الحركة الإسلامية والحركة المدنية .. هل انتهي الدرس؟!

كلاهما انحاز للعسكر ضد الأخر بين الرغبة والرهبة بل والانتقام.. تارة نحو أسلمة الدولة وأخري نحو لبرلة الدولة فكانت التداعيات الكارثية

 

ستبقى منظومة القيم الإنسانية والحضارية في التعايش والقبول والاندماج وتبادل الأدوار والحقوق.. أزمة النخب العربية الليبرالية واليسارية والقومية المسماة حاليا بالمدنية.. كما هي أزمة في مربع الحركة الإسلامية صاحبة النهج السلمي والنضال السياسي وبنسب متفاوتة.. فكلاهما يقول أكثر مما يفعل.. ويسر أكثر مما يجهر.

مازالت المسافات بينهما واسعة والمساحات شاسعة بل تحولت إلى فضاء بلا حدود مع وبعد ثورات الربيع العربي.. حين حدثت انقلابات فكرية ومصلحية كانت تمهيدا للانقلابات العسكرية وغطاء لها..

كلاهما كان في مربع واحد في عهد مبارك، جمعتهم الألآم المشتركة أكثر مما جمعتهم الأمال والطموحات المنشودة، في لجان التنسيق بين الأحزاب والنقابات والقوى السياسية، وفي لجان التحالف دعما للقضايا الوطنية والقومية، بل كان بعضهم فارسا لميادين الدفاع عن بعض عندما ورط مبارك القضاء العسكري في محاكمة الإخوان لأن القضاء الطبيعي كان وقتها أكثر استقلالية وعدلا حين كان مطبقا للقانون لا كما هو الحال منفذا للتعليمات.

ثم كانت ثورة يناير التي كشفت الغطاء عن كل شيء في مصر والمنطقة. وتبين أن التحالفات السابقة ما كانت إلا قشرة رقيقة لثمرة معطوبة من الداخل لا تستند الى أساس متين من القيم والمبادئ بل هي المصالح والمصالح الضيقة دون المصالح العامة وفشل الجميع بلا استثناء في اختبار الثورة واختبار الديمقراطية واختبار الوطن، وحاول كل منهما الحصول على النصيب الاكبر والحظ الأوفر من كعكة الثورة واستحقاقات ما بعد الثورة.

الانحياز للعسكر:

والمدهش أن كليهما ارتكب نفس الحماقات، عاب التيار المدني على الاسلاميين جمعة الشريعة التي أطلقوا عليها جمعة قندهار، ووقع المربع المدني في نفس الحماقات عندما دعا إلى مليونية خلع الحجاب بل قاموا بحرق بعض كتب الاخوان برعاية أكبر مؤسسة تعليمية وتربوية في العالم العربي وزارة التربية والتعليم في فضيحة رسمية عالمية، حرق الكتب، هؤلاء وهؤلاء تغافلوا حكمة التاريخ وخلاصات التجارب حين أكلوا جميعا عندما أُكل الثور الأول أيا كان لونه

كلاهما انحاز للعسكر ضد الأخر بين الرغبة والرهبة بل والانتقام.. تارة نحو أسلمة الدولة وأخري نحو لبرلة الدولة، فكانت التداعيات الكارثية حين أصبح الواقع عسكرة الدولة وبامتياز.. في السلطة والحكم والاقتصاد والإعلام والقضاء والفن. وكان القانون الكوني يعاقب من أهدروا الفرص، وأصبحوا في الغالب بين قتيل وجريح وسجين وهارب للخارج أو الداخل والباقي خائفا يترقب دوره في قائمة الموت السابقة.

ومازال كلاهما إلى الآن يبحث في تفاصيل المشهد السابق وبين ركام البيت المنهار عن بقايا مواقف وممارسات يرضي بها نفسه وقواعده ويبرر مواقفه ويدين الطرف الأخر، نعم هناك ممارسات خطأ وهناك ممارسات بحجم الخطايا لكن النتيجة واحدة فكلاهما خرق السفينة بغض النظر عن حجم الخرق وحجم الضرر، وكلاهما شارك في غرق السفينة كما شارك من قبل في الثورة لإنقاذ السفينة من الغرق، وكأنهما يقول للأجيال، لن نسمح لأحد أن يغرق سفينتنا، إنما نحن من يغرقها، ومازالوا حتى اليوم على هذا الحال المؤلم يغوصون في قاع الغرق

سنن الله:

مازالوا هكذا على مستوي بقايا القيادات، ومازالت قواعدهم هنا وهناك حائرة غائرة لا تجد مخرجا ولا تتضح لهم رؤية، يبحثون بين السطور والكلمات عن اي خطأ للطرف الاخر فيتصدون دفاعا أو هجوما تعويضا عن الكوارث والهزائم والانكسارات، إنها ثقافة هذه المنطقة من العالم ورثتها نظم تعليمية وثقافية دون مستوى الحضارة الإنسانية

مازالوا هنا وهناك لم يتعلموا الدرس، وأتصور أن هذا الجيل فاته قطار التعلم من التجارب ونحن في انتظار سنة الله في كونه، سنة التدافع والتوازن والتداول في انتظار جيل جديد، أكثر وعيا ويقظة ونضجا، أكثر ايمانا بنفسه وبغيره، أكثر حرصا على حياته وحياة الاخرين، وحقوقه وحقوق الأخرين

وربما يقول قائل: أنى هذا؟! أقول تجارب الماضي خير إجابة، في عهد عبد الناصر كانت مصر سجنا كيومنا هذا، وظن قادة الإخوان والدعوة في السجون أن مصر اصبحت خالية فارغة من الإسلام والدين عموما لما لمسوه من توحش الاشتراكية الشيوعية في المحاكم وإدارات السجون والتعذيب، وخرجوا في منتصف سبعينيات القرن الماضي ليدهشوا بحجم الصحوة الإسلامية المنتشرة في الجامعات والمدن والقرى وكل أنحاء القطر المصري، كيف؟ انها سنن الله في كونه، سنن التوازن حتى لا يختل هذا الكون، التوازن البيئي، والتوازن القيمي والأخلاقي، توازن معادلات الحياة عموما ، حين تهيأ لها الأسباب من الأفكار والأشخاص وتغير المشهد العام.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه