رئيس أركان البحرية التركية السابق يكتب لـ”الجزيرة مباشر”: حمينا المنطقة من النهب اليوناني.. وهذا ما نقدّمه لفلسطين

الأميرال جهاد يايجي

إنّ اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا -المعروف أيضًا باسم اتفاق المنطقة الاقتصادية الخالصة- أبطل المخطّطات المرسومة للمنطقة، وكان له تأثير كبير. أظهرنا بهذا الاتفاق أنّ للحكومة الشرعية الليبية حقوقًا سيادية، بجانب تعزيز شرعية حكومة الوفاق الوطني الليبية، كما منحنا الأشقّاء الليبيين مساحة بحرية لا تقلّ عن أربعة أضعاف حجم الجزر القبرصية. وليبيا في غاية الرضا عن كلّ هذه التطوّرات.

أمّا قبرص اليونانية فكانت ترغب في نهب هذه المنطقة البحرية، مثلما نهب اليونانيون مناطق أخرى. ولهذا أطلق اليونانيون والقبارصة اليونانيون والأوربيون على الاتفاق بين ليبيا وتركيا اسم “السيف التركي – الدرع التركي”.

أمّا بالنسبة لفلسطين، فمن الضروري أن تكتسب هوية دولية وقوية، إذ إن فلسطين لا تُعامَل كدولة رغم كونها دولة، فهي متروكة بينَ بينَ، ولا يزال شأنها ضبابيًّا.

من جهة أخرى، تعيش فلسطين مأساة إنسانية مروّعة، وحُوّل قطاع غزة إلى سجن مفتوح. إنه من الصعب العيش تحت الحصار، حتى لو لم تُستهدف عسكريًّا. وظلّت إسرائيل تنتهك حقّ غزة بإغلاق السواحل كي تمنع الوصول إلى القطاع عبر البحر.

إننا نحتاج إلى اتخاذ خطوات من شأنها تعزيز الهوية الدولية لفلسطين، ومنحها السيادة على كامل أراضيها وتوسيعها. كما أن ما تحت البحر تراب، وهو جزء من أرض الوطن.

إنّ تركيا تُعّدُّ مُشاطِئة لكلّ من ليبيا وفلسطين ومصر وإسرائيل ولبنان وسوريا، وذلك وفقًا لتقنيات ترسيم حدود البحار، وتقنيات تحديد حدود السيادة البحرية المنصوص عليها في القانون الدولي.

الاتفاق مع فلسطين

ومثلما ازداد بروز حكومة الوفاق الوطني في ليبيا ونفوذها على الساحة الدولية بعد اتفاق ترسيم الحدود التركي-الليبي، فإن توقيع اتفاق مماثل مع فلسطين سيزيد من بروزها وتأثيرها الدولي.

وفي حال إبرام هذا الاتفاق مع فلسطين ستحصل تركيا على مساحة بحرية تبلغ 10 آلاف كيلومتر مربّع، وفلسطين على مساحة مماثلة.

وبهذا، ستتضاعف مساحة الأراضي الفلسطينية، كما ستتمكّن من الصيد واستخراج الغاز الطبيعي والتنقيب عن النفط في هذه المنطقة البحرية. فالتفكير للمدى الطويل أمر ضروري، وهذا الاتفاق سيكون اتفاقًا للمستقبل، إذ يشكّل ثروة ثمينة للغاية، وسيكون بمنزلة ورقة ضغط أمنية تتركها فلسطين لأجيالها المقبلة.

لم تطرح أيّ دولة مثل هذا الاتفاق مع فلسطين بما فيها مصر، لكنّ تركيا بحاجة إلى طرحه لتحصل على حقّها بجانب حق فلسطين. كما أنه لا مانع من توقيع فلسطين اتفاقًا دوليًّا كهذا، لأنها دولة بموجب القانون الدولي، حيث إن أيّ دولة تحتاج إلى بعض الشروط كي تكتسب صفة الـ”الدولة”.  فوفقًا لاتفاقية مونتيفيديو المُوقّعة عام 1933، يجب أن يكون للدولة بقعة جغرافية محدّدة، ومجتمع بشري اكتسب خصائص مُميّزة (كاللغة والدين والمعتقد والعادات والتقاليد والمشاعر). كما يجب أن يكون لها سلطة (حكومة وقانون وشرطة وتعليم ونظام صحي إلخ).

ووفق ما ذُكِر، فإنّ فلسطين تملك بالفعل حكومة وسلطة. أمّا شرط اكتساب صفة الشعب، فيمكننا القول إنّ المجتمع الفلسطيني هو أجدر مَن يستحق صفة الشعب في العالم، لأنه حافظ على وحدته وتضامنه رغم كلّ الاضطهاد الذي يتعرّض له.

ماذا عن صفة الدولة؟

فلسطين لها حدود، لكنّ الخلافات كلّها تدور حول هذه الحدود أصلًا. فأساس الخلاف هو “هل نعود إلى حدود عام 1967 أم لا؟”. فلسطين دولة حتى في شكلها الحاليّ، فلا يوجد شرط للاعتراف بالدولة أو منحها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، لكي تكتسب صفة الدولة. الشروط المذكورة أعلاه (الدولة والشعب والسلطة) ضرورية، وفلسطين تحقّق هذه الشروط. ووفق هذه المعطيات لا توجد عقبات قانونية أو سياسية أمام تركيا لتوقيع اتفاق المنطقة الاقتصادية الخالصة مع فلسطين. واتفاق التعاون الأمني بين تركيا وفلسطين الذي دخل حيّز التنفيذ في يونيو الماضي، هو تأكيد على إمكانية إبرام اتفاق بحري مع فلسطين.

تعترف حاليًّا أكثر من 140 دولة بفلسطين، ولها سفراء في العديد من بقاع الأرض، بما في ذلك الولايات المتحدة واليونان. بالإضافة إلى ذلك، فلسطين عضو في منتدى غاز شرق المتوسط الذي تشمل عضويته إسرائيل.

وهذا يعنى أن فلسطين دولة لها ساحل على شرقي البحر الأبيض المتوسط. لهذا السبب، لا يمكن لأحد أن يعارض قانونيًّا توقيع تركيا اتفاقًا بحريًّا مع فلسطين.

هل ستعترض إسرائيل ومصر على اتفاق كهذا؟

الخريطة التي رسمناها نحن هي خريطة خطة إستراتيجية. الحدود التي حدّدناها مع فلسطين لا تقع ضمن الحدود البحرية المصرية الحاليّة، ولا تقع ضمن حدود إسرائيل البحرية، كما أنه لا يمكن تغييرها في حال الاتفاق على رسمها بهذا الشكل. وهذا ما تمّ أثناء ترسيم الحدود مع ليبيا، دون المساس بالإحداثيات التي تعهّدت تركيا بها سابقًا إلى مصر. علاوة على ذلك، فإنّ الاتفاق يوفّر لكلتا الدولتين مناطق بحرية أكثر من تلك التي حصلت عليها وفق الاتفاقات التي أبرمتها مع إدارة قبرص اليونانية حاليًّا. هذا يعنى أنّ توقيع فلسطين وتركيا اتفاق ترسيم الحدود من شأنه تشجيع إسرائيل ومصر على عقد اتفاق مع تركيا، وهذا ما يخدم مصالح جميع الأطراف.

لذلك، فإنّ اعتراض كلّ الأطراف أمر غير وارد، لكن من المحتمل ارتفاع أصوات معارضة ناشئة عن السياسة الإسرائيلية الحاليّة.

إذن، مَن سيكون الخاسر؟ إدارة قبرص اليونانية في جنوب قبرص. وماذا ستخسر؟ المناطق التي سبق أن سلبتها بشكل غير قانوني. بعبارة أخرى، ستعود المناطق المغتصبة إلى أصحابها الأصليين بفضل تركيا. هذا هو جوهر القضية.

الخلاصة: مثلما وقّعت تركيا اتفاقا بحريًّا مع ليبيا، وأنشأت جسرًا من البحر وأصبحت جارة لليبيا، فمن الممكن أن تتبعها فلسطين ومصر وسوريا ولبنان. وينطلق مشروع مشابه للذي شيّدته الصين “طريق واحد ومسار واحد”. وبهذا يصبح شرقي المتوسط ​​بحرًا للصداقة.

 

المصدر : الجزيرة مباشر