الولايات المتحدة تزاحم النفط العربى فى أسواقه التقليدية

  تصاعد المركز الأمريكى التصديرى للغاز

شهدت الشهور المنقضية من العام الحالى ارتفاعا حاداً لأسعار الطاقة سواء النفط أو الغاز الطبيعي أو الفحم، حيث زاد سعر خام برنت من متوسط 42.3 دولار للبرميل عام 2020 الى 74.6 دولار كمتوسط بشهر سبتمبر الماضى بنسبة نمو 76 %، وتخطى السعر الثمانين دولاراً خلال الشهر الحالي وكذلك فى العقود الآجلة خلال شهر ديسمبر القادم، كما زاد سعر الخام الأمريكى بنسبة 82 % بنفس شهور فترة المقارنة.

وزاد سعر الغاز الطبيعى الأوربى من 3.24 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، الى 22.84 دولار بشهر سبتمبر بنسبة نمو 605 %، كما زاد الغاز الطبيعى بالولايات المتحدة بنسبة 624 % بنفس الفترة، كذلك زاد سعر الغاز المسال باليابان بنسبة 67 % بنفس الفترة، أيضا زاد سعر الفحم الإسترالى من 60.8 دولار للطن كمتوسط خلال عام 2020 الى 185.7 دولار بشهر سبتمبر الماضي بنمو 205 %.

وبالطبع فإن تلك الأحداث تزيد من موارد الدول المنتجة للنفط والغاز الطبيعي والفحم، إلا أن ارتفاع أسعار الغذاء والمعادن وسلع أخرى في نفس الوقت، باعتبارها مستوردة للغذاء سيقلل من الفوائض التى يمكن تحقيقها من زيادة أسعار الطاقة.

ويأتى عامل إضافى يقلل من إمكانية استفادة المنتجين العرب وغيرهم للنفط والغاز الطبيعي، وهو دخول الولايات المتحدة بقوة فى مجال تصدير النفط والغاز الطبيعي، بعد أن تحولت إلى دولة مصدرة صافية لكل منهما، ففي العام الماضي كانت الأولى فى إنتاج النفط الخام بالعالم، والرابعة في تصدير النفط الخام والأولى فى تصدير المشتقات البترولية دوليا كما تتصدر طاقات تكرير النفط بالعالم.

                                   تصاعد المركز الأمريكى التصديرى للغاز

وفى مجال الغاز الطبيعى تحتل الولايات المتحدة المركز الأول فى الإنتاج المُسوق من الغاز الطبيعي دوليا، كما احتلت المركز الثانى دوليا فى تصدير الغاز الطبيعي بالعام الماضي، وهو المركز الذي كانت تحتله قطر لسنوات، حيث ظل مركزها فى تصدير الغاز الطبيعى يرتفع خلال السنوات الأخيرة، من المركز الخامس عام 2016 إلى الرابع بالعامين التاليين على حساب كندا، ثم إلى المركز الثالث عام 2019 على حساب النرويج.

وتشير خريطة تصدير النفط الخام العربى خلال العام الماضى إلى استحواذ القارة الآسيوية على نسبة 95.6 % من صادرات الخام الإماراتي، و93 % لصادرات الخام الكويتى و73 % لصادرات الخام السعودى و69 % لصادرات الخام العراقي.

وقامت الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتصدير نفط خام للقارة الآسيوية بالعام الماضى بكمية 62 مليون طن، تمثل نسبة 5 % من واردات آسيا من النفط الخام، إلا أنها تتجه لزيادتها مستقبلا، مقابل نسبة حوالي 60 % من الدول العربية و11 % من الدول الأفريقية و8.5 % لواردات آسيا من الخام من روسيا.

وتمثل أوربا سوقا هامة لصادرات النفط الخام العربي، حيث اتجهت إليها نسبة 71 % من صادرات الخام الليبى و67 % من صادرات الخام الجزائري، و24 % من صادرات الخام العراقى و11 % من صادرات الخام السعودي، وقامت الولايات المتحدة بتصدير 58 مليون طن نفط خام لأوربا تمثل نسبة 12 % من واردات النفط الخام بأوربا.

وكانت الكمية الأمريكية أكبر من كمية صادرات العراق لأوربا والتى بلغت 45 مليون طن، وأكبر من كمية صادرات السعودية لأوربا من الخام البالغة 42 مليون طن.

                                  تقليل صادرات إيران وفنزويلا

وكانت الولايات المتحدة قد استطاعت خفض الصادرات الإيرانية من الخام، من خلال التهديد بالعقوبات للدول التي تستورد النفط الإيراني، حتى انخفضت كمية صادرات الخام الإيرانى بالعام الماضى الى 404.5 ألف برميل يوميا، مقابل 2.5 مليون برميل يوميا كانت تصدرها عام 2011، خاصة وأنها تحتل المركز الثالث فى الإحتيطات الدولية من الخام عالميا.

وكررت الولايات المتحدة نفس الأمر مع فنزويلا حتى إنخفضت كمية صادراتها من الخام بالعام الماضى إلى 487 ألف برميل يوميا، مقابل 2.1 مليون برميل عام 2007، وهي الدولة التي تحتل مكان الصدارة فى الاحتياطيات من النفط الخام بين دول العالم، ويقدر عمر ذلك الاحتياطى بأكثر من خمسائة عام من الإنتاج الحالي.

كما غضت الولايات المتحدة الطرف عن التدخل لحل الصراع الليبي، حتى انخفضت صادرات الخام إلى 347 ألف برميل بالعام الماضى مقابل 1.4 مليون برميل عام 2006، وهي الدولة الثامنة بالاحتياطيات الدولية من الخام، كما تساهلت الولايات المتحدة عند دخول القوات التركية لتحقيق التوازن بين طرفي النزاع بالشرق والغرب، وحتى يطول أمده المؤثر سلبيا على كمية الإنتاج.

وشملت المنافسة التى تسببها الصادرات الأمريكية صادرات المشتقات البترولية دوليا، حيث بلغت صادراتها للقارة الآسيوية بالعام الماضى حوالي 60 مليون طن، مقابل 45 مليون طن صادرات مشتقات من الإمارات لآسيا و21 مليون طن مشتقات من السعودية، وحوالي 15 مليون طن مشتقات من الكويت و13 مليون طن مشتقات من العراق.

وتكرر الأمر بالسوق الأوربية التي استقبلت حوالي 25 مليون طن مشتقات من الولايات المتحدة، مقابل 4 ملايين طن فقط من الإمارات العربية وأقل من مليوني طن من الكويت، حتى أن مجموع صادرات المشتقات من دول الشرق الأوسط جميعا لأوربا كانت أقل من 12 مليون طن.

كذلك اعتراض الولايات المتحدة على مد خطوط أنابيب نقل الطاقة بين روسيا وأوربا، والتي تساهم إضافة إلى الخطوط القائمة حاليا فى جعل سعر النفط والغاز الروسى رخيصا ومنافسا في أوربا، بينما يحتاج النفط والغاز الأمريكى الواصل لأوربا إلى إيجاد ناقلات وتحمل تكلفة النقل.

وتسعى الولايات المتحدة من خلال زيادة صادراتها من النفط والغاز الطبيعى تقليل العجز التجاري المزمن لديها، والذي بلغ 976 مليار دولار بالعام الماضى رغم انخفاض الواردات السلعية بنسبة 11.5 % عن العام الأسبق، لكن الصادرات السلعية أيضا انخفضت بنسبة 8 %.

ولهذا لن يكون أمراً مفاجئا إذا قامت الولايات المتحدة بعقد اتفاقات تصديرية مع بعض الدول على حساب الصادرات العربية، ومازالت صفقة الغواصات الأمريكية لأستراليا على حساب اتفاقها مع فرنسا حاضرا بالأذهان، خاصة وأن الولايات المتحدة تملك عددا من أوراق الضغط قد لا تملكها الدول العربية، حيث تنتمي لنفس العالم المسيحى والاقتصاد الحر مع أوربا.

ويمكنها استخدام الصادرات النفطية للصين المستورد الأول للنفط بالعالم ضمن مفاوضاتها معها للتقليل من حدة الخلافات التجارية بينهما، ويكنها اللجوء لغض الطرف عن الإنتهاكات التى تركبها الهند ضد المسلمين وكشمير مقابل زيادة صادراتها لها، وهي التي تمثل المستهلك الثالث للنفط دوليا، وكذلك استخدام المعونات الغذائية والفنية والمالية والعسكرية لفتح أسواق الدول النامية لاستقبال صادراتها.

 

المصدر : الجزيرة مباشر