من وحي صورة: الحقيقة الغائبة في مشاجرة الضابط والمستشارة!

وفي هذه المعركة لم تكن “نهى الإمام” تعبيراً عن مركز القوة والنفوذ في المجتمع، فيظل التفاوت الطبقي من هذه النقطة بينها وبين طليقها كبيراً. فتدان هي ولا إدانة تلحق بالضابط

هذه الصورة لم تقل الحقيقة، بل إنها مثلت درساً في الاستخدام السلبي للصورة؛ بهدف إدخال الغش والتدليس على الناس، عندما تعرض جانباً واحداً للحدث!

فهذه الصورة جزء من فيديو كامل، تم تصويره بمعرفة أحد أطراف الواقعة، في الحدود التي جعلت منه ضحية، لامرأة تستغل موقعها القضائي، وتتصرف –لهذا- على أنها فوق القانون!

والفيديو يعرض جزءاً من “المشاجرة”، فلم يرصد بدايتها، ولم يستمر للنهاية عندما انقلب من صور نفسه مجنياً عليه، إلى جان أساء استخدام القوة المادية الممنوحة له، في مواجهة من تملك فقط مجرد قوة معنوية، أمكنتها من أن تصمد في وجهه، وتستخدم في وصفه مفردة سلبية، وكلمة تندرج تحت عنوان السب، لا القذف، وتتبادل معه الخروج على القانون، فيسحب منها هاتفها الجوال، فتنزع من فوق كتفه رتبته، لكن في النهاية انتصرت القوة المادية، والتي استخدمت في بداية الفيديو للتهديد” “أقدر أضع الكلابشات في يدك”، ولم ترصد كاميرا مالك القوة المادية أن الأمر انتقل من التهديد إلى التنفيذ في نهاية المشهد، الذي لم ينته في الواقع!

وإذا كان البعض ومن خلال هذه الصورة، وقفوا على أهمية السيوشيال ميديا التي نقلت الواقعة للناس في سرعة البرق، فقد أكدت على شيء آخر مضاد تماماً، وهو أن منصات التواصل الاجتماعي فيها منافع للناس، وفي مثل هذه الحالة فإن إثمها أكبر من نفعها، لأن ما حدث هو إساءة استخدامها، بالشكل الذي دفع الرأي العام لتكوين عقيدة راسخة هو أننا أمام توحش امرأة، لكونها من عائلة قضائية، فهي وكيلة نيابة بهيئة النيابة الإدارية، والأب قاض كبير شغل منصب مساعد وزير العدل، والزوج رئيس بمحكمة الاستئناف، والأخ وكيل بالنيابة العامة!

ولهذا فعندما صدر قرار النيابة بإخلاء سبيلها مع ضمان مالي زهيد (ألفا جنيه) استنكر الرأي العام ذلك، واعتبرها مجاملة، وعندما نسب للنيابة استخدام الرأفة لأنها تعاني مشاكل نفسية،اعتبر الرأي العام هذا مجاملة أخرى، ولم يكن أحد منتبه إلى أنه توصيف لواحدة ليست من آحاد الناس، لا يمثل امتيازا للهروب من العقوبة، ولكنه قد ينهي مستقبلها الوظيفي، ويمثل حطاً من القدر، في مجتمع ينظر للمشاكل النفسية على أنها تعني الجنون، ويمثل تشكيكا في القوى العقلية لمن يوصف به. فهل قالت النيابة هذا فعلا؟.. وسواء جاء في قرارها أو لم يأت، فمن المسؤول عن تسريبه للرأي العام عبر منصات التواصل الاجتماعي؟، التي من الواضح أنها كانت في خدمة طرف في الخصومة، كان مستعداً لهذه اللحظة، ويجيد استخدامها ويعرف أهميتها، وكثير من المعلومات التي رافقت هذه الصورة، أو هذا الفيديو لم تكن صحيحة، وإنما استخدمت لإثارة الحقد الطبقي، والناس في بلد لديهم مشكلة مع الهيئات القضائية عزز منها إعلان رئيس نادي القضاة ووزير العدالسابق أحمد الزند: نحن سادة هذا البلد!

