الصين تقطع رؤوسا لتصنع أذرعا إعلامية

النجمة السينمائية المختفية

شاهد الصينيون ليلة السبت الماضي النجمة السينمائية الشهيرة زاو وي Zhao Wei   للمرة الأخيرة، قبل أن تحجب السلطات الصينية كل حساباتها على شبكات الإنترنت.

فوجئت الجماهير أن الممثلة المحبوبة التي تعرض أفلامها على شاشات السينما والتلفزيون وكل وسائل التواصل الاجتماعي المجانية والمدفوعة، قد أزيلت أعمالها وكل المعلومات عنها من وسائل الإعلام ومحركات البحث والتواصل الاجتماعي في لمح البصر، بعد أن وضعتها السلطات في القائمة السوداء. اتهمت السلطات الممثلة التي يقلدها أبناء الجيل الحالي، بأنها أساءت التصرف في حفلات أقامتها مؤخرا.

اختفت النجمة، منذ أيام ولا يعرف أحد مصيرها، كما اختفت من قبل الممثلة الأكثر شهرة وتأثيراً، بان بنغ بنغ Pan Bing Bing، لمدة أربعة أشهر، ورغم أنها قالت إن ابتعادي عن الأضواء جعلني أكثر هدوءً وجدية، فإنها لم تعد لعملها إلا بعد أن تبرعت للحزب الشيوعي الصيني بمبلغ 15 مليون دولار.

أثارت هذه القرارات شباب الصين، الذين هالهم أن يصيب نجومهم ما يصيب النشطاء السياسيين ورجال الأعمال الذين يخرجون عن طوع الحزب الحاكم، وعذرهم أنهم لا يدركون لماذا يمحو الحزب من ذاكرة الشعب من لا يجده أداة مطيعة في يده؟.

زاو وي

الشجرة العالية تقطع أولاً

فالحزب الشيوعي يفخر دوما بأنه يضع رقابة مشددة على الكلام، ويمارس قبضة حديدية على الجميع، ويرفع شعار” الشجرة العالية تقطع أولاً” بما يجعل أي رأس قابلة للقطع، إذا شعر بأن صاحبها” أصبح مشهورا أكثر من اللازم”، لأنه لا أحد فوق الحزب والحزب دائما هو المنتصر. لم يتورع الحزب أن يطيح بأكبر رجال أعمال في الصين وهو جاك ما مؤسس امبراطورية مجموعة ” على بابا” الشهيرة.

فقد اختفى جاك ما أربعة أشهر العام الماضي لانتقاده سياسة الحزب الشيوعي في إدارة سوق المال، وبعد ظهوره لمرة واحد اختفي منذ يناير الماضي، ولم يعد رغم تبرع شركاته لأعمال خيرية يشرف عليها الحزب الشيوعي بنحو 15.5 مليار دولار. أكدت الحكومة الصينية بتصرفاتها مع جاك ما أنها هي التي تحدد أية معلومات تقال للشعب، فرغم موافقة بعض أعضاء الحزب على ما ذكره من انتقادات، فإنها تريد أن تعلمه وغيره متى يتكلم وأين يكون الكلام؟، وفي كل الحالات لا يجب أن يقال خارج نطاق الحزب وبخاصة أمام الأجانب وأجهزة الإعلام.

لم يكن جاك ما الحالة المفردة، بل سبقه المليونير زهو زينغ يي Zhao Zheng Yi، إلى السجن لمدة 16 عاما، لأنه طالب بحرية المواطنين في الاطلاع والتعامل على الإنترنت. لا يعرف الناس مصير أملاكه التي تزيد عن 320 مليون دولار، ولا غيره من أصحاب المليارات الذين اختفوا لأسباب أخرى خلال السنوات القليلة الماضية.

 

اختفاء بعد محاضرة

 

رغم الرقابة المشددة مازال شباب الصين يتتبعون أي أخبارعن الدكتور ليو شينانغ Luo Xiang مدير معهد دراسات الجريمة في بكين، والذي اختفى بعد محاضرة ألقاها على الهواء مباشرة، عبر موقعه حول قانون الإجراءات الجنائية.

شرح الرجل الذي بدا متحفظا في المحاضرة الأخيرة بعد أن ” تلقى تحذيرا من مسؤول بعدم التحدث في الأمور الشائكة”، عن إجراءات محاسبة عصابات الاتجار في أعضاء البشر الذين يسرقونها من المرضى الفقراء والمشردين، الذين يعيشون بجوار مكبات القمامة حول المدن الكبرى.

وتساءل الرجل في المحاضرة التي تابعها نحو 15 مليون شخص من محبيه الدائمين، على موقعه Bilibili  وصفحته على موقع Weibo.comعن ضرورة حماية حقوق هؤلاء الفقراء من الموت جوعا أو بيع أجسادهم بالقطعة، وفقا للقانون الجنائي الصيني، خاصة أنه يتم استغلالهم أولا في عمليات بيع الدم عبر سماسرة محليين، مقابل وجبات الطعام، ثم يتطور الأمر إلى تقطيع أجسادهم وبيعها بعيدا عن عيون الحكومة. وتساءل كيف يتم ذلك رغم أن عمليات زراعة ونقل الأعضاء لا تجري إلا في المستشفيات التي تديرها الدولة؟. تسبب السؤال الكبير في محو كل صفحات وموقع الأستاذ الجامعي من وسائل التواصل الاجتماعي الصيني في لحظات.

 

إدارة ملف الإعلام

 

تدير الصين ملفات الإعلام بطريقة مزدوجة، تظهر الانفصام الشديد لدى الحزب الشيوعي الذي يملك عبر حكومته، كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وكل من يعمل فيها موظف لدى الدولة، عدا بعض الحالات المتبقية في هونغ كونغ وماكاو التي يسعى إلى تملكها أيضا. يضع الحزب ” حائط ناري “ Fire wall يطلق عليه حائط الصين العظيم، ليحول دون ظهور وسائل التواصل الدولية داخل الصين إلا بما تسمح به الدولة، وهو الأمر الذي يغرقنا في عزلة عن العالم كلما ذهبنا إلى هناك إلا إذا أتت الدعوة بالزيارة من الحزب الشيوعي أو جهة حكومية، حيث يحجزون للضيوف إقامة في فنادق فاخرة، بها قنوات دولية وباقة إنترنت تسمح بالتعامل على البريد الالكتروني فقط. يظهر الانفصام الصيني، بعدما جاء الرئيس الحالي شي جين بينغ ورفع منذ توليه رئاسة الدولة رسميا في 2013 شعار” ليكن صوت الصين عاليا”.

وفقا لهذه السياسة بدأت الصين تطويرا شاملا لكافة وسائل الإعلام في الداخل ومكاتبها في الخارج. أنفقت الحكومة مليارات الدولارات عبر لجنة الحزب للإعلام ووزارة الدولة للإعلام على المباني والتطوير التكنولوجي والتدريب. تلاعبت الصين بقوانين الدول الأوربية والأمريكية عبر إنشاء شركات إعلام محلية، للتغلب على مخالفتها لقوانين هذه الدول التي تحظر إنشاء الدول الأجنبية أي وسائل إعلام داخلها، خاصة التي تمارس الإعلام الدعائي ” Propaganda” بما يهدد أمنها القومي.

وظلت هذه الشركات تعمل حتى الآن، ولم تكتشفها إلا الولايات المتحدة، التي حظرت شركة GBTIMES التي أنشأت إذاعة في واشنطن، تمارس الدعاية وتوجيه أعضاء البرلمان والمواطنين لصالح الصين، وهو ما دفع الولايات المتحدة – وفقا لتقارير عديدة لوكالة رويترز للأنباء عام 2015-إلى تتبع شركات الإعلام التكنولوجيا وجماعات اللوبي التي ترتبط بالحكومة الصينية أو يديرها أمريكيون من أصل صيني بعد ثبوت خطورتها على الأمن القومي الأمريكي. ولأهمية هذه القضية- التي سنعود إليها فيما بعد – أن الطريقة التي استعملتها الصين بصعوبة في الغرب، أنشأت المئات منها في بلاد العرب، في الفترة الأخيرة الماضية.

 

عائشة وأخواتها

 

فالصين التي تحظر الفيسبوك خصصت للعديد من شبابها من المتحدثين باللغة العربية، حسابات خاصة مثل “عائشة الصينية” خريجة قسم اللغة العربية في جامعة بكين، وزميلتيها” فيحاء” و” شوي ” وغيرهم حسابات على الفيسبوك، بكل لغات العالم، لنشر رسائل يومية يشرحون فيها الأحداث الساخنة حول الصين من وجهة نظر الدولة.

تبرر عائشة وأخواتها الأفعال التي ترتكبها الصين ضد المسلمين في شينجيانغ، بعيدا عن الأسلوب الدعائي الذي تنتهجه وسائل الإعلام الرسمية. فالصين تبني منذ سنوات أذرعا إعلامية عبر السوشيال ميديا، وبخاصة على الوسائط الغربية و” توك توك” وتدفع ملايين الدولارات لوسائل إعلام محلية وكتاب عرب وأجانب للكتابة والتحدث عنها بإيجابية، ليعيدوا نشرها في وسائلهم المحلية، على اعتبار أنها شهادات دولية تظهر مدى كفاءة أداة الحزب الشيوعي ورجاله في إدارة الدولة.

حققت الصين التفوق الاقتصادي، وتعلم أن هذا يحتاج دعما عسكريا لم تحققه بعد، ولكنها تحتاج إلى القوة الناعمة، التي لا تملك مقوماتها الآن من أعمال سينمائية أو مسلسلات وإعلام حر أسوة بالولايات المتحدة، ولكن لديها المال الذي يحرك صناعة الإعلام. فهي تحتاج للصوت العالي وتلعب على النفس الطويل، وتسير على نهج الإعلام النازي وما كانت يفعله الاتحاد السوفيتي من قبل، وأثناء سيرها لبناء أذرعها الإعلامية توقن أن الكلمة أخطر من الرصاص وأن الإعلام الحر يمثل خطورة أكبر على النظام الشمولي الذي تديره والأنظمة الديكتاتورية التي تتحالف معها وتروج لنظم صناعة الأذرع الإعلامية بالمنطقة.

الشرطة الصينية تفرق مظاهرات في ذكرى مرور مئة عام على تأسيس الحزب الشيوعي

 

المصدر : الجزيرة مباشر