اللاجئون، القنبلة الموقوتة في أوربا

من الفيلم الألماني "أنا كارل"

لم يتوقف الحديث عن قضايا اللاجئين وخاصة الذين قصدوا القارة العجوز منذ بداية الأزمات التي تحولت إلى حروب في معظم بلدان الشّرق الأوسط والبلدان العربية خاصة، بدءاً باللاجئين الذين فروا من حكم الطّغاة وانتهاء باللاجئين الذين هُجّروا قسرياً من بلادهم ولم يجدوا أمامهم فرصة للعيش الكريم سوى اللجوء إلى أوربا.

موجة اللجوء السّوري والأفغاني شكّلت القشة التي قصمت ظهر البعير فطافت على السّطح النّزعات العنصرية والكراهية الدّفينة لهؤلاء خاصة بين فئات الشّباب، الجيل الذي يعتبر نفسه قد فقد معظم مميزاته بسبب اللاجئين الذين “احتلوا” مكانه في العمل والجامعة، والشّارع، وأماكن التّسوق، والنّزهات. ظهرت الموجة بشكل أعنف وأوضح في “ألمانيا” التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين السّوريين ووفّرت لهم فرص الدّراسة والعمل وبرّز الكثيرون منهم في شتى المجالات حتّى وصل ثلاثة منهم إلى البرلمان من مدّة قصيرة.

تحدثت وسائل الإعلام والسوشيال ميديا كثيراً عن تلك الظّاهرة لكنّ السّينما تناولتها بطريقة مختلفة وسلّطت الضّوء على المشكلة المتفاقمة من خلال فيلم حديث “2021”، اسمه “أنا كارل” يحكي قصة شاب نازي يدعى كارل.

يتحدّث الفيلم عن عائلة مؤلفة من أم وأب وشابة وطفلين. عن طريق مواقع التّواصل يتعرّف الأب والأم على شاب ليبي لاجئ ويقومون بتهريبه بسيارتهم من “التشيك” إلى ألمانيا. تعود الفتاة الصّبية من زيارة جدتها في فرنسا ويحتفل الوالدان بقدومها، أثناء صعود الأب إلى البيت يصادف ساعي البريد وقد أحضر طرداً لجارتهم وهي غير موجودة في البيت، يستلم الأب الطّرد بالنّيابة ويضعه في البيت ثمّ ينزل ليحضر أشياء من سيارته ويحدث الانفجار.

تقتل الأم والطفلين وينجو الأب والابنة التي كانت خارج المنزل.

يتبعها شاب يحاول حمايتها من صحفية ومصور يلاحقانها، الشّاب يدعوها للسفر معه إلى “براغ” لحضور اجتماع للطلبة يتناقشون فيه بأمور مستقبلهم، يتكشف الفيلم عن حقيقة الشّاب النّازي الذي تنكّر بهيئة لاجئ “عدسات بلون أسود للعينين ولحية وملابس توحي بانتمائه” وأحضر الطّرد للعائلة كما قام بتفجيرات أخرى كي يُصّعد الهجوم على اللاجئين والمطالبة بطردهم كونهم يقومون بأعمال إرهابية في المدن الأوربية.

داعش الشّماعة التي صنعها الغرب وعلّق عليها كلّ خطاياه.

الفيلم يقولها صراحة إنّ من يقوم بالتّفجيرات هم اللاجئون الدّواعش، لا بدّ من القضاء عليهم وتطهير الأرض الأوربية من وجودهم؛ لأنّهم في يوم قادم وليس ببعيد سيسيطرون على كلّ شيء وينهون الوجود الأوربي.

لا يفرّق الفيلم بين لاجئ وآخر فالهدف هو المحافظة على “العرق الأبيض الصّافي” لكنّه يذكر الأفغان بالاسم الصّريح كمصدر أول للإرهاب في أوربا. والأفغان لا يعنون بالنّسبة للشباب في الفيلم القادمون فقط من أفغانستان بل أصحاب البشرة السّمراء والعيون القاتمة.

العنصرية النّازية

تجلت العنصرية في الشّعارات التي يرفعها الشّباب من خلال الأغاني والرّقص، والخطابات التي برع فيها كارل. (تباً لحكوماتنا ترى ما يحدث ولا تحرّك ساكناً) (المواطن الآمن حقيقة ممكنة لكن علينا أولاً أن نتخلّص من المسؤولين عن هذه السّياسات الإجرامية، يمكننا حماية مؤسسات أوربا بأن نشغلها ما دمنا أحياء عن طريق إحياء أوربا؛ لهذا اجتمعنا هنا في براغ، سننقذ أوربا بأن نحفظ هوية “أوربا” يا رفاق. نحن أوربا الجديدة!)

عشيقة كارل المغنية التّشيكية تمثل أمام الكاميرا فيديوهات عن اغتصاب الفتيات من قبل اللاجئين “لسنا في أمان، تعرّض لي أفغانيان ما زلت أشم رائحتهما وترعبني لمساتهما، لسنا صيداً سهلاً، لسنا عبيداً، لسنا جوائز، نحن بنات أوربا.. إنًهم في كلً مكان يأتون بحجة اللجوء وهم قتلة ومجرمون منذ وصولهم، قد تكنّ مكاني، لا أحد يحميكن، لذا علينا أن نحمي أنفسنا، نحن بنات أوربا، نحن أصحاب هذه الأرض”.

 حين تحاول “ماكسي” الفتاة البرلينية التي قتلت أمًها وأخويها في تفجير برلين مواساتها تقول لها: إنها لم تتعرض للاغتصاب هي تقوم بالحديث أمام الكاميرا نيابة عن الفتيات اللواتي لا يجرؤن على الحديث عمّا جرى معهنّ.  

الحقائق تتكشف تدريجياً أمام عيني “ماكسي” التي لحقت بكارل إلى براغ وحضرت الاجتماعات وانبهرت بالخطابات وساعدت في حملة انتخابية للمرشحة الفرنسية (أوديل دوفال) في “ستراسبورغ” وظهرت على الشّاشة لتحكي تجربتها الشّخصية في تفجير برلين، كما طلب منها كارل.

يقرر كارل مع جماعته في ذلك الوقت أن يقوموا بعمل لافت تهتزّ له أركان أوربا وهو اغتيال شخصية طلابية مهمة في المؤتمر أمام الكاميرات. حين اعترض رفاقه على الأمر فاجأهم بأنّه هو من سيقدم نفسه ضحية للوصول إلى الهدف، وكان على الرّفاق أن يتبرع أحدهم بقتله أمام الكاميرات فتتبرع عشيقته التّشيكية بالقيام بالفعل.

كارل في اللحظات الأخيرة بعد تدخين سيجارة يواجه الكاميرا ليقول: “أنا هنا من أجل غاية وحيدة هي الدّفاع عن أوربا قارتنا الجميلة التي نريدها معافاة وقوية، أوربا التي انتُهكت ودُنّست ونُهبت، آن الأوان ليحدد كلّ ديمقراطي موقفه، هل تريد تحديد موقفك؟ هل تريد قارة قوية؟ هل يهمك المستقبل؟ إذن صوّت بـ “نعم”. وتنطلق الرّصاصات الثلاث كما هو متفق عليه إلى صدره ليقع قتيلاً.

الفوضى التي جرت بعد اغتياله أثناء احتفال المرشحة الفرنسية “تحطيم منشآت وسيارات وقتل لأناس في الشّارع بشرتهم سوداء” وضّحت الرؤيا أمام “ماكسي” التي جاء والدها من ألمانيا ليعيدها إلى البيت برفقة يوسف الشاب الليبي قبل حدوث الفوضى بدقائق. ينتهي الفيلم حين تهرب “ماكسي” من ساحة الحرب مع والدها والشّاب الليبي الذي يغني أغنية عن السّلام والعودة للوطن داخل نفق يبتعد ليأخذ الضّوء فيه شكل مفتاح.

كان الفيلم حيادياً وصريحاً ومنصفاً، لكنّ صُنّاعه لم يذكروا الحقيقة الأهم وهي اضطلاع الحكومات الأوربية في تكريس الطّغاة وتسهيل مهامهم في قتل شعوبهم وتدمير بلدانهم وتوفير الغطاء الشّرعي لهم ليقوموا بكلّ تلك الأعمال، وفي الوقت نفسه سهّلوا عمليات اللجوء إلى بلدانهم في البداية بينما كانوا يستطيعون الضّغط في سبيل تغيير الأوضاع داخل البلدان ويتجنبون موجات اللجوء ومن ثمّ الفوضى والعنصرية التي عصفت ببلادهم.

المصدر : الجزيرة مباشر