فوالد نهى الإمام (الجانية والمجني عليها) ليس قاضيا كبيراً في القضاء العادي، فقد كان في هيئة النيابة الإدارية!

وشقيق نهى ليس وكيلاً للنائب العام، ولكنه أيضاً في هيئة النيابة الإدارية!

وليس صحيحاً أن زوجها رئيساً بمحكمة الاستئناف؛ ولكنه طليقها، وربما من هنا كانت المأساة.. مأساتها!

بالحجاب وبدونه:

والحديث عن التوريث في العمل القضائي، لا يحتاج إلى دليل تمثله عائلة “نهى الإمام” فهو شائع ومعروف، وبمتابعة صفحات الوفيات بالصحف يمكن الوقوف على عشرات النماذج في شهر واحد، وعائلة نهى لا تنتمي إلى القضاء الذي يعرفه الناس، وإن كانت حالة كاشفة عن التوريث بهيئة قضائية، فقد عينت وشقيقها بقرار واحد في هيئة النيابة الإدارية في سنة 2005، فلم يكن شقيقها وكيلا بالنيابة العامة، كما جاء في الأخبار المتواترة التي نشرت بكثافة عبر السيوشيال ميديا، وكان هناك من هو جاهز بالنشر والترويج، ليس فقط بالصورة الناقصة التي لا تعرض الواقعة كاملة، وليس كذلك بالمعلومات غير الصحيحة، ولكن ببطاقة عضويتها في نادي الشمس، وبطاقة انتسابها لهيئة النيابة الإدارية، في معركة تعزيز حالة الحنق ضدها!

وإذا كان من الطبيعي أن تبرز بطاقة عملها، فإنه لا محل من الإعراب لعضوية النادي، فمن كانت في حوزته عضويتها في نادي الشمس لينشرها مع فيديو المشاجرة على نطاق واسع عبر السيوشيال ميديا؟!

الشاهد إنها لم تبرز بطاقة عملها طول هذه المشاجرة، والمعنى أنها أخرجتها لوكيل النيابة في لحظة التحقيق معها، فمن أوصل هذه البطاقة للسيوشيال ميديا، والملاحظ أن النشر كان سابقاً لعملية عرضها على النيابة؟!

وعضويتها للنادي ليست مجالاً لإبرازها للجهات الرسمية، فهي تستخدم لإثبات العضوية ولدخول النادي، وليست مستنداً لإثبات الشخصية أمام أي جهة أخرى!

هنا نكون قد وصلنا إلى “بيت القصيد”، فما أهمية بطاقة الانتساب للنادي في الموضوع في حملة التشهير التي انطلقت ضد السيدة “نهى الإمام”؟!

إن صورتها في المشاجرة تكشف عن أنها وإن كانت ترتدي ملابس محتشمة فإنها ليست محجبة، وهو يتطابق مع صورتها على بطاقة عملها بهيئة النيابة الإدارية، في حين أن الأمر مختلف في الصورة الخاصة ببطاقة عضوية النادي، وهي محاولة لكسب تعاطف المحافظين على مواقع التواصل الاجتماعي، وشحنهم ضدها، أو لإيجاد المبرر الأخلاقي لاستباحتها!

بعض المحجبات خلعن الحجاب بعد الانقلاب العسكري، كما لو كان رمزاً سياسياً لجماعة خرجوا عليها والتخلص منه جاء في هذا السياق!

وبعض المحجبات كن يبحثن عن مبرر للسفور، بعد سنوات طويلة من ارتداء الحجاب، فوجدنا في الخروج على حكم الإخوان مبرراً مقبولاً في مجتمعاتهن للإقدام على هذه الخطوة!

وعند وقوع الطلاق فان بعض المطلقات يتخلصن من الحجاب، لاسيما إذا ارتبط الزوج السابق بفتاة صغيرة غير محجبة، وهو رد فعل عكسي لإثبات أنها لا تزال صغيرة أو جميلة!

وهي ظواهر قد يكون من المناسب أن تكون مثار اهتمام من يهتمون بالبحث في مجال علم الاجتماع وعلم النفس، فما يشغلنا هنا هو سوء استخدام الصورة لإثارة النفوس ضدها!

نهى الامام بالحجاب وبدونه
ممنوع الاقتراب والتصوير:

لم ينشر في أي المحاكم كانت الواقعة، وما هو سبب وجود “نهى الإمام” فيها؟!

وسألت وجاءت الإجابة إنها محكمة مصر الجديدة، وقد كانت السيدة “نهى الإمام” هناك لأمور خاصة بمنازعات قضائية مع طليقها!

ولم يرصد الفيديو المنشور سبب الأزمة، ففي البداية قيل لأنها لم تكن تستخدم الكمامة؟ ولكن لأن “الصورة” كشفت عن أن كثيرين ممن يحيطون بالضابط (الجاني والضحية) لا يستخدمونها أيضاً، فقد تراجعوا عن هذا السبب، وقالوا لإنها تقوم بالتصوير بالمخالفة للقانون الذي يحظر التصوير داخل المحاكم؟!

وسألت أهل الذكر، فقالوا إن المنع ليس قانوناً، وهو داخل قاعات المحاكم أثناء نظر القضايا، حيث لا يجوز التصوير إلا بإذن رئيس الجلسة، لكن التصوير داخل المحاكم بشكل عام ليس ممنوعاً!

ماذا في المحكمة دفع عضوة في هيئة قضائية لتصويره؟!، فهي ليست سائحة والمحكمة ليست المتحف المصري!

هناك من قالوا إنها لم تكن تقوم بالتصوير أصلاً، وهم من يرون أن ما جرى كان كميناً منصوباً لها بعناية، وهذا ما يفسر استخدام المفردة السيئة في وصف الضابط في هدوء لأنها تعتبره طرفاً في أزمة وليس رجل شرطة يقوم بدوره الوظيفي؟!

ولا يوجد دليل يعزز من صحة هذا الكلام المرسل، لكن يظل البحث عن سبب لبداية الأزمة وما لم ترصده الكاميرا يحتاج إلى ذكر وتوضيح!

فهل كان لأنها لم تستخدم الكمامة؟.. وهل الضابط منوط به إلزام من يدخلون المحكمة باستخدامها؟ ولماذا هي بالذات؟ عموما لقد تم التجاوز عن هذه الذريعة!

وهل لأنها تقوم بالتصوير؟ لقد كان الهاتف في حوزة الضابط وتم تسليمه للنيابة، فلماذا لم يتم فحصه وإثبات أنها كانت تقوم بتصوير أشياء ممنوعة؟، ولماذا لم توجه لها النيابة تهمة التصوير في أماكن يحظر القانون التصوير فيها؟ وهل المحاكم مناطق عسكرية حيث يمنع الاقتراب أو التصوير؟!

وإذا كانت قد ارتكبت مخالفة فهل يستدعي الأمر تهديدها بوضع “الكلابشات في يدها” وكأنها مجرمة، وهو التهديد الذي فجر الموقف برمته، وكانت كاميرا الضابط على أبهة الاستعداد لتصويره، وكان أمره بعد ذلك لتابعه بالتصوير عند نزعها لرتبته، هو تحصيل حاصل!

ثم كيف يكون التصوير ممنوعاً قانوناً، ويسمح الضابط به لمجموعته، بل ويأمر المصور بالتصوير؟!

وهل خطف هاتف “نهى الإمام” من سلطة الضابط وقد تحول الأمر إلى مشاجرة بعد أن ردت على ذلك بخطف رتبه من فوق كتفه، وفي التقاليد العسكرية إذا ارتفعت الأيدي تساوت الرتب؟!

صورة أخرى:

بيد أن الرأي العام بدا متقبلاً لخروج الضابط على مقتضى الواجب الوظيفي بالتهديد بـ “الكلابشات” وخطف الهاتف، لكن لم يتقبل منها أن ترد عليه بالكلمة السيئة إياها، إذ أعتبرها – الرأي العام- تستأسد عليه بحكم انتمائها لعائلة قضائية، بحسب ما تم ترويجه عبر السيوشيال ميديا، لكن كاميرا  أخرى صورت ما لم تصوره كاميرا الضابط ورفاقه، حيث تم الاعتداء على “نهى”، والتطاول على جسدها، ووضع الأسوار الحديدية (الكلابشات) في يديها، مع أن من يقومون بهذا هبطوا إلى مستوى أن يكونوا جزءا من “خناقة شوارع” وليسوا قائمين على تطبيق القانون، فأين هو القانون والذي كان بمثابة “الفريضة الغائبة” في الأزمة منذ البداية!

لقد اعتبرها كثيرون – وأنا منهم – أنها أزمة بين ممثلي مراكز القوة في السلطة (الشرطة والقضاء)، فانطلقوا – ولست منهم – مدفوعين بالحقد الطبقي الذي زرعه النظام الحاكم، يعتبرون أن الله سلط الظالمين على الظالمين، لكن الحقيقة أنها كاشفة عن التفاوت الطبقي داخل الهيئة الواحدة، كما داخل العائلة الواحدة!

فنهى الإمام تنتمي إلى النيابة الإدارية، وهي ضمن الهيئات القضائية وليست قضاء بذاتها، فطليقها ينتمي للدرجة الرفيعة في هذه العائلة!

واصطلاح الهيئات القضائية يضم القضاء العادي (ابتدائي وجزئي واستنئاف ونقض فضلا عن المحكمة الدستورية) ثم محاكم مجلس الدولة. وهو إذا استبعدنا النيابة العامة فهو القضاء الذي يفصل بين الناس، أو قضاة المنصة، وتبتعد النيابة عن ذلك بهذا التوصيف لكنها تقترب فتلتصق بالقضاء بحكم الصلاحيات الممنوحة لها. ثم تأتي في مرتبة أدنى هيئة النيابة الإدارية، ثم هيئة قضايا الدولة (محامو الحكومة) الذين يترافعون نيابة عنها أمام المحاكم. ولهذا قالت “نهى الإمام” للضابط إنها مستشارة وأخذا بالأردع انتحلت صفة ليست لها: “عضو بالأمم المتحدة”!

ودستور 2012 منح هيئة قضايا الدولة اختصاصات ترتقي بها لتكون قضاء كاملاً، فجاء دستور 2014 لينتزعها ويعود بالهيئة إلى ذات اختصاصها القديم، وهو التحقيق في المخالفات والجرائم التأديبية الخاصة بموظفي الحكومة!

وفي هذه المعركة لم تكن “نهى الإمام” تعبيراً عن مركز القوة والنفوذ في المجتمع، فيظل التفاوت الطبقي من هذه النقطة بينها وبين طلقيها كبيراً. فتدان هي ولا إدانة تلحق بالضابط، وهذا هو جانب آخر من المشكلة، فقضيتها تصلح للتبني من قبل المجتمع النسوي، لكن الفئات الدنيا فيه، ليست معها من باب الحقد الطبقي، والفئة الراقية هي مع الطرف الأقوى في المشاجرة من باب الانحياز الطبقي. ألم يكن بعض أساتذة الجامعات مع فكرة أن يحكمهم عسكري لا أن يكون الحاكم لمصر هو واحد منهم وهو الأستاذ الجامعي محمد مرسي الذي بدأ حكمه برفع رواتب أساتذة الجامعات كخطوة أولى؟!

إن للحقيقة وجوه كثيرة!  

صورة لم تنقلها كاميرا الضابط

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه