القتل خارج القانون في الصين!

متظاهرون من ميانمار

شهدت الأيام الماضية أحداثا عدة وقعت في مناطق متفرقة حول العالم، تُظهر كيف أصبح القتل خارج القانون أداة إرهاب بيد الدولة ووسيلة انتقام من الخصوم والسياسيين، مع ذلك ينجو المجرمون بأفعالهم تحت مظلّة القانون.

دهست سيارات الشرطة عشرات المواطنين في مدينة يانجون عاصمة ميانمار، وفرت هاربة بعد مقتل 5 وغرق عشرات الآخرين في دمائهم. وقد خرج الأبرياء الأسبوع الماضي في تظاهرة للتعبير عن غضبهم، ضد الأحكام التي أصدرها قادة الانقلاب العسكري، بسجن زعيمتهم سو تشي لمدة 4 أعوام.

يسعى الرئيس شي جين بينغ إلى دعم سلطاته، بعد أن أصبح رئيسا مدى الحياة، بشن حملة جديدة على معارضيه، ليضمن أن يكون النظام القانوني رهن إشارته. يؤمن (شي) -كأسلافه قادة الحزب الشيوعي وأنصاره من الحكام العرب- بأن تعسف السلطة، يبرره وجود أعداء للنظام السياسي، وهو أمر يدفعه إلى ما يُسمّى في أعراف الحكم الشيوعي، حملات التصحيح والتطهير، التي شرعها الزعيم ماو زي دونغ منذ 80 عاما، لإعدام وقتل ملايين الأشخاص باعتبارهم جواسيس أو خونة للمبادئ الشيوعية. وبينما اعتمد (ماو) على القوة العسكرية في ضرب الخصوم، يوظف (شي) مؤسسات النظام القانوني ممثلة في الشرطة والقضاء، لمعاقبة من يرغب في التخلص منه، بما يمثل ردة عما اتخذته الصين خلال العقود الثلاثة الأولى من تطبيق لسياسة الإصلاح والانفتاح. فقد وزعت وزارة الأمن العام نسخة جديدة من قَسَم ضباط الشرطة، ليُقسِموا على الولاء للحزب الشيوعي، والتعهد بالدفاع عن الأمن السياسي، مع اغفال القَسَم السابق الذي كان يعزز العدالة الاجتماعية، بما يجعل الهدف الأسمى ليس أمن الشعب ولكن الولاء لزعيم الحزب الذي أصبح مرشدا روحيا للصين جمعاء.

الإخفاء في أماكن سرّية

تشمل حملة التطهير نظام الاعتقال السري لسنوات، التي جرت لرجال أعمال ومشاهير، وقيادة حكومية سابقة، بما يُعرف بنظام شوانغي (Shuangggui) وهو الإخفاء في أماكن سرية، لوقت تحدده السلطات، مع التعرّض للضرب والحبس الانفرادي والحرمان من النوم لفترات طويلة، والتعرض لدرجة حرارة عالية، ونقص للطعام والماء، ثم الظهور في وقت معيّن، دون تمكينه من رؤية الأهل أو مقابلة محاميه.

تُظهر تقارير منظمة هيومن راتس ووتش، أنها رصدت عام 2016 حالات عديدة، مع تطبيق “شوانغي” بدأت منذ عام 2012 مع معارضي السلطة الذين تعرّضوا لإساءات جسدية ونفسية، وترفض المحاكم إثبات ذلك وسوء سلوك المحققين مع المتهمين، في الوقت الذي تصل فيه معدلات أحكام الإدانة الجنائية إلى نحو 99.9%. وتوضح المنظمة أن التعذيب المُمنهَج تطور إلى أن أصبح الحزب يملك نظامًا داخليا للاحتجاز داخل مقاره، يُسمّى “ليو شي” (liuzhi) أي كرسي النمر، الذي يُستخدم لشل حركة المشتبه بهم، حيث يجلس مقيّدًا عليه أثناء الاستجواب لفترة غير محددة، ويستمر 18 ساعة يوميًّا لمدة 5 أشهر، مع وضع الزيت الساخن في عينيه، وتسليط الأضواء الساطعة عليه على مدار الساعة، بهدف غرس الخوف والولاء المطلق والرضوخ لتعليمات الحزب.

ومن المفارقات أن الحزب الشيوعي الصيني بدأ الشهر الماضي التحقيق مع نائب وزير الأمن العام السابق (صن لي يون) بعد حبسه لمدة عام، وتعذيبه، بتهمة “انتهاك انضباط حزبي، وتورطه مع زمرة سياسية يتطلب تطهيرها من النظام السياسي الصيني”. وتستخدم حملة التطهير ووسيلة التعذيب الحديثة مع وزير العدل السابق (صن فو) الضالع في تعذيب محامي حقوق الانسان الشهير (وانغ كوان تسانغ)، وقد أمر الوزير بتعذيبه لمدة 3 سنوات بتهمة تقويض سلطة الدولة!

القتل خارج القانون

يُعد القتل خارج القانون عملا معتادا في نظام سلطوي قمعي، لكن الجديد في الأمر، أن كثيرا ما يقع القتل مع رجال أعمال مليارديرات ومشاهير كبار، دون أن يتمكن أحد من معرفة الأسباب أو مصير الشخص أو مكان جثته، في بلد ما زال شعبه يؤمن بعبادة الأسلاف وضرورة حرق الجثة، حتى يرقد الميت في سلام ويتمكن أهله من الحصول على خلاصة رمادها ووضعها في مكانة مميزة من بيت العائلة. ورغم تعذيب وسجن بعض قادة الحزب، لفترات طويلة من أمثال (بوو شي لاي) الذي كان منافسا قويا للرئيس الحالي في مراحل كثيرة من حياته داخل دوائر صنع القرار بالحزب حتى وصل إلى رئاسة الدولة، إلا أن الأمر تطور وأصبح يصل لبعضهم إلى مرتبة القتل خارج القانون.

فقد كشفت القيادية بالحزب العالِمة المنشقة (كاي شيا) عقب هروبها إلى الولايات المتحدة عام 2018، عن حقيقة مقتل عالم البيئة (لي يانغ) عندما احتجزته شرطة بيجين لأسباب غير معروفة وهو في طريقه إلى المطار. ومن أجل تجنب اللوم لفقت له الشرطة تهمة إدارة شبكة دعارة، بما أثار غضب زملائه وجامعته، الذين ساعدوا أسرته في الوصول إلى الحقيقة. مع انتشار الخبر في أنحاء البلاد، تعاطف الناس مع العالِم الشهير، لذلك أمرت القيادة العليا للحزب الشيوعي بفتح تحقيق، بما استدعى تشريح مستقل للجثة وبدء إجراءات المحاكمة. فوجئ المتابعون للقضية بوضع زوجة (يانغ) وأطفاله وأبويه قيد الإقامة الجبرية، مع تقديم تعويض لهم يبلغ مليون دولار، مقابل التخلي عن تحريك القضية أمام القضاء.

وعندما رفضت العائلة العرض، تم زيادة التعويض إلى 3 ملايين دولار بالإضافة إلى منزل قيمته نحو 3 ملايين دولار أخرى، مع إصرار العائلة على تبرئة العالم، لسيرهم على النهج القَبَلي بأن العار الذي يطال الميت وفقا للأعراف الصينية سيلاحقهم في حياتهم ومماتهم أيضا، مع تأكدهم من براءته. فجأة صدرت أوامر عليا بوقف مناقشة القضية في الشرطة والقضاء، وأجبروا المحامي على عدم الاقتراب من الموضوع. وتؤكد (كاي شيا) مسؤولية الرئيس شي جين بينغ شخصيا عن التستر على وحشية الشرطة، قائلة “بدلا من أن يحقق في القتل الذي ثبت أنه وقع بسبب مخالفات ارتكبها الضباط أثناء التحقيق، فإذا به يستخدم أموال الدولة والفقراء ليدفعها مقابل التستر على قتلهم الأبرياء”.

لم يعد القتل خارج القانون مرتبطا بنوعية النظام السياسي. فالولايات المتحدة التي ترفع شعار”الديمقراطية وحقوق الانسان” لا تتورع عن ملاحقة من تسمّيهم الإرهابيين، لقتلهم دون دليل أو محاكمة في غارات جوية، كما حدث مؤخرا في أفغانستان.

وأمام الحرم القدسي في مشهد تكرر مرات، قتلت الشرطة الصهيونية شابا على المسافة “صفر” رميا بالرصاص الأسبوع الماضي خوفا من أن يكون حاملا لسكين. وكم أغارت فرنسا على مدن في مالي والنيجر وقتلت المئات، تحت ستار الحرب على الإرهاب، وهي تعلم أن هذه الحرب هدفها سرقة اليورانيوم والذهب وخيرات غرب أفريقيا. صحيح أن الجريمة هنا دوافعها مختلفة حيث تقع في الأصل ضد خصوم للدولة وليس النظام الحاكم، ولكن في كل الأحوال تختلف الأساليب وتتعدد الأنظمة بين فاشية فاسدة وعسكرية طاغية وديمقراطيات كاذبة، بينما القتل واحد.

فهؤلاء يقتلون بشرا خارج القانون، ويهربون بجريمتهم تحت مظلة القانون، طالما أن هناك بشرا آخرين يسكتون على جرائمهم ضد الإنسانية.

 

المصدر : الجزيرة مباشر