الحملة على فيلم ريش .. من وراءها؟!

عمر الزهيري مخرج فيلم "ريش"

طرحت أزمة فيلم (ريش) سؤالا مهماً.. متى نتعلم احترام رأي الآخر مهما كان مختلفا معنا؟ كما كشفت أن تعبير الإساءة إلى مصر: تعبير فضفاض يحمل بين طياته رسالة إلى كل شخص مختلف، رسالة فيها تخوين وتشكيك في الانتماء الوطني.

وكشف المزايدون من الفنانين والفنانات باتهامهم للفيلم بالإساءة إلى مصر، بينما الحقيقة غير ذلك؛ مخرج غير مشهور استطاع بفيلم تكلفته بسيطة، وبممثلين هواة أن يحصل على جائزة من مهرجان كان العالمي من بين حوالي 4000 فيلم مصري بين الروائي والتسجيلي الطويل والقصير تم إنتاجها عبر تاريخ السينما المصرية، لم يحالف الحظ أحدهم للفوز بهذه الجائزة، كما حصل على جائزة من أحد مهرجانات الصين، وفى مهرجان الجونة.

أما عن الممثلين الذين صدمتهم حالة الفقر، ورفضوا أن يعترفوا بوجوده، واعتبروا الفيلم يسيء لمصر، بعد أن تلبستهم حالة الوطنية، وخوفهم على سُمعة الوطن بشعارات مطاطة، فالسبب يرجع إلى غيرتهم الفنية من الفيلم وصناعه وأبطاله، فهم طوال حياتهم في تمثيل أفلام العري والشذوذ لم يحصلوا على أي جائزة؛ لا داخليا ولا خارجيا.

وهناك سبب آخر مهم حرك هؤلاء المعترضين، فاعتراضهم رسالة لمن يتولون الآن السيطرة على السينما والدراما في مصر بعد أن أصبحت في أيدي جهات رسمية “نحن هنا تذكرونا”!

الحرام

في عام 1965، قبل 57 عاماً، شهدت السينمات المصرية العرض الأول لفيلم (الحرام)، ورصد الفيلم معاناة طبقة كاملة، سواء على مستوى الأحداث، أو حتى في ملابس الأبطال البالية، وفي عام 2001، شهدت دور العرض فيلم (اللبيس) بطولة شريف منير، وكانت أقصى معاناة رصدها الفيلم أزمة (لبيس) يسكن في غرفة على النيل، ديكورها وأثاثها يليق بالفيلات والقصور، وانتهى الفيلم بنهاية سعيدة بعد أن تحول (اللبيس) إلى ممثل مشهور، وتزوج ممثلة أكثر شهرة.

ورغم الفارق الزمني بين الفيلمين، إلا أن “الحرام” تم تصنيفه في المركز الخامس ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية في استفتاء النقاد، ونجح في الوصول للعالمية من خلال ترشحه لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1965، بينما فشل (اللبيس) في الحصول على أي نجاح يذكر.

والآن يبدو أن مقاطعة فيلم عن الفقر صار عملا وطنيا أكثر من محاربة الفقر نفسه، وأصبح الأغنياء لا يتحملون رؤية الفقراء حتى في السينما، فمع عرض فيلم (ريش) في مهرجان الجونة، وهو أول فيلم مصري يفوز بالجائزة الكبرى في أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي أثناء عرضه خلال الدورة الـ74 للمهرجان العالمي، قرر الممثل شريف منير، بطل فيلم (اللبيس)، إعلان انسحابه من مشاهدة العرض، مبررا ذلك بجرح مشاعره من مشاهدة بعض مشاكل الغلابة في العشوائيات، وفي مداخلة له على شاشة احدى الفضائيات، صرح منير بأن مثل هذه المشاكل لم تعد موجودة على أرض الواقع، وأن العشوائيات انتهت من مصر، ولكن تصريحات بطل (اللبيس) تتنافى مع مبادرات الحكومة في “حياة كريمة”، و”تكافل وكرامة”، وتصريحات الحكومة أن حل أزمة العشوائيات لن يتم قبل 10 سنوات.

دعاية مجانية

ومثل الدبّة التي أرادت أن تحمي صاحبها، فقتلته، ارتدت الطلقة التي أطلقها شريف منير ورفاقه في صدورهم، وفي صدر مَن أرادوا منافقتهم، حيث جاء الرد عليهم سريعا في الدفاع عن الفيلم وأبطاله ومخرجه، وبحث الناس سريعا عن قصة الفيلم، ومعرفة أبطاله، وشاهدوا النسخة المسربة منه، ليكون الرد أن ما شاهدوه في الفيلم يعيشون مثله، ويعرفون مَن يعيش أسوأ من ذلك، وأن ما شاهدوه في فيلم (ريش) أقل مما يشاهدونه من حالات تعيش في القاع، ولا تجد لها مأوى، مثل بطلة فيلم (ريش).

الغريب أن شريف منير قد نسى دور (يوسف) في فيلم (الكيت كات)، وحالة الفقر التي كان يعيش فيها، والتي كانت تدفعه للهجرة خارج البلاد، وقصص الخيانة والحمامات المشتركة، كما أنه قد يكون قد نسي دوره في فيلم (هستريا)، والذي جسد دور شاب يرتدي ملابس فتاة لعوب ليصطاد الرجال؛ لكي ينفق على نفسه.

 

الفقر بالأرقام

بعيدا عن شريف منير وما فعله؛ فإن إنكار الحالة الاقتصادية وحالة الفقر لن يغير من الحقيقة، ونرد عليه بتقرير البنك الدولي الصادر عن شهر أكتوبر الجاري، الذي أشار إلى ارتفاع نسبة الفقر في مصر والبالغة 29.7% للعام 2019 عن النسبة التي كانت موجودة عام 2015 قبل تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي سنة 2016.

وجاء في تقرير البنك الدولي إقرار بزيادة نسبة الفقر من 27.8% سنة 2015 إلى 32.5% عام 2017، وأنه على الرغم من انخفاض نسبة الفقر سنة 2019 إلى 29.7%، لكن هذه النسبة لا تزال مرتفعة باعتبار أنها أعلى من النسبة المسجلة عام 2015 قبل تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في 2016 بعد تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار. ولفت التقرير إلى التباينات المكانية في معدلات الفقر، حيث بلغ معدل الفقر في الريف 37.7% مقارنة بنسبة 24.8% في الحضر، إضافة لأن نسبة 50% من سكان صعيد مصر يقعون تحت خط الفقر، كما أن نسبة 83% من الفقراء يعيشون في مساكن منخفضة الجودة بجدران إسمنتية، و18% لديهم أرضيات ترابية، وأن الأسر الفقيرة لا تحظَى بفرص الحصول على خدمات أو سلع عالية الجودة، وافتقار معظم الأسر المصرية لخدمات مياه شرب نظيفة بشكل منتظم وخدمات صرف صحي حديث.

وتقرير البنك الدولي أكد أيضا، أنه رغم زيادة نسبة السكان الذين يعيشون على 3.2 دولار يوميا من 18.2% سنة 2015 إلى 28.9% عام 2017، ونمو نصيب الفرد من الناتج المحلي؛ إلا أن نسب الفقر ارتفعت، وهذا مخالف لتجربة البلدان النامية المماثلة لمصر، وأشار التقرير إلى أنه بين عامي 2015 و2017 انخفض دخل جميع الأسر؛ بسبب موجة التضخم الكبيرة عقب تحرير سعر الصرف.

ولا عزاء للفقراء.

المصدر : الجزيرة مباشر