رغيف الخبز بين مرسي والسيسي!

 

خفضت الحكومة المصرية وزن رغيف الخبز المدعم من 110 غرامات إلى 90 غراما للرغيف. وهي زيادة غير مباشرة في سعر الخبز. بمعنى أن المواطن كان يدفع 25 قرشا للحصول على حصته التي تبلغ خمسة أرغفة وتزن 550 غراما، ولكن بعد الزيادة الجديدة سوف يدفع نفس السعر ليحصل على نفس عدد الأرغفة ولكن بوزن أقل، وهو 450 غراما.

وبذلك خسر المواطن رغيفا كاملا من حصته بما يوازي 18%. وهي نسبة كبيرة عند مواطن يعتمد على الخبز في تلبية حاجاته الغذائية من السعرات الحرارية والبروتين ويشبع البطن ويسد الجوع. وهي حيلة تنطوي على جبن النظام عن زيادة السعر بطريقة مباشرة، وخداع المواطن الذي يعتبر رغيف الخبز المدعم، أو العيش كما يسميه المصريون ويعني الحياة، خطاً أحمرَ وليس مجرد سلعة غذائية عادية. فكثير من بيوت المصريين لا يكون فيها ما يتناوله أربابها وأطفالهم في وجبات الإفطار والغذاء والعشاء إلا الخبز والفول أو الطعمية. وهو سند حقيقي للتغلب على الفقر والجوع، الذي عشش وباض وفرَّخ في مصر.

ففي أزمة الغذاء العالمية الشهيرة التي وقعت في سنة 2008، رصد خبراء البنك الدولي أن رغيف الخبز والسلع التموينية، على قلتها وردائتها، رفعت 22% من المصريين فوق خط الفقر، وحمت 10% منهم من السقوط في براثن الفقر المدقع. وهم اليوم أحوج إليه من أي وقت مضى وقد وصلت نسبة الفقراء إلى 32% بفضل الإصلاح الاقتصادي الذي ينفذه السيسي إذعانًا لإملاءات صندوق النقد الدولي.

مرسي يرفض

في 21 يوليو/تموز 2012، اجتمع رئيس الوزراء، الدكتور كمال الجنزوري، بوزير التموين، الدكتور جودة عبد الخالق، ورئيس الشعبة العامة للمطاحن والمخابز باتحاد الغرف التجارية، عبد الله غراب، وذلك في مقر مجلس الوزراء المؤقت بالهيئة العامة للاستثمار. وبعد الاجتماع أعلن غراب عن أن الدكتور كمال الجنزوري “وجّه إلى البدء بدراسة توحيد سعر رغيف الخبز من 5 قروش إلى 10 قروش”، وذلك في مؤمر صحفي مشترك مع وزير التموين. ونشرت صحيفة “المصري اليوم” الخبر على موقعها الإلكتروني بالبنط الأحمر العريض في الساعة الرابعة والنصف عصرا بتوقيت القاهرة تحت عنوان: الحكومة تتجه لتحرير صناعة الخبز ورفع سعر الرغيف لـ 10 قروش.

وبعد ساعتين ونصف فقط من نشر الخبر، نفى الرئيس محمد مرسي الخبر بغضب، وقال في برنامج “الشعب يسأل والرئيس يجيب” الذي كان يذاع على إذاعة البرنامج العام في شهر رمضان عقب آذان المغرب مباشرة، “إن أسعار رغيف الخبز ستظل كما هي، وستبقى بـ 5 قروش”، ووجه كلاما حادا إلى الجنزوري المدعوم من المجلس العسكري والمكلف حينها بتسيير الأعمال قال فيه: “أدعو احترام الآخر في هذا الإطار ولا نريد تجاوزات”، وأضاف: “إن رغيف العيش الذي يحب الناس أن يأكلوه بثمنه وجودته سيتوفر للمواطنين”. وبعد ثلاثة أيام فقط من الواقعة أعلن الرئيس مرسي عن تكليف الدكتور هشام قنديل بدلًا منه.

وفي منتصف أغسطس 2012، كشف المهندس أبو زيد محمد أبو زيد، وزير التموين والتجارة الداخلية في حكومة الدكتور هشام قنديل عن إنتاج رغيف خبز مدعم بسعر 10 قروش ويزن 170 جرامًا بجانب الرغيف فئة 5 قروش، في 6 خطوط إنتاج بمجمع مخابز الطالبية بالتعاون مع وزارة الاستثمار بطاقة إنتاجية 200 طن/يوم. وصرح أبو زيد بأنه عرض الفكرة على رئيس مجلس الوزراء، الدكتور هشام قنديل، والذي طلب إعداد دارسة لتكلفة الرغيف الجديد وآلية الإنتاج في المخابز الحكومية وتحديد أسعاره تمهيدا لإقرارها.

ولكن الرئيس محمد مرسي رفض للمرة الثانية إنتاج الرغيف فئة 10 قروش حتى لا يظن الناس أنه تمهيد لإلغاء الرغيف فئة 5 قروش، وهي سياسة اتبعها الرئيس المخلوع حسني مبارك مررا لزيادة الدعم تقوم على ايجاد البديل الحسن بجانب القديم الرديء وبمرور الوقت يتم إلغاء القديم بعد تنفير المواطن منه. وأكد مرسي الاعتماد الكلي على إنتاج رغيف الخبز فئة الـ 5 قروش والإصرار على تحسين جودته. ولما سُئل الوزير لاحقا عن التجربة أجاب بأن تعليمات رئيس الجمهورية في هذه النقطة واضحة، وهي لا زيادة مليما واحدا في سعر الرغيف.

جبهة الإنقاذ تتصدى

في هذا التوقيت، ركزت وسائل الإعلام بشدة على خبر زيادة سعر الرغيف، وتعمدت التعتيم على رفض الرئيس للفكرة، ولم تسلط الضوء على نجاح حكومته في حل أزمة عمرها يزيد عن ثلاثة عقود في 100 يوم، وأنه صان كرامة المواطن المهدورة في طوابير الخبز، ووفر وقته الذي كان يقضيه بالساعات وحياته التي ربما فقدها وهو يحاول الحصول على بعض الأرغفة. وكذلك رفض الرئيس مرسي تحديد حصة الفرد بعدد معين من الأرغفة.

ولم يسلط الإعلام الضوء أيضا على منظومة الخبز ومشروع تغليف وتوصيل الخبز للمنزل لحفظ كرامة المواطن وإنسانيته، حتى وصل الأمر إلى أن السلال كانت تتدلى من النوافذ بالحبال ليحصل المواطن على خبزه دون عناء. وانتهى الأمر بحملة اعلامية ضد جماعة الإخوان بحجة استغلال المشروع في الدعاية الانتخابية وكسب الشعبية، رغم مشاركة حزب النور وغيره من الجمعيات في المشروع.

وطالب أعضاء جبهة الإنقاذ بإقالة الوزير باسم عودة الذي طبق المنظومة بنجاح. واتضح بعد ذلك أن المخابرات العسكرية هي التي كانت تحرك هذه الحملة لطمس نجاح الرئيس وحكومته، وإثارة الشكوك حول كل المشروعات الواعدة، كما اتهمت مرسي ببيع قناة السويس لقطر، للتشكيك في جدوى مشروع تنمية محور القناة.

تخفيض بلا مبرر

لا يوجد سبب اقتصادي مقنع لتخفيض وزن الرغيف المسخوط أصلا بحجة زيادة تكلفة الخبيز بمقدار 50 جنيها لكل جوال زنة 100 كيلو غرام لإرضاء أصحاب المخابز على حساب الفقراء. سيما أن زيادة تكلفة الخبز لا تزيد على 5 مليار جنيه، أما تخفيض وزن الرغيف من 110 غرام إلى 90 غرام سيقتطع 9 مليار جنيه من قوت الغلابة والأطفال الذين يعانون من التقزم وسوء التغذية.

ولا مبرر لتخفيض وزن الخبز الذي تزامن مع زيادة تذاكر مترو الأنفاق وفي ظل معاناة المصريين وخسارة عدد كبير منهم لأشغالهم بسبب جائحة كورونا وبفضل برنامج الإصلاح الاقتصادي بين قوسين. سيما أن أسعار القمح، المادة المستخدمة في صناعة الخبز، لم ترتفع في الأسواق الدولية، وهي مستقرة عند نفس معدلاتها تقريبا طوال عامين. كما أن أسعار السولار والغاز، وهي تُستخدم أيضا في مخابز إنتاج الخبز المدعم، انخفضت إلى النصف، وهو سبب وجيه لزيادة الدعم وليس لتقليصه، عكس ما تدعيه الوزارة  التي تكذب العالم كله وتحاول إقناع المصريين بزيادتها.

تزامن قرار تخفيض وزن الخبز أيضا مع إعلان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي عن ارتفاع معدل البطالة إلى 9.6% مقارنة بـ7.5% في نفس الفترة من العام الماضي. وهي سابقة سياسية ليس له مثيل في العالم، حيث تعلن الحكومة عن زيادة معدلات البطالة ثم تعالج المشكلة بتخفيض الدعم! ولو صدرت هذه القرارات في دولة غير مصر لتبلل سروال المسؤول وهو يتابع ردة فعل المتظاهرين في الشوارع. ولولا القمع والترهيب وتجريم التظاهر والإخفاء القسري والقتل ما تجرأ الجنرال على زيادة الأسعار وتقليص الدعم.

إفقار الطبقة المتوسطة

الملاحظ أن سياسة السيسي تركزت منذ منتصف 2013 على إفقار الطبقة المتوسطة لأنها الطبقة الاجتماعية التي خرجت من رحمها جماهير ثورة يناير. فكشف السيسي مبكرا في 2014 عن أن تقديم الدعم للشعب أخطر من مشكلة الفساد على الاقتصاد. ومن المعلوم أن الدعم يخص الفقراء، أما الفساد فهو ملعب رجال الأعمال والقوات المسلحة وسلة قليلة من الموظفين في الإدارة العليا للوزارات.

وفي سبيل تنفيذ سياسة إفقار الطبقة المتوسطة، خفض السيسي وزن الرغيف المدعم ثلاث مرات منذ 2013 حتى وصل إلى 90 غراما بعد أن كان 130 غراما. وحذف 2 مليون مواطن من المستفيدين من دعم الخبز، وحذف 10 ملايين من منظومة السلع التموينية، وخفض فاتورة دعم الخبز في الموازنة العامة للدولة من 52 مليار جنيه العام الماضي، إلى 47 مليار هذا العام، بدلا من زيادتها لمواجهة أعباء وأعداد المتضررين بسبب الكورونا.

ورفع سعر أنبوبة البوتاجاز المنزلي من 7 جنيهات إلى 65 جنيها، بمعدل 800%. ورفع سعر الغاز الطبيعي للمنازل من 10 قروش للمتر المكعب إلى 235 قرشا، بمعدل 2250%. ورفع سعر بنزين 80 أوكتين، والمعروف ببنزين الغلابة، من 80 قرشا للتر إلى 625 قرشا، بمعدل 680%، في مقابل 45% فقط لبنزين 95 أوكتين الخاص بالأغنياء. ورفع سعر الشريحة الأول من كهرباء المنازل، المعروفة بشريحة الغلابة، من 5 قروش للكيلووات إلى 38 قرشا، بمعدل 660%، في مقابل 108% فقط للشريحة الساسة الخاصة بالأغنياء. ورفع سعر تذكرة المترو من 1 جنيه إلى 5 جنيهات وحتى 10 جنيهات.

وتوسع السيسي في الجباية وفرض الضرائب على الموظفين وعلى المشاريع المتوسطة والقيمة المضافة. وزادت قيمة الضرائب في الموازنة العامة من 260 مليار جنيه في موازنة 2013/2014 إلى 960 مليار جنيه في موازنة 2020/2021. وفي كل سنة يقر البرلمان الموازنة العامة دون الالتزام بإنفاق 3% منها على التعليم والصحة والبحث العلمي، وهي القطاعات الرئيسة التي تستفيد منها الطبقة المتوسطة والتي يحرص أبنائها على التعليم والتحصيل الدراسي ومواصلة البحث والتميز العلمي.

وبدلا من دعم الموظفين وعمال اليومية في مواجهة كورونا، أصدر السيسي قانون عجيب لاستقطاع نسبة 1% من دخل العاملين والموظفين للمساهمة التكافلية في مواجهة التداعيات الاقتصادية الناتجة عن الجائحة شهريًا ولمدة 12 شهرًا، ويمكن تكرارها إذا وقعت كارثة في المستقبل.

وفي مقابل التضييق والخصم من دخل الغلابة، قام السيسي بزيادة دعم الغاز الطبيعي والكهرباء المستخدمة في المصانع الكثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل مصانع الحديد والسيراميك التي يمتلكها الليبراليون القدامى والجدد.

واقترض السيسي 18 مليار دولار من الخارج في آخر ثلاثة أشهر  فقط لمواجهة جائحة كورونا. أنفق منها مليارات الجنيهات لدعم فئة قليلة من الأغنياء. فأنفق 20 مليار جنيه لدعم البورصة المصرية التي تمتلك أسهمها فئة قليلة من الأغنياء والأجانب. وضخ 50 مليار جنيه لدعم القطاع السياحي وأصحاب الفنادق المملوكة للأغنياء والأجانب، و50 مليار لدعم القطاع العقاري الذي يحتكره الجيش وحده، و100 مليار جنيه لدعم المصانع. ، ولم يشترط وقف تسريح العمال والموظفين أثناء الجائحة.

هذه السياسة الانتقائية الانتقامية قضت على الطبقة المتوسطة ونجحت في إسقاطها في دائرة الفقر والتمحور حول لقمة العيش. وأعلن البنك الدولي في مايو/آبار من العام الماضي عن تنامي عدم المساواة في مصر. وكشف عن أن 60% من المصريين أصبحوا إما فقراء أو عرضة للفقر بسبب هذه السياسات.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه