تحرير ليبيا من الديكتاتورية بالتدخل العسكري.. وإجبارها على ديكتاتورية جديدة بالانتخابات

خليفة حفتر

في الماضي رواندا والبوسنة وهايتي والكونغو، والآن ليبيا. إلى ماذا يشير موقف الأمم المتحدة من الأزمة الليبية منذ عام 2011، إخفاقاتها المثيرة للجدل؟

كان الجميع في بداية عام 2021 متفائلين بقرار الانتخاب الذي اتخذ في إطار منتدى الحوار السياسي الليبي الذي نظمته الأمم المتحدة، لكن مع بقاء ما يقرب من أسبوعين على الانتخابات يضعنا المشهد أمام واقع مختلف، إذ إن سيف الإسلام القذافي والجنرال الانقلابي خليفة حفتر وداعمه السياسي عقيلة صالح قد رشحوا أنفسهم.

كان لكل مبعوثي الأمم المتحدة الخاصين إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز وغسان سلامة، ويان كوبيس الذي استقال قبل أيام قليلة من الانتخابات، دور في السياسات السلبية وغير المتسقة والميكيافيلية للأمم المتحدة في ليبيا.

دعم حفتر

وإنه لمن المفارقة إعراب كل من سلامة وويليامز -بعد تخليهما عن المنصب- عن أن حفتر هو المشكلة الأكبر في القضية الليبية. كما أن الأمم المتحدة التزمت الصمت عندما شُنت الحرب ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة، والموافقة عليها كحكومة شرعية على الساحة الدولية. على الرغم من محاولة تفسير هذه المسألة بهيكلية مجلس الأمن الدولي، إلا أن الأحداث التي تلتها والوقائع التي نشهدها اليوم أظهرت أن هذا أيضًا غير واقعي.

وعندما طلبت حكومة الوفاق الوطني المساعدة من المجتمع الدولي ومختلف البلدان، كحكومة معترف بها من الأمم المتحدة، لكبح الهجمات التي تُشن على العاصمة طرابلس وعلى حكومتها، لم تتم الاستجابة لهذا المطلب إلا من تركيا وقطر، بل ودعمت دول مثل فرنسا وروسيا والإمارات العربية المتحدة ومصر حفتر بشكل علني.

ولم تكفِ كل الأحداث والمرتزقة ومجرمي الحرب وجنود النظام السوري المشاركة في المعارك، وصواريخ جافلين المضادة للدبابات التي قدمتها فرنسا للقوات الموالية لحفتر، ومليشيا فاغنر الروسية، وقتل أكثر من 50 طالبًا أعزل في مدرسة ثانوية عسكرية بطرابلس، والمقابر الجماعية التي حفرها جنود حفتر في ترهونة، لتجعل الأمم المتحدة تحرك ساكنًا.

وقبل أسابيع قليلة فقط أرجأ القاضي الأمريكي محاكمات حفتر الجارية في الولايات المتحدة إلى ما بعد الانتخابات. كما أن منتدى الحوار السياسي الليبي الذي نظمته الأمم المتحدة يمنع مشاركة مزدوجي الجنسية والعسكريين في الانتخابات الرئاسية في ليبيا، إلا أن هذا القرار لم يطبق على المواطن الأمريكي ومجرم الحرب خليفة حفتر.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل مهّد رئيس مجلس النواب في طبرق المؤيد لحفتر، عقيلة صالح، الطريق أمام ترشح حفتر، بفضل ما يُسمّى قانون الانتخابات التي لم يقدمها حتى إلى مجلس النواب ولم يحصل حتى على موافقة من الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة التي ظلت صامتة أمام هذا الانتهاك الصارخ.

أما روسيا التي أنشأت قواعد عسكرية في سوريا فتسعى إلى الاستقرار في البحر الأبيض المتوسط، بإنشاء قواعد عسكرية جديدة في ليبيا، ​​إلى جانب استمرارها في بسط نفوذها على المناطق القريبة من الموارد النفطية. لكن كل ذلك لم يثني الأمم المتحدة عن مناقشة الوجود الشرعي لعضو الناتو (تركيا) في ليبيا.

وإن المليشيات الموالية لحفتر لم تسمح لطائرة عبد الحميد الدببية رئيس حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، التي تولت الحكم نتيجة المنتدى الذي نُظّم برعاية الأمم المتحدة مطلع عام 2021، بالهبوط في مطار بنينا شرقي البلاد. هل يمكن تخيل دولة يمنع مجرم حرب فيها هبوط طائرة رئيس وزرائها في مطار بلاده؟ وهنا بقيت الأمم المتحدة غائبة كذلك.

واستمر صمت الأمم المتحدة على الرغم من كشف تقارير مختلفة عن إرسال جنود النظام من دمشق إلى مطار بنينا عبر شركة طائرات سورية خاصة، برعاية روسيا وفرنسا والإمارات، واستمرار إمداد حفتر بالسلاح والعتاد رغم وجود اتفاق لوقف إطلاق النار.

كما لم يتم تنفيذ أي من القرارات المتخذة في منتدى الحوار السياسي الليبي والمؤتمرات الدولية في البلاد، رغم اقتراب الانتخابات، وحتى هذه الأيام التي تصر فيها الأمم المتحدة على انتخابات 24 ديسمبر في ليبيا.

التجاهل الأممي

لقد أوصلنا هذا التجاهل الأممي إلى مشهد أصبح فيه سيف الإسلام القذافي بدعم من روسيا، وحفتر بدعم من فرنسا والإمارات ومصر، مرشحين رسميًا للرئاسة الليبية. حيث تُسيّر الأمور في البلاد كي يصبح الانقلابي حفتر رئيسًا، ولا تزال الأمم المتحدة غائبة في بيئة لا يوجد فيها أمن للانتخابات، والناس مهدّدون ويتولى حفتر حماية صناديق الاقتراع.

تمر ليبيا بفترة عارمة بالفوضى حيث يُرشح فيها أشخاص كالانقلابيين حفتر وعقيلة صالح، اللذين يسعيان لإقامة ديكتاتورية جديدة بعد معمر القذافي بدعم من فرنسا، وسيف الإسلام القذافي -بدعم روسي- الذي تربطه علاقات وثيقة مع المخابرات الفرنسية، وطالبت المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله.

من ناحية أخرى، بات يدور حديث في الآونة الأخيرة أن فتحي باشاغا، وزير الداخلية بحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، شرع في خطة سياسية لصالح حفتر، بعد اجتماعاته السرية مع فرنسا.

لسوء الحظ، أصبحنا نتحدث عن موقف أممي يحوّل ليبيا إلى سوريا جديدة، بدلاً من إنشاء بيئة انتخابية عادلة وقانونية ذات شرعية، تستدعي الأحزاب إلى صياغة دستور وقانون انتخابي يتوافق عليه الأغلبية، ومن ثم تطبيقه.

نعم، كان القذافي ديكتاتورًا، ليس في ذلك أدنى شك. لكن التدخل الأممي في ليبيا في 19 مارس 2011 بقرار يشوبه الشك واتخِذ على استعجال، كان في الواقع تدخلاً تقوده فرنسا. وما يجعل هذا التدخل أكثر إثارة للشك، معرفتنا فيما بعد أن حصول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على ملايين اليوروهات من القذافي -سرًا- لاستخدامها في حملته الانتخابية كان المحدد الرئيس لدور فرنسا في هذا التدخل.

لقد اتخذت الأمم المتحدة قرار التدخل في الصومال من قبل، بعد أن بلغ عدد المدنيين المتضررين من الاضطرابات الداخلية نحو 1.5 مليون. أما في ليبيا فبلغ هذا الرقم نحو 1500 فقط أثناء التدخل الأممي، رغم قبول القذافي لوقف إطلاق النار. هذا الرقم وحده يكفي للاستدلال على وجود غرابة في الدافع الذي قاد إلى التدخل في ليبيا.

للأسف، ظلت الأمم المتحدة أكبر مسبب للفوضى في ليبيا منذ أن قررت التدخل فيها.

خطر التقسيم

إننا نشهد على عجز أممي حتى على اقتراح آلية سليمة وآمنة وعادلة وتأجيل الانتخابات. في ظل عدم وجود جيش مجتمع تحت سقف واحد، ويتحد تحت إرادة حكومة الوفاق الوطني.

إن التسرع بإجراء الانتخابات الليبية في ظل انعدام البيروقراطية، وسيطرة مليشيا حفتر على مراكز الاقتراع في المناطق الشرقية من البلاد خاصة، وحرمان رئيس الحكومة من حرية السفر كما يشاء، سيُسجّل في التاريخ كعلامة سوداء باسم الأمم المتحدة، تمامًا مثل ما حدث في رواندا والبوسنة.

ولو تم إجراء الانتخابات في بيئة نزيهة، لجزمنا بأن خليفة حفتر لن يحصل حتى على 10 بالمئة من الأصوات، وأن سيف الاسلام القذافي لن يتمكن من تجاوز ما يتراوح بين 25 و30 بالمئة، وأن رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة سيفوز في الانتخابات بفارق كبير.

ولكن كل ما ذُكِر أعلاه، وشبكات العلاقات المظلمة والمعقدة، وموقف الأمم المتحدة، ومدى استعداد فرنسا وروسيا لتعميق الفوضى في البلاد، يبيّن لنا أن هذا لن يكون ممكنًا.

وفي هذا السياق، لا أستبعد -للأسف- أن تواجه ليبيا خطر التقسيم على المدى المتوسط، بعد أن بدأت بحلم انتخابات نزيهة بضمانة الأمم المتحدة.

 

المصدر : الجزيرة مباشر