لماذا يستمر بقاء نظامي الأسد وكيم جونغ أون؟

عوامة في مهرجان احتفالي للزعيم الكوري (2015 - رويترز)

تقريبًا كل شيء متشابه، وقديماً قالوا: الطيور على أشكالها تقع، تصحيفاً الاسمين: “سوريا” و “كوريا”..

الفارق في حرف واحد “الكاف” في مقابل “السين”، وبالمناسبة كلا الاسمين ليسا عربيين .

التشابه ليس في الاسم فحسب بل: التقارب في التعداد السكاني والمساحة الجغرافية ثم الانحيازات السياسية.

الدولتان يحكمهما نظامان صنفا من ضمن أسوأ الأنظمة ديكتاتورية في العالم، ومن أبشع الأنظمة كذلك انتهاكاً لحقوق الإنسان، ومع ذلك ما يزال كلا النظامين قائمين ومستمرين رغم الحصار الدولي والحروب والانهيار الاقتصادي، ما يطرح التساؤل: كيف لنظامي (بشار الأسد) و (كيم جونغ أون) الاستمرار رغم كل عوامل السقوط والفناء الداخلية والخارجية؟

 

سر البقاء

إنه سؤال صعب لكن اجابته بسيطة حينما ندرك حكم التشابه والتطابق في العوامل ذاتها للنظامين مع تعاطي النظام الدولي مع بقائهما ضمن منظومة القوة الدولية، فالعالم الذي يصف نفسه بالعالم الحر ويدعو للديمقراطية وحقوق الإنسان، ونقصد بذلك العالم الغربي والولايات المتحدة الأمريكية رأس الحربة فيه، قد يتآمر على أنطمة ديمقراطية ومستقلة ويسقط أو يسمح بسقوط أنظمة ديمقراطية منتخبة عن طريق الانقلابات العسكرية أو غيرها ويتماهى مع انهيار انظمة ديمقراطية تملك عوامل الاستمرار الشعبي لكنه يتحول لحساب مصالحه سريعا في حالة الأنظمة القمعية ليتعايش معها ويتغاضى عن قمعها بل وقد يدعمها من أجل مصالحه ..
وهنا ما المصلحة من بقاء نظامي الأسد في سوريا وأون في كوريا الشمالية؟ وهل استمرار النظامين فعلا هو على عكس رغبة الغرب والولايات المتحدة وأن موازين القوة ترغم الغرب والولايات المتحدة على القبول بنظامين يراهما الغرب والولايات المتحدة خطراً عليهما؟

الحقيقة أن الاجابة تحمل شقين مختلفين: 

الأول: أن الغرب وما يسمي نفسه العالم الحر لا يعنيه حقوق الإنسان ولا الديمقراطية لغيره وإنما يعنيه مصالحه وأمنه، والمنظومة القيمية للغرب كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري مختلة وهي برجماتية لا يهمها القيم والمبادىء لغيرها ولا الخير لبقية العالم وإنما المصلحة لنفسها فقط.

وبالتالي عندما يشعر الغرب بالخطر على نفسه يتحرك للدافع عن نفسه من دون الاكتراث بطبيعة الخطر، وهل هذه الأنظمة التى تمثل الخطر ديكتاتورية أم ديمقراطية.

في الحالتين السورية والكورية الشمالية، لا يتعامل الغرب مع منظومة القيم، وإنما مع منظومة المصالح.. فكلا الدولتين ذي نظام ديكتاتوري، لكن كلاهما في معسكر روسيا والصين وهذا هو المهم، وإلا فالغرب يدعم أنظمة ديكتاتورية آخرى لأنها في معسكره كما في المنطقة العربية حيث تُدعم الأنظمة الاستبدادية من أجل الحفاظ على المصالح ومن أبرزها الطاقة وأمن إسرائيل.

لكن الغرب والولايات المتحدة يعاديان النظامين السوري والكوري الشمالي بحذر، ففي المقابل خسائر قد تكون فادحة تنعكس بالضرر على مصالحه وما حلف شمال الأطلسي عنا ببعيد.

الثاني: هو أن النظامين السورى والكوري الشمالي رغم كل عوامل الفشل الاقتصادي والسياسي إلا أن بقاءهما مع استمرارهما في الحكم بات أمرًا طبيعياً بمقايس السياسة، وفي ظل الحسابات والتوازنات فإن الغرب سيعجز عن إسقاطهما، فالأمر ليس حصارًا وغزواً كما في العراق أو انقلابًا عسكريًا يدعم في دولة أفريقية أو عربية أو إزاحة ملك ليحل محله ابنه أو أحد افراد العائلة المالكة.

فكلا النظامين المتشابهين كما سيأتي لديهما تقريبا نفس عوامل البقاء والاستمرار:

يتشابه كل من النظام في سوريا بقيادة بشار الأسد، والنظام في كوريا الشمالية بقيادة كيم جونغ أون، في الكثير من الصفات والسلوكيات والظروف التي جعلتهما متقاربين أو متطابقين في الوصف الديكتاتوري والقمعي.

كلاهما نظام عائلي لسلالة تمثل الأقلية ورثا الحكم في نظام غير ملكي تحت مسمى جمهوري وبرلماني والعجيب وصف الدولتين في تعريفيهما بالجمهورية والديمقراطية كما في كوريا الشمالية أو وصف الجمهورية في سوريا.

كلا العائلتين حكمتا البلدين لعقود من الزمن، وما يزالان بقوة الجيش لا بالانتخاب أو الديمقراطية، ويعززان القوة الأمنية والانغلاق على الخارج تحت شعار الثورة والاستقلال عن الإمبريالية العالمية!

يحكم الرجلان بأعمارهما الصغيره مقارنة بمتوسط أعمار الحكام في العالم البلدين بطريقة السياسة الأمنية القمعية للشعبين، ويتشابه كلاهما في العنف المفرط..

فكلا البلدين ينفذان أحكام الإعدام السياسية بالظن ولأسباب تتعلق بالشك في الولاء، ويصل ذلك لإعدام أفراد مقربين وأقارب، فقد أعدم بشار الأسد واغتال عددا من أبرز رجاله كما فعل كيم بإعدام زوج عمته ومستشاره السياسي والرجل الثاني في نظامه، وقدم العزاء لعمته بشكل رسمي بعد تنفيذ الإعدام.

ويتشابه كل من الأسد وكيم أون في أنهما يفرضان “التمجيد” لشخصيهما على الشعب، ويعملان على صناعة هذا “التعظيم” وإضفاء هالة من التبجيل على شخصيهما بقداسة وتأليه، وهذا ظاهر في نظام الأسد منذ تولي حافظ الأسد الحكم، فربط اسم سوريا باسمه، وأصبح أنصار النظام يطلقون على سوريا اسم “سوريا الأسد”، ويرفع شعار “الله وبشار وسوريا وبس”، كما ترفع صوره في المدارس والشوارع والمؤسسات والمحلات في كل مكان، ويجرم القانون مجرد انتقاده.

أما كيم فيعتبر تعظيمه تقديساً فالركوع لصورته أمر مفروض وانتقاد حكمه يصل للإعدام، كما يبث تلفزيون كوريا الشمالية وهو التلفزيون الوحيد المسموح له بالبث هناك مقاطع فيديو وصوراً لأنصار كيم وهم يركضون وراءه ويتدافعون من أجل الحصول على لمسة من طرف ثيابه، ويهتفون بحياته، بالإضافة إلى التغني في الإعلام والمدارس بإنجازاته.

وتبقى معالم الشيوعية بارزة في كل تصرفات كيم باعتباره أخر قلاع الشيوعية المتطرفة في العالم.

اعتماد الأسد وكيم

إن استمرار هذه الأنظمة رغم كل عوامل الدمار الاقتصادي والسياسي والاحتقان الداخلي والحصار المفروض من العقوبات الأمريكية والغربية وراءه عوامل أقوى تجعل هذه الأنظمة الاستبدادية مستمرة وقوية.

يعتمد الأسد وكيم على دول كبرى وبعضها عظمى لضمان بقائهما في السلطة، فالصين وروسيا وحديثاً إيران يدعمان الأسد وهذا هو الحال مع كيم ويرفع الجميع شعار المعاداة للهيمنة الأمريكية الغربية ولو ظاهراً.

منذ اندلاع الثورة السورية في 2011 وروسيا وإيران تدعمان الأسد بالقوات والمال وتعد الدولتان سبباً رئيسياً في عدم الإطاحة به حتى الآن، فهما تساعدانه عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، وتمدانه بالقوة لمواجهة الثورة والمعارضة..

كما أن لهذه الدول “محور روسيا” قوات نظامية تسيطر على مفاصل البلاد، ولولا هذا الدعم ما بقي بشار في الحكم ساعة واحدة.

أما كيم  فيعتمد بشكل أساسي على الصين، فهي الجارة الشمالية المتلاصقة في حدود ضخمة وهي تساعده في التجارة وتوفير كميات كبيرة من الوقود ودعم استثماراته لجذب العملة الأجنبية، كما تفتح له الأسواق والأبواب الخلفية متحدية الحصار والعقوبات الأمريكية، كما تدعمه سياسيا وتجاريًا، وتتبادل إيران معه السلاح كما تلعب روسيا دورا هاما في دعم كوريا الشمالية في جميع المجالات لا سيما العسكرية والدبلوماسية.

كتالوج الدولتين

ومن التشابه في كاتلوج الدولتين التابعتين لمعسكر روسيا والصين امتلاك السلاح الكيماوي المحظور دولياً واستعماله ضد شعبيهما، فالأسد استخدم خلال الثورة السورية السلاح الكيماوي بشكل واضح على مرأى من العالم كله، وتسبب بقتل ما لا يقل عن 1650 شخصا، بينهم نحو 1550 في هجوم كيماوي في مجزرة الغوطة الشرقية في أغسطس 2013، بالإضافة إلى وفاة 100 شخص في الهجوم الكيماوي الأخير على مدينة خان شيخون في ريف إدلب يوم 4 أبريل 2017.

وكان لدى الأسد ترسانة كيميائية ضخمة، يقوم بتطويرها وتوصلت روسيا وأمريكا وبضغوط من مجلس الأمن لاتفاق عقب مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، يقضي بتدمير المخزون الكيماوي للأسد، إلا أنه ما يزال يمتلك أسلحة كيميائية يشن بها هجومه ضد السوريين.

أما كيم أون فقد حول منظومته الكيماوية ليطورها ولينفذ حلمه في تقوية بلاده بالأسلحة النووية، وفي العام 2006 قالت حكومة كوريا الشمالية إنها أجرت بنجاح أول تجربة نووية، كذلك أجرت في العام 2016، اختباراً نووياً تحت الأرض في موقع الاختبار النووي بمنطقة بونغ كيه ري، وقالت وسائل الإعلام الكورية الشمالية حينها إن “البلاد نجحت في اختبار قنبلة هيدروجينية”.

كل هذا والنظام الدولي والغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يقف متفرجًا على ما يحدث في ترسانة السلاح الكيماوي والنووي ورغم أنهم حظروا على الأسد النووي حفاظًا على إسرائيل إلا أنه غير مستبعد في مستقبل أسرة الأسد المدعومة إقليميًا والمسكوت عن جرائمها دولياً أن يسمح الغرب في غفلة ما أو تغير في القوى العالمية بامتلاك النووي كما الحال في كوريا الشمالية.

ومن المعلوم أن كيم وبشار يدعمان بعضهما وبينهما تحالف سياسي واضح في مجالات العمالة والدعم التقني والعسكري منذ تحالف أسلافهما في منتصف السبيعنات ويظهر هذا الدعم ما رآه العالم في فضيحة السفينة الكورية الشمالية التى كانت تحمل مواد كيماوية متطورة اتجهت من كوريا الشمالية إلى سوريا.

كما دعم كيم الأسد بعد مجزرة الكيماوي وبعث له رسالة في أبريل2017، يهنئه فيها بمناسبة “عيد الجلاء”، كما بعث برسالة أدان فيها الهجوم الصاروخي للولايات المتحدة على مطار الشعيرات بعد مذبحة الكيماوي في سوريا.

ووصف كيم الهجوم بالمتهور وأعرب في رسالته عن دعمه وتضامنه القويين لتحقيق العدالة التي قال إن حكومة الأسد تتمسك بها.

إن الغرب والولايات المتحدة يعرفان أن دخول حرب بالوكالة ضد حلفاء روسيا والصين أمر مكلف وله تبعات ومن المصلحة لهما بقاء أنظمة استبدادية يتم استغلالها لمصالح داخلية وخارجية، والتعامل مع عدو تقليدي ديكتاتوري خير من صناعة عدو قوى ومستقل أتى بالديمقراطية، فالربيع العربي قد يكون أكثر خطرًا من نظام كيم وبشار، مالم تكن المصالح غالبة.

المصدر : الجزيرة مباشر