التنظيمات الإسلامية وإنسان التغيير المنشود “تدقيق المفاهيم”

كثير من الحركات الإسلامية التي تتخذ منهج البيعة شرطاً للعلاقة بين الأعضاء والقيادة أحدثت خلطا مربكا بين المفاهيم الشرعية التي تستند للنصوص من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وبين العلاقات والروابط التنظيمية التي تستند للفكر الإداري والتنظيمي المعمول به في الكيانات الطوعية في مختلف الأنظمة والبلدان.

وقد عقدت ندوة في ميلانو في كانون الأول/ ديسمبر 2018 عن الحركة الإسلامية وآفاق التجديد، تناول مفهوم “البيعة”، عمود الخيمة للتنظيمات والحركات الإسلامية في العصر الحديث.

كان أهم خلاصة للندوة أن “أحكام البيعة الشرعية لا تنطبق على العلاقات التنظيمية”، وأن العلاقات والمفاهيم الشرعية التي اعتمدها علماء الأمة وفقا للنصوص الدينية بين إمام المسلمين وخليفتهم في جماعة المسلمين الجامعة، تختلف تماما عن العلاقات والمفاهيم الإدارية وفقا للوائح التنظيمية لجماعة من جماعات المسلمين العاملة فى مجال الدعوة (الاخوان المسلمون نموذجاً).

منطقة الوفاق والاتفاق

في جماعة المسلمين الجامعة ندخل منطقة التكاليف الشرعية الخمسة المعلومة، فالعلاقة بين عموم المسلمين وخليفتهم المنتخب تحكمها البيعة الشرعية وما يترتب عليها من أحكام، فطاعة ولي الأمر واجبة شرعاً ما لم يأمر بمعصية، ومفارقة جماعة المسلمين الجامعة وخليفتهم تضبطها الأحكام الشرعية والنصوص الواردة فيها.

أما في جماعة التنظيم الإسلامي تكون في منطقة الاتفاق والوفاق وفقا للوائح والنظم، فالعلاقة ليست بيعة شرعية بالمعنى الكامل للبيعة بقدر ما هي نوع من الاتفاق الطوعي الذي له شروط انضمام وعضوية، وطاعة المسؤول أو الأمير أو القائد أو أيا كان مسماه الحركي لا تترتب عليها أحكام شرعية لكن ضوابط إدارية تنظيمية، ومغادرة الكيان أو التنظيم لا صلة لها بالأحكام الشرعية لكن بمدى قدرة العضو المعنوية والفكرية والمادية على الاستمرار أو المغادرة والترك، فربما لم يجد العضو ضالته الفكرية والنفسية داخل هذا الكيان أو ذاك، فتركه ليعمل لدعوة الله منفردا أو في كيان آخر، المهم أن يبقى عاملا لدعوة الله وفق طاقته، وأن يغادر أو يفارق أمر تحكمه الأخلاق العامة في العلاقات الإسلامية والإنسانية من حفظ الود والوفاء الجميل، وحفظ ما يتعلق بالآخرين من خصوصيات كان مؤتمنا عليها وأن يمسك لسانه لأنه محاسب على ما يقول، سواء فيما يخص التنظيم أو أفراده أو بصفة عامة.

على الطرف الآخر تراعي الجماعة أو التنظيم نفس الأخلاق العامة، فلا تصف العضو المغادر بأنه متساقط أو خائن أو ناكث بالعهد والبيعة، وغير ذلك من الأوصاف والكلمات الممنوعة شرعا بصفة عامة في علاقات الخلق ببعضهم البعض.

الاختراق الأمني

وهذه النقطة تدفعني لنقطة أخرى أهم وأخطر، ألا وهي استغلال أجهزة الأمن هذه الثغرات -الفهم غير المنضبط- لكي تخترق تلك الحركات وتوجه مسارها.

ومن هذه الثغرات قبول عدد لا يستهان به من القيادات الوسطى للإخوان بالسلبية التامة وهو تشوه تربوى تم لشخصياتهم بفعل خلل في التربية التنظيمية، هذا الخلل جعلهم يغفلون عن ما كتبه الإمام البنا تحت “ركن الثقة” في “رسالة التعاليم” حين عرض مستلزمات منح الثقة وحجبها، وأيضا يغفلون عن ما كتبه الإمام البنا في ذات الرسالة أيضاً تحت عنوان “الطاعة” عندما ربط بين نوع الطاعة ونوع ما تقوم به الجماعة.

إن التغافل عما رسمه الإمام البنا سواء أكان سهوا أم عمدا؟ وسواء أكان بحسن نية أم بسوء نية؟ أدى إلى تكوين شرائح ليست قليلة من القيادات الوسطى تعتقد أن تنحية الشخصية والعقل في حقها هو من مكارم الأخلاق الحركية التنظيمية، ومن ثم رأت هذه الشرائح أن منح الثقة لمن لم يتعرفوا عليهم ولم يعرفوا ظروف حياتهم ولم يطمئنوا إلى كفاءتهم ولم يطمئنوا إلى إخلاصهم وطاعة هؤلاء المجهولين طاعة عمياء وخضوعهم واتباعهم وعدم مناقشتهم، اعتبروا هذا من مكارم الأخلاق الحركية والتنظيمية ومن مكارم أخلاق الجندية، وبلغ بهم الأمر أن تصوروا أن الخروج من الحالة السلبية هو من نواقض الجندية التي يتعبدون بها!!، فكان من أجهزة المخابرات في مصر أن فطنت إلى هذه الثغرة التربوية الخطيرة وعملت على  توظفيها فى السابق، والآن تقوم باستغلالها وتستكمل النفاذ منها إلى إدارة تنظيم الإخوان.

لابد من سد هذه الثغرات، بأن لا يتبع الصف ولا القيادات الوسطى من لم يستجمع مستلزمات استحقاق الثقة التي وردت في “رسالة التعاليم”، وأيضا بأن يعود فقه الطاعة إلي ما سطره الإمام البنا في نفس الرسالة، فننظر ماذا تعمل الجماعة ونختار شكل الطاعة الذي حدده الإمام البنا لهذا النوع من العمل، ومن يريد أن يعرف ماذا كتب الإمام البنا في ذلك فليراجع “رسالة التعاليم”، لأنه لابد من علاج التشويه التربوي الذي حدث للصف وللقيادات الوسطى خاصة ما بعد عام 1985.

الخلاصة:

  • الانضمام للجماعات الإسلامية يخضع لشروط الانضمام والعضوية ولا صلة له بالبيعة الشرعية.
  • ترك أو مغادرة الجماعات لا تترتب عليه أحكام شرعية، لكن تحكمه منظومة القيم والأخلاق العامة في العلاقات الإنسانية.
  • العمل لدعوة الله له أحكامه الشرعية، لكن شكل العمل في جماعة أو منفرداً تحكمه الظروف الشخصية والفكرية والنفسية.
  • الاستدلال بالنصوص الدينية في الانضمام للتنظيمات أو تركها أو في العلاقات فيما بينها، صدر في الغالب من مصادر غير علمية أو بخلفيات سياسية أو مشاعر عاطفية لا علاقة لها بالفهم الشرعي الصحيح.
  • استدعاء النصوص الدينية لاستكمال الأبنية التنظيمية والسياسية ومن ثم تأسيس قواعد فقهية لا أصل لها فيه خطر كبير لأنه يعطي للوسائل المتغيرة حكم المقاصد الثابتة.
  • الثقة في القيادة بعد انتخابها تحكمها صيغة تعاقدية فهي ليست مطلقة، وتستحق القيادة الاتباع والبقاء في مكانها بمقدار ما تحققه من أهداف الحركة وفق سياسيتها التنظيمية ومقدار التزامها بأركان العقد الشورى وكذلك الجهد المبذول في إنجاح العمل والارتقاء بالحركة، ومن ثم تكون الثقة هي مصدر الاتباع والطاعة المبصرة.

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر