لمّ شمل “أبناء أربكان”.. هل يُعيد إلى التيار الإسلامي تفوّقه في الانتخابات؟

أردوغان ورئيس حزب السعادة

رغم إصرار حزب العدالة والتنمية الحاكم على إجراء الانتخابات في موعدها المقرّر منتصف 2023، ورفضه جميع المحاولات والضغوط التي تمارسها المعارضة لإجباره على تقديم موعدها إلى منتصف العام المقبل، إلا أنه -كغيره من الأحزاب- بدأ في تسريع خطواته الرامية إلى إعادة ترتيب أوراقه، وزيادة حجم قاعدته الانتخابية عبر توسيع نطاق جبهته السياسية، وضمّ أحزاب جديدة إلى تحالف الشعب الذي يقوده بمشاركة حزبَيْ الحركة القومية والاتحاد الكبير.
وخلافًا للأحزاب الأخرى التي تسعى إلى تجديد مظهرها، بالتنازل عن جزء من أيديولوجيتها جذبًا لأصوات الناخبين من مختلف التوجّهات، فإن العدالة والتنمية قرّر خوض انتخابات 2023 بروح 1994، مؤكّدًا أنه سيحقّق جميع الأهداف التي يطمح في الوصول إليها من خلال ذلك الطرح، وفق ما صرّح به الرئيس أردوغان.

قرار العودة إلى العهد الأوّل للعدالة والتنمية، والاستعانة بوجوه تنتمي إلى مدرسة الراحل نجم الدين أربكان. وجوه وأسماء قدّمت الكثير لإرساء قواعد الإسلام السياسي على الساحة التركية، وتثبيت مكانته، ولديها الكثير من الشعبية والقبول لدى الإسلاميين والمحافظين، يعني أنه أدرك أن تحقيق النجاح في انتخابات 2023 الحاسمة لن يكون ممكنًا دون عودة روح 1994، واستراتيجية العمل السياسي التي سبق أن وضعها الراحل أربكان، وأمّنت للعدالة والتنمية النجاح، ومنحته الفرصة كاملة لتحقيق التفوّق والوصول إلى سدّة الحكم في البلاد.

مغزى اختيار مؤسس حركة “مللي جوروش” رئيسًا لحزب العدالة والتنمية في إسطنبول

أولى وأهمّ هذه الخطوات كانت الإعلان عن اختيار عثمان نوري كاباكتيبي -أحد أبرز قيادات حزبَيْ الرفاه الإسلامي والفضيلة زمن الراحل نجم الدين أربكان، والذي يُعَدُّ من أبرز مؤسّسي حزب السعادة وريث تركة أربكان السياسية والشعبية- ليكون رئيسًا للحزب في إسطنبول أكبر المدن التركية سكانًا، وأكثرها تأثيرًا سياسيًّا واقتصاديًّا.
وهو الاختيار الذي تلقّته القاعدة الشعبية للعدالة والتنمية بارتياح بالغ، خصوصًا أنه جاء تلبية لرغبتها في إجراء تغييرات جذرية تشمل قيادات وسياسات وممارسات تسبّبت -وفق رؤيتها- في الخسارة الفادحة التي تلقّاها الحزب بمدينة إسطنبول على يد حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلّية الأخيرة، وفقد بسببها سيطرته السياسية على المدينة.
يكمن ارتياح القاعدة الشعبية للعدالة والتنمية لاختيار كاباكتيبي -بجانب امتلاكه شعبية ضخمة على الصعيدَين الشعبي والسياسي- في أنه ذو سِجلّ مُشرّف في العمل داخل التنظيمات الطلّابية الجامعية والحزبية، خاصّة بين شباب حزبَيْ الرفاه والفضيلة، ولديه رؤية سياسية تجديدية، وثقافة دينية وفكرية واسعة، كما أنه أحد أبرز مُؤسّسي وباعثي الحياة في تنظيم “مللي جوروش” أو ما يُعرف باسم “الرؤية الوطنية” بعد عام 1980، وهو التنظيم الذي أسّسه نجم الدين أربكان عام 1969، وهي حركة سياسية دينية تضمّ مجموعة من الأحزاب ذات الصفة الإسلامية، وتُعَدُّ أكبر تنظيم إسلامي مارس أنشطة اجتماعية واقتصادية في أوربا حينذاك.

إعادة الثقة وإحياء الأمل في عودة إسطنبول

وهو الاختيار الذي أعاد الثقة إلى القاعدة الحزبية، وأحيا أملها بإمكانية استعادة إسطنبول مرّة أخرى في الانتخابات المحلّية المقبلة، هذه المدينة التي تحظى بمكانة عاطفية خاصّة لديهم، كونها المكان الذي وُلِد فيه حزب العدالة والتنمية، وقويت شوكته نتيجة للدعم المطلق الذي تلقّاه من الإسلاميين والمحافظين فيها، حتى نجح في الوصول إلى السلطة وحكم البلاد، لتصبح رمزًا لقوّة التيار الإسلامي وتفوّقه.

ومن هذا المنطلق، جاءت الخطوة الثانية التي تمثّلت في قيام أردوغان شخصيًّا بزيارة الرئيس الاستشاري الأعلى لحزب السعادة (أوغوز خان أصيل تورك) الذي يرفض سياسة رئيس حزب السعادة (تمل كارامولا أوغلو) في تعامله مع العدالة والتنمية، ويؤيّد بقوّة نبذ الخلافات التي تُعيق تحالفهما، لِما في ذلك من مصلحة للحزبَين معًا، وللتيار الإسلامي على وجه العموم.

بينما تمثّلت الخطوة الثالثة في اللقاء الذي جمع مؤخرًا بين الرئيس أردوغان وكارامولا أوغلو في القصر الجمهوري، واستمرّ أكثر من ساعتين، وهدف إلى إزالة الخلافات القائمة بين الحزبَين، وضمان خروج السعادة من تحالف الأمّة، وانضمامه إلى تحالف الشعب، وهي خطوة -حال حدوثها- ستُعَدُّ انتصارًا كبيرًا لحزب العدالة والتنمية، وخسارة فادحة لحزب الشعب الجمهوري.

كون ذلك يعني إفشال مُخطّط الشعب الجمهوري الرامي إلى تقديم نفسه في حلّة جديدة للشارع التركي، تخالف تمامًا تلك الصورة النمطية التي اشتُهر بها الحزب على مدى تاريخه، بصفته حاميًا للعلمانية، والمحافظ على إرث مصطفى كمال أتاتورك، عبر سعيه إلى ضمّ مختلف أطياف الناخبين الأتراك، من أكراد وعلويين وقوميين ويساريين وعلمانيين، إلى جانب المحافظين والإسلاميين الموالين للسعادة، ساعيًا إلى جذبهم له، وضمان تصويتهم لصالح تحالف الأمّة الذي يقوده، وذلك بهدف تحقيق الفوز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، مثلما سبق حدوثه في الانتخابات المحلّية الأخيرة.

إصرار العدالة والتنمية على ضمّ حزب السعادة إلى تحالف الشعب ليس فقط لتحقيق هذا الهدف، وإنما لأسباب عدّة أخرى، يبدو أكثرها أهمّية كونه الوريث الشرعي لتنظيم “مللي جوروش” الذي يُمثّل الإسلام السياسي على الساحة التركية منذ القرن الماضي، بجانب أنه الداعم الرئيس للهُويّة الإسلامية في مواجهة علمانية وتغريب الجمهورية الكمالية.

وهو الأمر الذي يدعم رغبته في استعادة روح 1994، وتوظيفها في الانتخابات الحاسمة المقبلة، تلك الروح التي وفّرت له شريحة تصويتية ضخمة من المحافظين والإسلاميين والقوميين إلى جانب أصوات الأكراد والعلويين.

مؤشّرات كثيرة تؤكّد إمكانية انضمام حزب السعادة إلى تحالف الشعب

ورغم أن حزب السعادة لم يحسم موقفه بعدُ من مسألة الانضمام إلى تحالف الشعب، فإن كثيرًا من المؤشّرات ترجّح إمكانية التوافق على النقاط الخلافية التي أعاقت انضمامه إلى تحالف الشعب مِن قبل، سواء ما يخصّ عملية اقتسام مقاعد البرلمان أو القيام ببعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية والقانونية، بجانب التوافق بشأن تحديث النظام الرئاسي.

الأمر الذي يعني إمكانية التغاضي عن الخلافات الأخرى -إن وُجِدت- خصوصًا أن هناك الكثير من القواسم المشتركة -بشأن الرؤية الوطنية المتعلّقة بالسياسة الخارجية وقضية الاستقلال الوطني- بين السعادة وباقي أحزاب تحالف الشعب مثل الحركة القومية والاتحاد الكبير، خلافًا للوضع بينه وبين الشعب الجمهوري وباقي أحزاب تحالف الأمة.

وهو ما رجّحه زعيم حزب الحركة القومية الشريك (دولت بهجلي) الذي صرّح بأن “هناك إمكانية للبقاء في المعارضة رغم الانضمام إلى تحالف الشعب”. في إشارة واضحة إلى رغبته في ضمّ أحزاب أخرى إلى التحالف الداعم الرئيس للحكومة، وأن القيام بتلك الخطوة لا يعني الموافقة الكاملة على كلّ ما تُصدِره الحكومة مِن قرارات وما تتبعه مِن سياسات.

موقف دولت بهجلي يأتي إدراكًا منه لأهمّية ما تنطوي عليه انتخابات 2023، وما تُمثّله من تحدٍّ لمنظومة الأمن القومي التركي، في ظل انتهاج حزب الشعب الجمهوري سياسة المقاربة مع حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يراه بهجلي مواليًا لمنظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية، وقيامه مؤخرًا بمعارضة العمليات العسكرية التركية في شمالي سوريا والعراق، إرضاءً للشعوب الديمقراطي.

فهل يتحقّق هدف أردوغان من تلك المساعي، وينجح في رأب الصدع بين أبناء نجم الدين أربكان؟ وهل يمكن أن تشمل تلك المساعي كلّ مَن خرج مِن حزب العدالة والتنمية -مثل أحمد داود أوغلو وعلي باباجان وبولنت أرينش وعبد اللطيف شنر- ويتمّ تشكيل جبهة إسلامية موحّدة تضمن فوزهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، وتحقيق النتائج التي سبق أن أحرزوها في انتخابات 1994، بما يضمن تفوّق الإسلام السياسي مجدّدًا على الساحة التركية في مواجهة العلمانية الأتاتوركية؟ هذا ما ستُفصح عنه الخطوات التي سيتخذها أردوغان في الفترة المقبلة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر