أستحلفك بالله لا ترسل!

أقول هذا بمناسبة هذا الكم الهائل من تبادلٍ عبر وسائل التواصل الإلكتروني (الذي صنعه غيرنا) أوراد وأذكار وحكايات وطرائف ومدارج للسالكين ونماذج للهالكين.

 مهم جدا أن يكون للمسلم أوراده من ذكر وتسبيح وتحميد وتهليل واستغفار وأدعية وساعات تدبر يخلو الإنسان فيها بربه يناجيه ويسأله ويرجوه ويدعوه.

 وكلما كان للمسلم زاد من آثار النبي –صلى الله عليه وسلم-كان أروح للنفس وأرجى للقبول، ومن الأهمية بمكان أن يحرص المسلم على تزكية نفسه وتخليتها من أمراض القلوب وآثار الذنوب وتحليتها بفضائل الأخلاق وجميل الصفات وتنقيتها لتكون الأعمال لوجه الله خالصة، ويستعين على ذلك بحسن المطالعة واستقطاع أوقات للسماع الهادف. 
كل ذلك لا غنى عنه للمسلم ولكن بحسبانه دواء من بعض العلل أو منشط للعزائم والهمم أو دافع للإيجابية طارد لحالة الإحباط والعجز والكسل فيأخذ مكانه الطبيعي ومساحته المناسبة، أما أن تتحول الوسيلة إلى غاية ويتحول الدين إلى أوراد يخيل للبعض أنه إذا أداها المسلم فكأنما قام بحق الله وحق العباد فهذا أمر عجيب.

أوراد وأذكار

 أقول هذا بمناسبة هذا الكم الهائل من تبادلٍ عبر وسائل التواصل الإلكتروني (الذي صنعه غيرنا) أوراد وأذكار وحكايات وطرائف ومدارج للسالكين ونماذج للهالكين والكل يوصي ويؤكد بألا تتوقف الرسالة عند حد المُرسَل إليه بل ينبغي عليه نشرها على أوسع نطاق لينال الثواب العظيم والفضل العميم، وأنه إذا أوقف نشرها أو كف عن إرسالها فربما يناله مالا يخطر علي قلب بشر من الأذى وحلول النقم، سواء في اليقظة أو المنام، مما أصبح معلوماً بالضرورة لكل الأنام.
 ومن طرائف الرسائل أن تخاطبك بصيغة التأنيث وأنت ذكر أو تُرسل لأنثى باعتبارها – ياللعجب – ذكر، وأحياناً تأتي الرسالة في شهر المحرم ويكون الكلام علي ما ينبغي عليك فعله هذه الليلة من ليالي رمضان،  أو فضل عشر ذي الحجة وتأتيك ببراعة في شهر صفر،  بخلاف القصص المختلقة والأخبار المفبركة أو إسناد مقالات لصحف لم تتعرض لها أصلاً ولكنها تروق لمروجها.

 وتأتي رسالة عن حادثة كسوف قمر مضى عليها عام أو يزيد فتقرأها علي نور القمر الساطع، أو خسوف شمس تتواري من شدة حرارتها، طبعاً هذا لا ينفي ما يرد من كلمات معتبرة ووصايا رائعة، ولكنها مكتوبة ومدونة في الكتب، والذي يتبني إرسالها بنية الفائدة إنما يصد الناس من حيث لا يدري عن البحث والمطالعة ويقتل في نفسه فضلاً عن غيره إعمال ما أعطاه الله من مواهب لو استخدمها لربما أبدع أكثر مما ينقل، ولو كان الأمر مُلِحاً وأبت عليه نفسه إلا النقل فليكن في كل أسبوع مرة.

  أما أن يتفرغ – كما حكي لي أحدهم – من بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس-، وربما من بعد صلاة العصر إلى غسق الليل ليرسل عشرين رسالة لكل من ابتلاه الله بصداقته فهذا وأيم الله أمر فوق الاحتمال.

انتقال العدوى:

 ومن العجيب أنه قد انتقلت العدوى إلى أبناء الحركة الإسلامية وطبعاً مع زيادة البهارات واللمسة الدعوية التي لا تمت للدعوة إلى الله بصلة،  وغير خاف علي كل مطلع  أن كل شيء منقول ليس لأحد فيه تأليف ولا إبداع ولا إعمال لملكات النفس ولا نظرات العقل، وأكثر ما يصرون على نقله تلك الكلمات المخدرة التي تنتظرها النفوس التي تهفو إليها لتقنع ذواتها بصواب خطئها وتسوغ ركونها لما هي عليه وتعيش أجواء الابتلاء التي تعلق كل شيء عليه كأن الله لم يخلق المسلمين إلا للهزائم التي تنزل عليهم، ولم يُحيِهم إلا من أجل أن يُقتلوا على أيدى أعدائهم، وأن الفقر والجوع من لوازم الإيمان، وأن الغنى والقوة  من نواقض الشهادتين، وكأن امتنان الله على الناس بإطعامهم من جوع وتأمينهم من خوف لم يعد من المنن بل انتهى بتوقف الوحى ومرور الزمن .

وإن صحت بعض الأقوال فقد تحولت من  دواء منشط إلى مادة مخدرة لأنها لم تقترن على الأقل بذات القدر بنشر أفعال المجاهدين، وأعمال المصلحين، وأحوال الثائرين، وأصحاب كلمات الحق في وجوه السلاطين، وحكايات الإيجابيين الذين يحملون هموم مجتمعاتهم فيعرفون العلل ويحملون الناس على التعافي منها وهم يؤدون أورادهم وأذكارهم على هامشها، لأنهم علموا أنهم بغير حركة لن ينصلح حال الأمة وأيقنوا أنهم لو سبحوا ألف ألف مرة بغير أفعال،  ولو دعوا ألف ألف دعاء بدون الأخذ بالأسباب ما رفع ذلك ظلماً عن مظلوم ولا دفع ألماً عن مكلوم ولا رد أعداء الأمة من داخلها وخارجها عن انتهاك حرماتها ومصّ دمائها، والنموذج الذي لا يفارق عيني ولا يغيب عني هو لسيد الخلق محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام عندما أتاه جبريل عليه السلام للمرة الأولى في الغار وهو يتعبد وذهب (صلى الله عليه وسلم) لخديجة رضي الله عنها قائلا: (زملوني زملوني) فقالت: والله ما يخزيك الله أبداً ثم أودعت حيثيات حكمها.

 لم تقل لأنك تتعبد الليالي ذوات العدد بالغار، ولا لأنك تكثر من الانقطاع والتبتل، رغم وجود كل ذلك، ورغم معرفتها بأهمية العبادة لكل صاحب دعوة، وإنما قالت: إنك تصل الرحم، وتُقريِ الضيف، وتحمل الكلَّ، وتُكسِبُ المعدوم، وتعين على نوائب الحق، وكلها كما رأيت أفعال إيجابية متعدية بالخير إلى الغير، كأنما قالت له: والله ما يخزيك الله أبدا لأنك أصلح رجل في مجتمعك لمجتمعك.

فهل تجف أو تخف هذه الرسائل المعلبة، أم أصبح الأمر كالمرض الذي لا يُرجي البرء منه؟؟!!

وإن ابتليت – عافاك الله – بهذا الداء وأصررت على الإرسال فعليك بغيرى، وأما لي فأستحلفك بالله لا ترسل!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه