الدعوة إلى الثورة

ظن السيسي أنه انتصر على ثورة الخامس والعشرين من يناير واقتلعها من الجذور، حتى ميدان التحرير طمس معالمه، ومسخ ملامحه، وضيع رمزيته، لكن الأقدار كانت لها كلمة أخرى

بعد سبع سنوات من العسف والخسف، والتنكيل والقتل، والسجن والفتك، ظن السيسي أنه انتصر على ثورة الخامس والعشرين من يناير كانون الثاني واقتلعها من الجذور، حتى ميدان التحرير طمس معالمه، ومسخ ملامحه، وضيع رمزيته، لكن الأقدار كانت لها كلمة أخرى، حيث خرج للمطالبة برحيل السيسي ونظامه، واستعادة روح ثورة يناير كانون الثاني أولئك الذين لم يشهدوها أو يشاركوا فيها، ممن كانوا في مرحلة الطفولة وأصبحوا الآن في عنفوان الشباب، بما يؤكد أن بذور الثورة أنبتت من جديد، وأن جينات التغيير تجري في العروق، وأن لواء الثورة سيحمله من كل خَلَف عُدُوُلُه.

كان لافتا للأنظار أن المظاهرات التي خرجت بداية من العشرين من سبتمبر أيلول واستمرت بعده كان أغلبها في القرى والمدن الصغيرة، في رسالة واضحة أن الشعب قادر على صنع ميادين الثورة، وأن ثورة الأطراف هي الشرايين المغذية لعمل القلب، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الخاص أصبح ينقل الصورة من أي مكان، أما الذين هونوا من شأن هذه المظاهرات وتَقالُّوها، غاب عنهم أن أهم ثمراتها تجلى في كسر حاجز الخوف بالرغم من استخدام كل وسائل التخويف والقمع، والانتشار الأمني الواسع والمكثف.

ويأتي في المرتبة التالية التأكيد على أن جذوة الثورة تحت الرماد مشتعلة، وفي قلوب الأحرار مستعرة، وبصمودهم مستمرة.

تراجع الحكومة:

وعلى صعيد الأحداث الجارية تراجعت الحكومة عن هدم البيوت المسكونة، وخفضت نسبة التصالح كما جاء في تصريح مصطفى مدبولي رئيس الوزراء الذي أكد فيه على عدم هدم المنازل التي يسكنها الأهالي، وأن الهدف فقط محاولة تقنين الأوضاع.

لكنه لم يتطرق للذين هدمت بيوتهم بالفعل، وفاته أن الشعب المصري تجاوز مرحلة هدم البيوت إلى مرحلة إيقاف مخطط هدم مصر وإنهاء حقبة حكم العسكر،

التي تستميت في الدفاع عنها الأذرع الإعلامية وأصحاب المصالح الشخصية، وشركاء السيسي في جرائمه بالسعي إلى حشد الموظفين تحت التهديد بالفصل أو الإغراء بالرشوة، وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك خيانة السيسي للأمة ومقدساتها ومقدراتها وموالاته لأعدائها، ومن ثم فطبقا لنصوص الشريعة ومقاصدها يحرم مساندته أو تأييده، ويجب السعي لوضع الحق في نصابه، وتمكين الشعب من اختيار من يحكمه، واسترداد ثورته وحريته.

أما ‏من فوض السيسي أو مازال يدافع عنه فهو شريكه في كل الدماء التي سفكها، والجرائم التي ارتكبها، والخيانة العظمى التي فعلها، المتمثلة في التفريط في مياه النيل وبيع تيران وصنافير، ومن استمر على نفس النهج من المنتفعين فهو يضيع على نفسه فرصة التوبة، ويعادي كل المصريين، وستحل به العقوبة عاجلا وآجلا.

لا أمان خارج الأوطان:

وفي الختام أوكد على نقطتين هامتين:

الأولى: أن المصربين في الخارج هُزموا أمام خطاب سحرة الفرعون وأبالسة الإعلام عندما خوفهم من الدعوة إلى الثورة أو التفاعل معها بحجة “أنت في الأمان وتدعو الناس للتهلكة” !

والحقيقة أنه لا أمان خارج الأوطان، أما التهلكة فَيُسأل عنها النظام الذي يهلك الحرث والنسل،

وكل الثورات لها قيادات في الخارج يعبرون عنها ويذكرون بها، ومن درس تاريخ الثورة الجزائرية مثلا يدرك أنها استمرت أكثر من 130 سنة، وأن الإمام البشير الإبراهيمي أحد أبرز مؤسسي جمعية العلماء التي أحييت النضال في نفوس الجزائريين تنقل بين كثير من العواصم يدعو إلى الثورة ويبشر بها،

وفي التاريخ القريب كانت أشرطة الخميني تُسجل في باريس، وتقود الثورة وتحركها في إيران، فعلى من اختبرهم الله بالنجاة والاغتراب أن يؤدوا شكر النعمة، بحمل راية الثورة، ويكونوا صوتها المعبر عنها فهم هداتها وحداتها.

الثانية: أن الشباب الذين كسروا حاجز الخوف وخرجوا علانية تحت شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” هم أشجع الناس قلوبا وأثبتهم أفئدة، بهم يستمطر الغيث، وعلى أمثالهم يتنزل النصر، وأن الثورات جولات وتراكمات، وأن الحسم يكون بمجموع النقاط، ومن أخذ بالأسباب لا يدري من أي باب سيأتيه الفرج.

‏إنِّي صنعتُ من التّفاؤلِ مَركباً…

وَشددتُّ من عَزمِ اليَقينِ شِراعَه.

أبْحرتُ فيهِ..ِ علَى الإلهِ تَوكُّلي…

مَا خابَ مَن للّٰـهِ مدَّ ذِراعَه

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه