فرنسا على العهد

بعد صولة فرنسا الأخيرة ضد الحجاب، لا تخطئ عين الناظر أنها تمارس أقبح درجات العنصرية مع المسلمين، وتنتهج سياسة التمييز ضد شرائعهم وعقائدهم، وظهر بجلاء أنها تتستر خلف شعارات حرية التعبير وقيم الجمهورية، لتحارب أي قضية إسلامية، وذلك على جميع الأصعدة سياسيا وثقافيا، عسكريا واقتصاديا، وكشفت عن وجه قبيح في الضغط على المجلس الأوربي ليحذف إعلانا يروج لحرية ارتداء الحجاب، مع أن الأمر كان تحت شعار التنوع وحرية الاختيار واحترام الآخر، لكن فرنسا وخصوصاً في نسختها الماكرونية الحالية لا تؤمن بذلك ولا تحترمه، بل نستطيع أن نجزم بارتياح أنها في كل قضية تصطف مع الجهة المعادية للإسلام وقيم السلام والاستقرار، وأينما يممت وجهك وجدت أمثلة على ذلك، منها الدعم المباشر للجنرال المتمرد خليفة حفتر الذي ارتكب مجازر علنية، ودفن الضحايا في مقابر جماعية، ويقف حجر عثرة أمام أي تقدم أو بوادر حلحلة للقضية الليبية، وعلى الصعيد الأوربي تُذكي نار العداوة بين تركيا واليونان، وتدعم أثينا بأنواع الأسلحة المختلفة، وتعمل على التحريش بين البلدين واستغلال أجواء التوتر بينهما، وتصدر إلى تركيا عصابات من المجرمين، حيث ‏رحلت ‎تركيا مؤخرا بضعة آلاف من العناصر الإرهابية، التي قدمت للانضمام إلى تنظيمات متطرفة، وأعلنت أن الجنسية الفرنسية هي الأغلب بين هؤلاء الإرهابيين !

محو الهوية

والدور نفسه تقوم به في الوقيعة بين الجارتين الشقيقتين المغرب والجزائر، حيث مازالت ترى نفسها وصية على الدول التي احتلتها وكانت تحت وصايتها، وهذا التدخل السافر جعل أكثر من مائة برلماني جزائري يطالبون بسن قانون يجرم الاحتلال الفرنسي، ويطالب باريس بالتعويض عن جرائمها في الجزائر، كما منعت أكثر من وزارة جزائرية التعامل باللغة الفرنسية، وعلى نفس المنوال نسج برلمان موريتانيا فأصدر قرارا بمنع الحديث بالفرنسية في أروقته وأثناء جلساته.

كل ذلك يؤكد حدس علامة الجزائر والإمام الثائر الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله الذي قال:

“فرنسا تراكم عدوا لها، وترى نفسها عدوا لكم، ولو سألتموها بعد ألف عام لوجدتم أن هدفها واحد، هو محو هويتكم ودينكم.”

وأصبح هذا محل اتفاق عند السواد الأعظم من المسلمين، لذا اتفقت كلمتهم على مقاطعة المنتجات الفرنسية بعد تعرضها بالإساءة إلى مقام خير البرية ﷺ، وأكملت المقاطعة عامها الأول في27 من أكتوبر الماضي، ولم يحدث في تاريخ وسائل التواصل أن استمر وسم ” هشتاج” لمدة عام كامل، بل وتصدر قائمة الأكثر تداولا في كثير من البلدان العربية و الإسلامية طوال هذه السنة، وترتب على هذا انطلاق الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلامﷺ، والتي حضر مؤتمر تأسيسها أكثر من ثلاثمائة شخصية إسلامية من رموز العلم والمعرفة، وقادة الفكر والرأي والنضال، سعيا لتوسعة دائرة نجاح المقاطعة، والبناء على ما سبق وتطويره، والانتقال من الفردية إلى المؤسسية، وتضافر الجهود والتنسيق في التعريف بالنبي ﷺ وخصائصه وشمائله، والدفاع عن أصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين، وصيانة مقام النبوة من عبث العابثين، وتجريم الإساءة إلى الأنبياء عليهم السلام، أو التعرض لمقام النبيﷺ، والتركيز في ذلك على السلاح الأقوى والقوة العظمى المتمثلة في الإعلام، الذي بات السلاح الأكثر فاعلية في كل المعارك الحالية والمستقبلية.

عالمية الدعوة

وبعد أسبوع من انطلاق مؤتمر الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلامﷺ، اجتمعت أكثر من ثلاثين رابطة وجمعية علمية وعلمائية، وأعلنوا انضمامهم إلى الهيئة كمؤسسين ومساندين، ومازال الباب مفتوحا أمام الجميع جماعات وفرادى، للوقوف تحت لواء نصرة رسول اللهﷺ والدفاع عنه، والاهتمام بقضايا الأمة الكلية، وجراحاتها النازفة في أرجاء متفرقة من العالم، وفي ختام المؤتمر أطلق فضيلة الأستاذ الدكتور علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين توصية المؤتمر الكبرى والمركزية، حيث أعلن عن إنشاء وقف لنصرة رسول اللهﷺ بكل ما تحمله الكلمة من معان، سواء كانت النصرة قانونية أو ثقافية أو إعلامية، وأكد على أن العمل لابد أن يشارك فيه الجميع.

على قدر عالمية الدعوة الإسلامية وانتشار من آمنوا بها، ينبغي أن تكون مظلة النصرة بنفس الدرجة، وكل ميسر لما خلق الله، وهذا باب ثواب كبير، وشرف عظيم لأن النصرة لرسول اللهﷺ حاصلة والعصمة متحققة، قال تعالى: “إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ”، “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ”، وما بين إنا كفيناك، وإنا أعطيناك، تظهر مواهب الجليل للنبي الكريم، شرفنا الله جميعا بنصرته، وجعلنا من أهل شفاعته.

المصدر : الجزيرة مباشر