اعتقل “محمود عزت” فهل اقتربت النهاية؟

 

استكمالا للحرب الضروس التي يقودها ويديرها نظام الانقلاب العسكري بكل أدواته الممكنة والمدعومة مليارياً من الخليج واستخباريا وفنياً من مربع المشروع الصهيو أمريكي الغربي، حقق نظام الانقلاب المصري إنجازا عملاقا يتوقف عليه الأمن القومي المصري برمته. وحتى لا نذهب بالأذهان بعيدا، فإن  الإنجاز العملاق لا يرتبط بسد النهضة وحياة المصريين ولا بحق مصر في المياه الاقليمية والثروات النفطية في شرق المتوسط ولا استرداد جزيرتي تيران وصنافير. كل هذا لا قيمة له لأنه يرتبط بمصالح الشعب، لكن الإنجاز العملاق هو اعتقال الشيخ الذي يقترب من عامه الثمانين إلا قليلا الدكتور محمود عزت نائب المرشد العام لجماعة الإخوان بعد اختفاء سبع سنوات، بما يمثله من خطورة على منظومة الحكم وشخص السيسي من وجهة نظر الأجهزة الأمنية ومنظومة الانقلاب.

اعتقل الرجل صباح الجمعة 28 من أغسطس/آب، وصدر بيان وزارة الداخلية بأنه تم القبض عليه في مبنى سكني بالتجمع الخامس بضاحية القاهرة الجديدة التابعة لمحافظة القاهرة. وبيانات الداخلية شانها شان كل البيانات الرسمية مشكوك في صحتها وهي تشبه لحد كبير مذكرات تحريات الأمن الوطني التي تكتب داخل المكاتب المكيفة، وتشبه لحد كبير سيناريوهات مسلسلات الدراما التي تشرف عليها الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة. عموم الناس يتشككون في كل البيانات الرسمية خاصة ما يتصل بالجيش والشرطة لغياب الإعلام المستقل والتجريم القانوني لأية تغطية صحفية للمعارك الخاصة بهما..

اعتقل محمود عزت وهو ليس الاعتقال الأول، لكنه ربما يكون الأخير فسجون السيسي أشبه بمعتقل غوانتانامو وسجون العصور الوسطى سيئة السمعة،  حيث لا حقوق، وإن شئت فقل لا حياة بل الموت المتعمد بطيئا كما حدث مع الرئيس محمد مرسي أو الموت قتلا كما حدث للدكتور عصام العريان رحمهما الله.

اعتقل محمود عزت وسط أجواء احتفالية بطولية من الأجهزة الأمنية والإعلام الرسمي التابع للأجهزة والذباب الإلكتروني الذي تديره الأحهزة والنخبة السياسية الموالية، وسيستمر هذا الاحتفاء عدة أيام حتى يخرج علينا النظام بحدث آخر يشغل به الرأي العام عن الإخفاقات اليومية برا وبحرا وجوا . 

قيمة محمود عزت

اعتقل محمود عزت رجل الجماعة وحارس التنظيم، اختلف معه أو اتفق، لكن الكثير من الكيانات تتوق إلى أن يكون فيها أمثال محمود عزت، فرد أو أفراد وسط المئات على منصة القيادة وإدارة التنظيم،  سمه محافظا أو حرسا قديما أو قطبيا (نسبة للشهيد سيد قطب) سمه ما شئت لكن تبقى غالبية الكيانات والتنظيمات بحاجة لوجود بعض نماذج محمود عزت كما هي بحاجة لوفرة من نماذج عصام العريان وحازم أبو اسماعيل ومحمد البلتاجي وغيرهم. محمود عزت يكمل التنوع الموجود داخل الجماعة، أية جماعة وأي تنظيم، ويبقي الرهان على توازن معادلة القوي والأفكار والأنماط الأجنحة في إطار عام واحد للجماعة.

لا يعيب محمود عزت طريقته ومهمته التي لم تعجب بعض إخوانه خاصة مربع الإصلاحيين (تصنيفات فكرية وسياسية معمول بها لكن الجماعة ما كانت تحب التعامل بها ولا الاعتراف بوجودها رغم وجودها).  ولكن العيب قد يكون في مربع الإصلاحيين وأدائه الخجول أمام محمود عزت ومدرسته، وعدم إصرارهم على النضال الداخلي للتطوير الوجه الآخر للجهاد الخارجي في التغيير.

اعتقل محمود عزت وسط احتفاء بعد سبع سنوات من الاختفاء، وإن صحت رواية الداخلية، وهي عندي غير صحيحة لشواهد لا حصر لها، فإن لها عده دلالات ورسائل منها: 

تعويض الإخفاقات خاصة الأمنية المتكررة أمام بضعة مئات في شمال سيناء وجعلها مناطق غير آمنة للجيش والشرطة ورجالهما من المدنيين.

*  أنه قادر علي مواصلة الاضطهاد والتطهير العرقي علي خلفيات سياسية وفكرية، فالصراع ليس علي الانتشار و الحدود لكنه صراع البقاء والوجود.

طمأنة من يدير النظام في الخليج ويرعاه في الغرب إلى أنه نعم الوكيل للمشروع الصهيو أمريكي وينفذ المطلوب لاستمراره في أداء دوره الوظيفي.

*  أما رسالته للإخوان والمعارضة، فهي استئصال كل من يظنون أنه فاعل في ميدان الصراع. ليمنعوا العمل ويقتلوا الأمل ويصيبوا بقايا الجماعة والمعارضة بالجمود والشلل ولتصل رسالة الفرعون إلى القوم، وإنا فوقهم قاهرون.

في ليلة واحدة

النظام يكرر خطيئة أجهزة عبد الناصر التي احتفت باعتقال 18 ألف اخواني في ليلة واحدة عندما صدر الأمر من روسيا، بإعادة اعتقال كل من سبق اعتقاله، وأظن أنه تصريح خرج من مدرسة إعلام النظام لرائدها أحمد سعيد، لعدم وجود معارضة تراقب ولا إعلام مستقل محايد.

اعتقل محمود عزت، ورغم العرس الأمني والاحتفاء الإعلامي وبعض الشعبي، فإن اعتقال الرجل لن يضيف جديداً ، فاعتقال مكتب الإرشاد ومكاتب المحافظات ولجان الجماعة وصفوفها من الأول حتى السادس، فضلا عن اعتقال  20 ألف من كوادر الجماعة  لم يضف شيئاً لأنه لا يوجد ما يضاف، إذ الجماعة كانت من دون غطاء أمام الأمن، وبلغ التنصت حد نقل اجتماعات مكتب الإرشاد بالصوت والصورة، والأحكام الصادرة والاتهامات الموجهة لا تعتمد على أدلة بالمفهوم القانوني بقدر ما اعتمدت علي مذكرات تحريات الأمن الوطني في محاكمات هزلية ودوائر قضائية غير دستورية لم يتمكن فيها المتهم من رؤية قاضيه ولا من مقابلة محاميه، توزع فيها أحكام الإعدام كما توزع الحلوى في المناسبات، حسب تعبير قالته كريستينا مقدمة برامج بـ   CNN. 

اعتقل محمود عزت ولن يحقق النظام من اعتقاله إلا حزمة الرسائل السابقة في حلبة كسر الإرادات المتبادل، نظام يعتقل ويقتل ويعذب، وجماعة تصبر وتتحمل، لا تملك غير ذلك، ولا تركن إلى شرق ولا غرب فكلاهما شريك في كل الجرائم،  وربما الضحية الحائرة وسط هذه المعارك هو جيل الشباب الذي أذهلته قسوة التجربة ولون دمائها، لكن التاريخ يقول إذا سالت الدماء اقتربت النهايات وإن  طال الوقت قليلا، لأن حرمة الدماء تصيب من أسالها وسفكها بلعنة  تطارده حتى تقصمه، فهل تأتي النهايات حقا؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه