هل أصبحت تركيا قاطرة العبور؟!

نرى أحفاد “سيكس بيكو” من العملاء العرب يمولون كل أعداء تركيا، لعلهم يوقفون تقدمها، وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي.

 

ما كان أحد ليهدد تركيا لو بقيت على نهجها القومي الذي يعادي العرب ويحارب الإسلام، وما كان ليمسها أحد لو كان يحكمها رئيس من نوع أتاتورك أبو العلمانية التركية المعادي للهوية الإسلامية، ولما خططوا لعملية الانقلاب الأخيرة، ولما سعوا إلى محاصرتها من البر والبحر، ولما هاجموها بدُمي العرب من الثورة المضادة وأبواقهم، ولما وقع إجماع دولي على حماية العصابات الكردية الماركسية المسلحة في سوريا والعراق لعزل تركيا عن محيطها العربي والإسلامي.

إنَّ الهجمة على تركيا الحديثة اليوم أشد واقوى من الهجمة على تركيا الخلافة، وقد انضم أعداؤها في الإقليم إلى أعدائها من خارجه. لكن، لماذا يُراد الإطاحة بتركيا؟!

إن خطة الحرب العالمية الأولى فشلت في إقليمنا: ففشل مشروع فرض العلمنة، وفشلت معها الفرضية التي طالما روجوا لها والتي تقول باستحالة الجمع بين قيم الحضارة الإسلامية وقيم العصر الحديث.

وهذه هي الخطة التي كان يُراد بها ضرب الشعبين (العرب والأتراك) واللذين يعتبرهما الغرب خطرا محتملا لا ينبغي ترك الفرصة لأحدهما ليستأنف دوره التاريخي أو أن يتصل بالآخر.

والغرب اليوم مطمئن إلى أن خطته بالنسبة للعرب ناجحة حتى الآن بسبب السيطرة على أكبر العواصم العربية: (بغداد ودمشق والقاهرة والرياض)، بل شكلت الأنظمة الحاكمة في هذه العواصم حلفا مضادا لتركيا ولثورة شباب الإقليم.

ليست مقصورة على أردوغان:

إن تركيا لا يمكن لها أن تنتظر خيرا من أوربا، لأن أوربا لم تتخلص بعد من عقيدتها الاستعمارية ولم تنس دور العثمانيين في تاريخها.

لذلك فالمعركة على تركيا ليست مقصورة على شخص أردوغان، ولا حتى على حزبه، بل تستهدف الشعب التركي الذي بيّن لهم أن الثلاثية:( عسكر الدولة والعلمانية والقومية) التي كانوا يستعملونها للتحكم في مصير تركيا، وإيقاف استئنافها، هذه الثلاثية لم تعد ذات فاعلية، وقد اثبت الشعب التركي فشلها من خلال تصديه للمحاولة الانقلابية الأخيرة وإجهاضها، ومن خلال احتفائه بقرار عودة أيا صوفيا كما كانت مسجداً..

إن ما حدث في تركيا خلال أقل من عشرين عاما يشبه المعجزات. لذلك فأعداء تركيا من دمى الإقليم وصانعيها يضاعفون الهجمة الآن على تركيا، لأن “الرجل المريض” قد استردَّ عافيتَه ولم يفقد روحه، وأصبح “الرجل السليم” الذي يمكن أن يمثل نموذجا قادرا للانبعاث الإسلامي، الذي يجمع بين قيم الأصالة وقيم الحداثة في كل المستويات دون التخلي عن هويته وتراثه وحضارته.

إن استهداف النموذج التركي ليس لذاته فحسب، بل خوفا من أن يصبح نموذجا قاطرا لكل المسلمين، وخشية أن تصبح تركيا نواةً يجتمع حولها العالم الاسلامي.

فكبار استراتيجيي الغرب يعتبرون الإسلام سرطانا في قلوب خُمس البشرية ومن ثم يخططون لمحاربته كمحاربتهم للاشتراكية والشيوعية من قبل.

لقد حاولوا ضرب تركيا بقنبلة “القومية” والطائفية” ففشلوا، ثم بالانقلاب العسكري الدموي ففشلوا أيضا، فلجأوا للعصا الغليظة وهي ضرب الاقتصاد والثقافة، وهما أقوى سلاحين بيدي من يخشى عودة تركيا لذاتها وطموحها ولدورها في تاريخ الأمة.

في الماضي تطلب تحقيق ونجاح “وعد بلفور” ومشروع تقسيم “سايكس- بيكو” حتمية إسقاط تركيا الخلافة.

واليوم فإن “وعد ترمب” أو “صفقة القرن”، ومشاريع التقسيم الدولية الجديدة، ومشروع إسرائيل الكبرى.. يتطلب إسقاط تركيا الحديثة لتمرير المشاريع الطامعة في الإقليم.

لذلك نري أحفاد “سيكس بيكو” من العملاء العرب يمولون كل أعداء تركيا، لعلهم يوقفون تقدمها، وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي.

الثورة المضادة ضد تركيا:

 فأعراب الثورة المضادة يجتمعون الآن على تركيا، فتحريض النظام السعودي على تركيا سراً وعلانية، ليس سوى مؤشر جديد على تاريخ طويل لأسرة خذلت العرب والمسلمين منذ الحرب العالمية الأولى، لكن شعوب الإقليم غير هؤلاء العملاء والخونة الذين  لا شرعية لهم، فالشعوب مع تركيا بقلوبها وبعقولها، لأنَّ تركيا انحازت إلى ثورة الشباب العربي في كل الإقليم وكان يمكن لهذه الثورة أن تفشل لولا:  مساعدة تركيا المعنوية ورعاية المهجرين،  والقيادات التي لجأت إليها، وصمود شباب سوريا وليبيا.

ولذلك تواجه تركيا وثورة شباب الإقليم من النفاق وأهله والإرجاف وأبواقه ما واجهته الخلافة العثمانية من قبل، ولا تفسير له إلا الخيانة والعمالة. ونكران الجميل، فلا يمكن لعربي له ذرة من الرجولة والشهامة أن ينكر الجميل.

فلولا الخلافة العثمانية لما بقى العربي عربيا  بعد سقوط الخلافتين العربيتين (الأموية والعباسية)، و لولا الأتراك السلاجقة لذهبت ريح السُنَّة والعرب، ولولا العثمانيين لما بقي مسلم في الإقليم أمام حروب الاسترداد وغزو المغول، والحروب الصليبية، ولولا العثمانيين لصار البحر الأبيض المتوسط تابعا لروما، ولكان نفس الشيء قد حصل في بحر العرب والبحر الأحمر والخليج.

إن تركيا تخوض اليوم كفاحًا عظيمًا في بحر إيجة والبحر المتوسط وليبيا وسوريا وشمال العراق وجميع أراضي المنطقة وتصد كل الهجمات ومحاولات الحصار التي تأتيها من كل تلك المناطق.

إن التضامن بين العرب والترك أشد ما تخشاه القوى الغربية الصليبية ووكلاؤها المحليون منذ سقوط الخلافة العثمانية إلى يومنا هذا.

فكون تركيا بدأت تتخلص من عقدة القومية التي زرعها أتاتورك وتعود تدريجيا إلى ما يجعلها تصبح دولة كونية -أعنى هويتها التاريخية – وعمقها العربي والاسلامي، وتجاوز حدود القوة المسموح به فذلك هو سر كل هذه الهجمة الشرسة على تركيا اليوم.

ولو نجح الأعداء – لا قدر الله – في ضرب تركيا، فالنكبة ستكون أكبر على الشعوب العربية والإسلامية من نكبة سقوط الخلافة، وهذا هو حلم الغرب وأمريكا وإيران وإسرائيل وكل الأنظمة العربية العميلة. وقد رأينا كيف أن نجاح الانقلاب في مصر قد أثر سلبا على كل شعوب المنطقة التي ترغب في الحرية والعدالة والكرامة.

حفظ الله تركيا شعبا وأرضا وقيادة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه