أرض محمد أبو سويلم وثورة الشيخ إبراهيم

نداء الفطرة في الثورات أعمق وأقوي ونتائجه أنجع وامتداده زمنا ومكانا اوسع وخطورته علي الأنظمة أكبر من الثورات ذات الأبعاد السياسية البحتة

ثورة (الجلاليب)، ثورة القرى، مسميات أطلقها الإعلام من وحي احتجاجات المصريين الأخيرة والتي فاجأت الساسة والمهتمين وأهل الثورة كون أصحابها ربما يثورون للمرة الأولى بمطالب واضحة وغير ملتبسة سياسياً وإن عبَّروا عنها بشعارات سياسية: “ارحل يا سيسي”، “ارحل يا بلحة” أو “يسقط حكم العسكر”.

برع محمود المليجي (محمد أبو سويلم) بطل فيلم (الأرض) في تجسيد دور المدافع عن أرضه وأرض أجداده المقاوم لظالمه، وكيف تحول من الشخصية الوادعة الطيبة إلى رجل صلب عنيد متمسك بحقه لأبعد الحدود ضد رجال الإقطاع شركاء المحتل. 

أبدع كذلك يحيى شاهين (الشيخ إبراهيم) في فيلم (شيء من الخوف) حيث جسد دور الشيخ الثابت على حقه وشجاعته التي ألهمت الجميع فلما قُتِل ولده أخذت الأحداث في التصاعد ضد (عتريس) ظالم القرية العربيد الذي لا يتجرأ أحد على المرور أمام داره فضلاً عن معارضته!

الفيلمان عبَّرا من وجهة نظر كاتب المقال عن حالة (المقاومة الفطرية) أو (الدفاع الغريزي عن النفس) وأرى تشابهاً كبيراً  بين أحداث الفيلمين وما تعيشه مصر هذه الأيام.

نداء الفطرة في الثورات أعمق وأقوى ونتائجه أنجع وامتداده زمنا ومكانا أوسع وخطورته على الأنظمة أكبر من الثورات ذات الأبعاد السياسية البحتة، كون آليات الرفض الفطرية بسيطة غير معقدة يرفض فيها المظلوم فعل ظالمه ويقاومه بكل ما أوتي من قوة، وتنقلب شخصيته مائة وثمانين درجة فيتصرف على غير مسار تجاربه أو طبيعة روتين حياته فتنتقل تصرفاته من الوداعة والتقوقع إلى الانفجار في أعلى درجاته.

معادلة المقاومة الفطرية

للمقاومة الفطرية تلك معادلة تفاعل تمر بثلاثة ركائز تنقلها من نقطة التحول للاشتعال ثم الانفجار والثورة ..

تكمن نقطة التحول في الشعور المتصاعد بالخطر على الذات مالا ونفسا من قبل الطرف الأقوى الذي يمتلك أدوات السلطة والقهر، فيحل فقدان الثقة محل الاطمئنان المهادن للسلطة أو المؤيد لها أو المنسحب المكتفي بنصيبه من معادلة الحياة، فيفقد صاحب المظلمة الأمل في دفعها بإمكانياته الطبيعية فيرتبك ويبدأ في التحول نحو تصديق ما كان يستبعد حدوثه ويستدعي أحاديث من انتبهوا مبكرا تجاه الخطر حن لو كانوا خصومه.

تلي نقطة التحول حالة من حالات الاحتراق النفسي أو الاشتعال التي يصل إليها بعد الانتباه والشعور بالخطر المتصاعد، والذي يعززه إصرار السلطة على قراراتها وشعوره بالحصار من كل جهة وضياع كل ملمح للحل بعد الصبر والانتظار يصاحبه امتلاء البيئة من حوله بالقصص والحكايات التي تقرب له تصور الخطر وفهم مالاته على حاضره ومستقبله ومن يعول.

يتحول الاشتعال والاحتراق الذي يتفاعل في نفسه إلى الانفجار والثورة عند المساس الفعلي بحقوقه الطبيعية وأيقونات حياته البسيطة التي مازالت تحاط بسياج من الرعاية والتقديس كقيمة الرجل الكبير مقاماً أو سنا، أو حرمة الاعتداء على المرأة أو الأطفال، وكذا حرمة البيوت وحدود الأرض وحرمة المساجد ودور العبادة.

عند هدم تلك القيم أو المساس بتلك الحقوق يتفاعل الرفض الفطري فينفجر الموقف على غير نسق أو توقع ولا يهدأ حتى تزول مخاوفه وتعود الأمور لسابق هدوئها او تذهب إن استمر الاعتداء إلى نقطة اللاعودة.

والسؤال هنا: هل يتوقف الاحتجاج عند المطالبة بإزالة آخر مظلمة وقعت عليه أم ينتقل لمطالب أخرى؟

إجابة هذا السؤال تكمن في بحث نقطة التحول، والتي في أغلب الأحيان حدثت عند مستوي كبير من التراكم صاحبه تمادي مفرط من السلطة عسف بحقوقه اللصيقة من طعامه وشرابه ومسكنه وملكيته الخاصة أو علاقته العقائدية ورموزه الدينية. هنا لا تتوقف المطالب بطبيعة الحال عند آخر مظلمة بل تمتد للرغبة في تصفير رصيد التراكم.

الخلاصة تكمن في كون الرفض الفطري الغريزي أقوى بكثير من الرفض المسيس والمطالب فيه محل إجماع بخلاف المطالب السياسية التي يراها قطاع ليس بالقليل من قبيل الرفاهة النخبوية.

لذلك ليس من العقل عندما يصل الناس لدرجة الاحتراق ثم الانفجار والثوران أن نقوم بتحميل احتجاجاتهم مطالب سياسية قد يرونها مغايرة لما يطلبونه!

وقد تتحول الأمور لفانتازيا عندما يتظاهر الرجل لأنهم قد هدموا بيته أو نزعوا ملكية أرضه فيهتف: “ارحل يا سيسي ( ياللي  هديت بيتي)” ليجد طبقة الساسة تدعمه  بمطلب مجلس رئاسي مدني!! أو انتخابات رئاسية مبكرة !

يأتي هذا في الوقت الذي لو بذلت فيه طبقة الساسة أو النخبة الثورية جهودا في إفهام من تظاهر وإمداد من احتج بإجابات على أسئلة: ( ليه اتهد بيته من الأصل ؟) ولمصلحة من و(الخطوة الجاية ايه لو سكت؟) وكيف ينال حقوقه؟ ومتي يحتج وأين؟ وما الشعارات والمطالب المناسبة لحراكه؟

عندها قد يقوم المحتجون بالدافع الفطري والدفاع الغريزي إلى نقطة النجاح الكاملة التي لم يصل لها نخبة الثورة وربما بلغوا أعلى درجات العدالة التي تطالب بها أنقى الثورات.

سقف الأهداف

لكن عندما نرفع سقف الأهداف بشكل لا يفهمونه ونتفلسف عليهم بمصطلحاتنا التي يرونها بعيدة عن واقعهم  (يطفش الزبون) ويستسلم المحتجون لدعوات النظام المضادة  ويصدقون كذبه في كون طبقة الساسة تتسلق  ظهورهم !

بعدها يذهب الناس لمساحة (عصفورٌ في اليد و اللي نعرفه احسن من اللي مانعرفوش) ليجدوا في نهاية المطاف الحاكم المنقذ الذي يتنازل قليلاً فيقبل المظلومون قهراً بنظريات (الشرع المزيف) وسياسات (التلات ورقات) في الأخذ بأخف الضررين وأهون الشرين واسمع وأطع ولو جلد ظهرك وأخذ مالك وتحيا دولة أحسن من سوريا و(العراء) العربية المتحدة!

ونشوفكم الثورة الجاية

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه