أبعاد تصنيف حماس “حركة إرهابية” في بريطانيا.. لماذا الآن؟!

مشروع قرار تبنته بريتي باتيل وزيرة الداخلية البريطانية وأعلنت عنه من واشنطن، وقدمته للبرلمان في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وأقره البرلمان ليصبح تصنيف بريطانيا حالياً لحركة حماس بالكامل “حركة إرهابية” تضم في ذلك جناحها السياسي، إضافة إلى ما تم من تصنيف الجناح العسكري لها في 2001 “حركة إرهابية” أيضاً.

وزيرة الداخلية الحالية من المقربين للاحتلال الصهيوني، وقد شغلت موقع رئيس “مجموعة أصدقاء إسرائيل” في حزب المحافظين، وتعتبر معادية للفلسطينيين قياساً على إجراءات اتخذتها حين كانت وزيرة التنمية الدولية عام 2017، وخلال هذه الفترة أسهمت في تجميد حوالي ثلث المساعدات البريطانية التي تقدم للفلسطينيين، فيما أوصت بمساعدات مالية لمستشفيات ميدانية يديرها الجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل.

وقد طُردت باتيل من حكومة تيريزا ماي بعد اكتشاف لقاءات سرية أجرتها مع قادة إسرائيليين في تل أبيب ولندن ونيويورك بدون علم حكومتها، بل إن رئيسة الوزراء حينها علمت باللقاءات من قناة (بي. بي. سي) التي فضحت الأمر.

لماذا الآن؟

تم تمرير القرار في البرلمان وهو أمر كان متوقعاً، حيث يمتلك المحافظون أغلبية برلمانية كبيرة، و80% من البرلمانيين المحافظين أعضاء في مجموعة أصدقاء إسرائيل في الحزب.

والسؤال الذي تم طرحه وتردد هو: لماذا الآن؟

سنجد في ذلك أنه بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي بدأت بريطانيا تشهدُ تحولاتٍ جوهريّة في موقفها السياسيّ والجيوسياسيّ، إذ تُقارب لندن سلعتَها السياسيّة والاقتصاديّة بعد “الخروج” بشكلٍ أكثر التصاقاً مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي جاء الإعلانُ البريطانيّ الجديد الخاص بتصنيف حماس من عاصمتها واشنطن.

وفي الأصل فإن مشروع “بريكست أو الخروج من الاتحاد الأوربي” قادَهُ ودعَمَه تيارٌ يمينيٌّ متطرف، أنتجت تبعاته تشكيلاً سياسيّاً يؤمن بالشراكة الأطلنطيّة الأمريكيّة، ويتجاوز الهويّة الأوربيّة للجزيرة البريطانيّة.

أسهمَ ذلك في توسيع دوائر الشعبويّة التي يقودها تيار يمينيّ متنامٍ يعادي العرب والمسلمين، وكان مسؤولاً عن أكثر حوادث معاداة السامية في بريطانيا وأوربا. بحسب تقرير لمنظمة (CST)، وبالتالي فإنّ التيار الحكوميّ الحالي الذي ينتمي للخطاب اليمينيّ الذي نشأت عنه الكثير من حوادث معاداة السامية، يحاول علاج مشكلة العداء للسامية عبر الطريقة التقليديّة الغربيّة: “عندما تكون مسؤولاً عن مشكلةٍ وتعجزُ عن حلِّها، انقلها إلى مكان آخر”.

لا حضور لحماس

لن يؤثر القرارُ كثيراً على حركة “حماس، فإنّه لا حضور لحركة “حماس” في بريطانيا، وهي ليست مذكورةً في التصنيف الرسميّ البريطانيّ للتهديد الإرهابيّ على الأمن الوطنيّ (المحليّ) في البلاد. لكن بكلِّ تأكيد سيؤثر القرارُ على قدرة بريطانيا في الانخراط في مساراتٍ سياسيّةٍ مع الحركة، مثل اتفاقات التهدئة أو مفاوضات تبادل الأسرى، بالإضافة للانخراط في مساراتٍ مدنيّة إنسانيّة في قطاع غزّة الذي تحكمه “حماس” فعليّاً.

فلسفة الانخراطِ البريطانيّ في الملف الفلسطينيّ تاريخيا تستند كرؤية إلى أنَّ الحركات الاجتماعيّة الجماهيريّة ينبغي التعامل معها في إطار التفريق بين ممارستها “العنيفة”، وارتباطاتها الاجتماعيّة والسياسيّة بالجمهور، لكن بريطانيا اليوم تخالفُ هذا المفهوم تحت ضغطٍ سياسيّ أمريكيّ وإسرائيلي، وهذا يعني أنَّ سياسة بريطانيا الحالية تجاه الملف الفلسطينيّ قد تشهد تغيراً واضحاً، فبالإضافة لكونها سياسة حمائيّة للاحتلال وانتهاكاته، فقد تتطور لتصبح سياسةً عدائيةً للفلسطينيّين.

وكما يبدو ظاهراً أن القرار البريطاني هو قرار قانوني بالأساس، إلا أن البعد السياسي هو الأهم لقرار حظر حركة حماس في بريطانيا، فالجناح العسكري للحركة -أي كتائب القسام- قد تم تصنيفه إرهابياً لدى بريطانيا منذ سنوات عدة، ولا مبرر لهذا القانون الجديد إلا لفرض مزيد من التضييق على الحراك الشعبي والنشاط السياسي الداعم للقضية الفلسطينية ككل.

ومثال لذلك ما دأبت على ترديده وزيرة الداخلية البريطانية -ويؤكد قربها من الرؤية الصهيونية- في سياق تبريرها لتبنيها للقانون: “أن حركة حماس معادية للسامية بشكل أساسي”، وذلك في خلط واضح ومتعمد بين معادة السامية ومقاومة الاحتلال.

أزمة شرعية

أما بالنسبة لإسرائيل فهذا القرار يأتي في إطار أزمة شرعيّة الاحتلال لدى الرأي العام لأوربا وبريطانيا، فقد لوحظ في الحرب الأخيرة على غزّة، خروج عشرات الآلاف في العاصمة لندن تنديداً بآلة القتل الإسرائيلية وتضامناً مع أهل القدس والشيخ جراح، أضف إلى ذلك أنَّ كبار المشاهير في العالم أعلنوا عن تأييدهم وتضامنهم مع الفلسطينيّين خلال تلك الفترة، وهو ما شكّل سوابق مقلقة للاحتلال الذي اعتاد الاعتمادَ على ترهيب اللوبيات الداعمة له في الغرب ضدّ أي خطٍّ مؤثرٍ أو داعمٍ للفلسطينيّين.

وبرغم أننا على سياق التقدير الدولي للقرار نجده في اتساق مع الموقف الأمريكي وتكتلات ودول أخرى سبقت بريطانيا لاتخاذ هذا الموقف من حركة حماس كالاتحاد الأوربي وكندا وأستراليا، وكذلك تقلبات مواقف بعض الدول العربية بالنسبة لحماس كالإمارات والسعودية والبحرين والأردن، إلا أن الحركة ما زالت تحتفظ بعلاقات مع دول ذات تأثير دولي وإقليمي واضح وكبير مثل روسيا والصين وباكستان وماليزيا وجنوب أفريقيا ومصر والجزائر والكويت.

بالإضافة إلى ما يمكن التعبير عنه بتأثير حماس “الإنساني والعقائدي” في الوجدان الشعبي العالمي والإسلامي والعربي، وذلك بمقاومتها “الملهمة للشعوب” ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي كما ظهر جلياً في ردود فعل التحركات الشعبية والمنظمات المدنية عبر أنحاء العالم في كل المواجهات السابقة بين حماس وإسرائيل.

وختاماً إن بريطانيا بموقفها الأخير من حركة حماس لم تخرج عن السياق التاريخي لها بكل ما يحمله من جرائم اتجاه الشعب الفلسطيني، فهي المحتل الأساسي الذي قدم وعد بلفور للحركة الصهيونية، ومنحت عصاباته الفرصة لاستجلاب اليهود الغرباء من شتى أصقاع الدنيا ليحلوا محل أصحاب الأرض منذ آلاف السنين.

إني حقيقة أرى أن موقف بريطانيا أعاد الصراع واضحاً إلى أصله التاريخي ولعله يكون في إفاقة لشعوبنا ولكل من يحمل فكر المقاومة من خلط الأوراق وتشتت الرؤى، فهذا القانون هو اتساق حقيقي مع عقيدة بريطانيا واستحقاقاتها منذ وعد بلفور واتفاقية (سايكس بيكو) لتمكين الصهاينة من فلسطين.

إن ما حدث هو امتداد تاريخي لصراع عقائدي مستمر حتى يومنا هذا، ويعيدنا للسردية الفلسطينية الأصلية، التي تؤكد للضمير الجمعي لشعوبنا العربية والإسلامية أنه يجب باستمرار النظر “للقضية الفلسطينية” ليس على إنها قضية حركة أو فصيل بل على إنها قضية أمة وشعب ووطن.

المصدر : الجزيرة مباشر