا النموذج الناجح الذي يمثله ذلك الفلاح المصري المكافح في سبيل وصوله إلى العالمية؟

المصدر : الجزيرة مباشر